فيلادلفيا نيوز
تؤشر دراسة أجراها ديوان الخدمة المدنية إلى أنَّ المعدل العام لعدد ساعات العمل لدى موظفي القطاع العام يتراوح بين 3 ساعات ونصف إلى أربع ساعات من أصل 7 ساعات عمل مطلوبة منهم فعليا، ما يفرض لزاما على كل موظف الالتزام بأخلاقيات العمل لدى المؤسسات الحكومية كافة.
وقال رئيس ديوان الخدمة المدنية الأسبق هيثم حجازي لــــــ”بترا” إنَّ هذه الدِّراسة جاءت بعد طلب عدة دوائر موظفين للعمل لديها، فكلفت لجنة لإجراء دراسة، فخلصت إلى أنَّ معدل ساعات الموظف تتراوح بين 3 ساعات ونصف إلى أربع ساعات، وأما الوقت المتبقي فتوزع بين زيارات مكتبية ومغادرات خاصة وطبية.
وبحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي لعام 2018 فإنَّ عدد موظفي القطاع العام الحكومي والبالغ نحو 219 ألف موظف، مرتفع مقارنة مع عدد السكان في ظل مستويات متدنية من الأداء، وهو أمر يمكن ملاحظته من خلال نتائج جائزة الملك عبدالله الثاني لتميز الأداء الحكومي والشفافية، ونتائج دراسة ديوان الخدمة المدنية.
وجاء في تقرير المجلس أنَّ عدم الالتزم بسَّاعات الدوام يشكل عبئًا ماليا هائلًا على الدولة، ناهيك عن انخفاض معدلات التَّوجه للعمل في القطاع الخاص، وارتفاع فاتورة التقاعد ونسبة البِطالة المقنَّعة، وما يترتب عليها من آثار سلبية على ممارسات العاملين في المؤسسات الحكومية وغير ذلك.
وقالت استاذة الإدارة العامة ومساعد عميد شؤون الطَّلبة في الجامعة الأردنية الدكتورة جمانة الزعبي لــــــ”بترا” إنَّ تطبيق أخلاقيات العمل العام في القطاع الحكومي أهم من تطبيقه في الشَّركات وأماكن العمل الأخرى، لأنَّ الموظفين في هذا القطاع يقدِّمون خدمات للمجتمع، ويحاولون تلبية متطلباته واحتياجاته، ما يعني أنَّ السلوك الأخلاقي مهم جدًا.
وأكدت انَّ الموظف الملتزم باخلاقيات العمل العام يحقق فعالية الحكومة في علاقتها مع الجمهور الذي يستقبل خدماتها، ويعكس تطبيق الحكومة لهذه الأخلاقيات التزاما وطنيا يسود مؤسسات الدولة كافة.
ولفتت إلى أنَّ التزام الموظفين بتطبيق أخلاقيات العمل العام يعكس احترام الدستور الأردني وتفعيل القوانين والاخلاقيات المجتمعية، وتعامل الموظف العام مع المواطنين دون تمييز ما يعطي انطباعا ورضا لدى الجمهور.
ودعت إلى أهمية استيعاب العاملين في القطاع العام القوانين والأنظمة وتطبيقها بشكل واضح، مشيرة إلى أن هناك ضَعف ثقة لدى المواطن بسبب اتهامات بالفساد لفئة من ضعاف النفوس الذين يستغلون الوظيفة، بالإضافة إلى قلة الكفاءة وغياب العدالة والمساواة والنزاهة ما وسع الفجوة بين مقدم الخدمة ومتلقيها.
واوضحت أن هذه الفجوة يمكن معالجتها من خلال الالتزام بأخلاقيات العمل العام من قمة الهرم المؤسسي حتى قاعدته، وتطبيق مبادئ النزاهة الوظيفية، لأن تعزيز السلوك الأخلاقي في المستوى التنظيمي يفرض معايير سلوكية واضحة على الموظفين لإعادة الثقة إلى هذه المؤسسات.
وأشارت إلى ضرورة رفع مستوى الوعي والإدراك لدى الموظف الحكومي، وأنَّ تبتعد الدورات التدريبية عن الإطار النظري إلى الواقعي التطبيقي الذي يلامس احتياجات الموظف العام ويسهم في تطويره وتحسين أدائه. وبينت أنَّ أخلاقيات العمل لها أربعة مصادر رئيسة، وهي الدِّين، والبيئة الاجتماعية وتشريعات الخدمة المدنية والثقافة التنظيمية.
وأكد الخبير الدستوري والقانوني الدكتور سيف الجنيدي إنَّ الفقه والقضاء الإداريّين أقرَّ ثلاثة مبادئ قانونيّة راسخة تحكم المرافق العامّة، وهي سير المرافق العامّة بانتظام واطّراد، ومبدأ قابلية المرفق العام للتّعديل والتّغيير، ومبدأ المساواة أمام المرافق العامّة، ومن هذه المبادئ ينبثق جوهر أخلاقيات العمل العام والفلسفة القانونيّة لها.
وأضاف أنَّ الدستور الأردنيّ منح بموجب المادة 120 السّلطة التنفيذيّة صلاحية عامّة بتنظيم شؤون الوظيفة العامّة بموجب أنظمة مستقلة، وبناء عليه صدرت أنظمة متعاقبة لتنظيم شؤون الوظيفة العامّة، آخرها نظام الخدمة المدنيّة رقم 9 لسنة 2020 ساري المفعول، بالإضافة إلى الأنظمة الخاصّة ببعض المؤسسات العامّة.
