فيلادلفيا نيوز
الثامنة مساءا بتوقيت عمان ، كم لهذا الوقت في الذاكرة والقلب من مكان ، الثامنة مساءا ، تراه الى ماذا اعادني هذا الرقم وهذا التوقيت تحديدا ، ربما الى هناك الى ايام مضت ، ظننت انها ذهبت بلا عودة .
الثامنة مساءا من عمان ، كانت وكانما هي شعار لمرحلة اردنية بمعطيات سياستها واقتصادها واعلامها وميادينها كافة ، ، الثامنة مساءا ، ما ان تدق عقارب الساعة معلنة اياها ، وكانما كل شئ يقف ، يصمت ، يسكن ، دقات الساعة الثامنة حانت ، لتخبرك بل وتجبرك على التوقف ولو لبرهة ، تاركا كل متعلقات الحياة ، وحتى ضجيجها يتسلل الى خارج المنزل ، لحظات فيلتف المكان بالسكون الا من بعض انفاس ، حتى في حينها لم يكن يسمح لنا بها ، فقط هي العيون تتلاقى والنظرات تتجول هنا وهناك ، لكن من دون كلام ، شارة اخبار الثامنة موسيقاها كانت تصدح في الاركان انذاك بقوة ، كانما هي سيمفونية تخلد في الاذهان ، ، تتوقف الموسيقى ليطل علينا احدهم من أعلام الإعلام الاردني الذين لا زالت اسماؤهم خالدة في الوجدان ، بحضورهم المميز ، وبشخصيتهم الاردنية ، وبنبرات اصواتهم القوية ، وبجدية القائهم للنشرة الاخبارية ، يطل علينا عبر الشاشة الصغيرة ليعلنها ” الثامنة مساءا من عمان” ، ليبدأ نشرة الاخبار من التلفزيون الاردني ، (اليكم العناوين) ” وبعدها ” (واليكم التفاصيل) ” ، لا زال سكون الاسرة المجتمعة قاطبة وعيونهم على التلفاز ، واذانهم صاغية تماما ، لكلمات كل خبر ، ولحيثات كل لقطة ، حاضرة في ذهني ، لا يسمح لنا في اثنائها حتى البوح باي كلمة ، ولا حتى لمجرد التعليق على خبر ما ، ما ان تنتهي نشرة الاخبار حتى تعود الحياة العائلية لطبيعتها من جديد.
وكاني اراني اليوم في زمن عودة الروح لتلك الايام الخوالي ، ففي عصر العولمة ومنصات التواصل الاجتماعي وكثرة متطلبات الحياة وازدحام ساعات اليوم ، تاهت المعاني ، وتغربت الكلمات ، وضاعت الاسس الجميلة لجلسة الاهل ، وللقمة هنية ، نغمس بخبز طابونها وشراكها زيتها بزعترها ، اهو القدر ، ان يعاد التاريخ من جديد ، وما نعيشه هذه الايام مع جائحة كورونا ، والحظر الذي دعت اليه الدولة ، فكأنما الايام تأبى الا ان تتلاقى لتذيب المسافات. وتمحوها ، غدونا نشتم رائحة الخبز في بيوتنا ، ورائحة الزعتر وحتى حلويات ذاك الزمان عجت بها بيوتنا ، بتنا في كل ليلة وعند الثامنة مساءا بتوقيت عمان ، ، كل منا ينهي مسرعا ما بين يديه ، ليجلس امام التلفاز منتظرا اطلالة وزيري الاعلام والصحة ، ليلقيا على مسامعنا التقرير اليومي بخصوص وباء كورونا ، فما ان يطلا علينا حتى نتنفس الصعداء منتظرين ما بجعبتيهما ، بتنا نحكم على الوضع الصحى من نظرتهم ، من راحة محياهم ، من ملامح وجوههم ، احيانا نطمأن ارواحنا ، واحيان اخرى نخبئ خوفنا داخلنا .
يا لها من مصادفة لا اعلم كيف اعادتني هذه الظروف لسنوات مرت ، ايقظت بداخلي ذكريات وذكريات ، واعادتني الى سنوات خلت كانت فيها الاسرة الاردنية متداخلة مترابطة اهل واقارب وجيران ، كل منا يعرف الاخر ، يسأل عن الاخر ، ذكريات اعادتني الى سنوات مضت ، كنت اعتقد انها لن تعود ، الا انها عادت ، لكن باختلاف الظروف ، رغم انه وباء ، حصد الارواح ، واوقف حركة الحياة ، واوحش الامكان ، واسكن الطرقات ، الا انه من غير ان يقصد ، اعاد اجتماع. الاهل ، اعاد الاسرة الاردنية الى ما هيتها الى اصلها ، مع اني كنت اظن انها فنيت وفنيت معها حتى تفاصيل صغيرة ، ، بصفاىها ، بطيبة اهلها ، باتساع مساحة القلوب ، بيوتات ضيقة كانت تتزاحم بها الاجيال ، الا انها كانت تتسع وتزخر باحاديث الاجداد الممتعة والشيقة ، وتوجيه الاباء ، ولهو الابناء بفنائها .
فاللثامنة مساءا في وطني معاني تتجدد على مرآى الايام ، فالاردنييون انقياء ، دواخلهم تمتد الى اجيال زرعت ووجهت ، وناضلت وقدمت ، وخرجت اجيال ، هي استمرار لما قبلها .وستبقى للثامنة مساءا في عمان بل وفي الاردن قاطبة معاني خاصة لمن عايشوا هذه المرحلة( زمن الكورونا). ، التي رغم صعوبتها الا انها جمعتنا كاردنيين على قلب رجل واحد . وسيذكرون كما تذكرنا نحن وسيروون لاجيال ستعقبهم كيف وقف الاردنييون صفا واحدا وشدوا ازر بعض لمواجهة الوباء فكان لهم ما ارادوا بفضل الله وجهود القيادة والحكومة والقوات المسلحة والاجهزة الامنية وحتى المواطنين كل في موقعه.