واوضح أنَّ الالزام القانونيّ بقواعد السلوك الوظيفيّ للوظيفة العامّة وأخلاقياتها يستند إلى المبادئ القانونيّة الثلاث، كما أن المادة 68 من نظام الخدمة المدنيّة اعتبرت الوظيفة العامة مسؤولية وأمانة لخدمة المواطن والمجتمع تحكمها وتوجه مسيرتها القيم الدينية والوطنية والقومية للحضارة العربية والإنسانية.
وتابع أن قواعد السلوك الوظيفي تلزم الموظف التّقيد بأوقات الدوام الرسمي وأداء مهام وواجبات الوظيفة الموكلة إليه بنشاط وأمانة ودقة، والمحافظة على المال العام ومصالح الدولة وممتلكاتها وعدم التهاون بأي حق من حقوقها.
وأضاف أنَّ مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة حظرت بموجب المادة 6 عدم استغلال الوظيفة العامة لخدمة أغراض أو أهداف أو مصالح حزبية أو جهوية أو شخصية، تحت مبدأ التّأديب الإداريّ الذي يقرّر سلطة تقديرية للإدارة في تتبّع المخالفات المسلكيّة ضمن قاعدة “لا جريمة إلاّ بنص” ومعاقبة مرتكبيها، أي لا تنحصر المخالفات المسلكيّة في الوظائف العامّة بأنماط محدّد على غرار التّشريعات الجزائيّة، وإنّما يعد كل تصرّف يخالف المبادئ القانونيّة مخالفة مسلكيّة تستوجب الملاحقة التأديبيّة.
وقال: إنَّنا نلحظ ممارسات مدنيّة تصنّف ضمن نطاق المُخادعة التي تؤسّس لثقافة مُجتمعيّة قائمة على مُغالطةٍ في فهم مبدأ سمو الإرادة الشعبيّة، وممارسة العمل المدنيّ ضمن نطاق الرّقابة بأسلوب المُعارضة السلبيّة لتحقيق أجندات خاصّة بعيدة كل البعد عن المصلحة العامّة، وترسيخ وَهم المعرفة بمنظومة حقوق الإنسان بنمطٍ فاقدٍ للمبادئ والمعايير الحقوقيّة.
وأكد أنَّ الخروج عن مقتضيات المصلحة العامّة ليس مخالفات قانونيّة محضة فقط، وإنّما ترتقي بعض حالاته إلى خطر على البنى الاقتصادية والاجتماعيّة والثقافيّة والأمنيّة، وتشكّل مثل هذه الحالات بوادر أزمة ديمقراطيّة في الدولة.
ولفت إلى أنَّ بوادر الأزمة الديمقراطية خلال الأعوام القليلة الماضية برزت عبر استفتاء خروج بريطانيا من الإتّحاد الأوروبي، وحركة السّترات الصّفراء في فرنسا، وربّما يُضاف لهذين المظهرين ما يشهده الأردن اليوم نتيجة الصّراع المحتدم مع نقابة المعلمين الذي أنتج أزمة ديمقراطيّة أدّت إلى انعكاسات سلبيّة عميقة أخلّت بمنظومة حقوق الإنسان، وقلّصت فرص تمكين الأفراد من ممارسة حقوقهم، ومحاولة صدع العلاقة الحقوقيّة بين المُجتمع والنّظام السياسيّ، بسبب تغييب المصلحة العامّة، وغياب مفهوم المواطنية الفاعلة، وتحفيز المُناكفة والتّذمر حول المسائل المُتعلّقة بالشّأن العام، بدلاً من اعتبار المُواطن شريكاً في بناء الدّولة والنّهوض بها.
وقال وزير تطوير القطاع العام الأسبق ماهر المدادحة إنَّ أيَّ موظف في القطاعين العام والخاص يعلم جيدًا عندما قَبِل بالوظيفة، بمقدار الأجر الذي سيتقاضاه لقاء عمله وطبيعة ذلك العمل والحوافز المصروفة له، ولا مبرر للانحراف عن أخلاقيات العمل العام مهما كانت الظروف الاقتصادية والوظيفية التي يعيشها.
ولفت إلى أنَّ جزءا من شخصية الموظف الاتسام بالأمانة والإخلاص والحفاظ على مصلحة العمل والممتلكات، وأنَّ الالتزام باخلاقيات العمل واجب قانوني ومهني على الجميع الالتزام به من خلال تطبيق الأنظمة واللوائح الدَّاخلية.
وبين أنَّ المؤسسة التي ينتمي لها الموظف يجب أن تلعب دورًا كبيرًا في تنمية هذه الأخلاقيات من خلال التدريب المستمر والتطوير وتقديم الحوافز المالية والمعنوية وتحسين مستواه، بحيث يصل هذه الموظف إلى علاقة انتماء حقيقية مع مؤسسته وتوفير البيئة الايجابية له.
وأكد أنَّ منظومة العمل تحتاج إلى توجهات إدارة سليمة وتعليم وتدريب مستمر والاهتمام النوعي الذي يجنب المؤسسة والعاملين ومتلقي الخدمة ردَّة الفعل السلبية، كما أنَّ المؤسسات لا ينبغي التَّعامل معها بالوتيرة نفسها، فهناك مؤسسات مختلفة ذات طبيعة حساسة تحتاج إلى اهتمام واختيار العاملين فيها بدقة.
ولفت إلى أنَّ معالجة انحراف الموظف يكمن في قرب الدائرة من موظفيها وإشعاره بقيمته ما يتولد لديه شعور بالانتماء بعيدا عن الفساد،مشيرا إلى ان هناك عوامل كثيرة تؤثر على اختيار موظفي القطاع العام، ولاسيما القيادات، داعيا إلى التقييم المستمر ومتابعة الأداء والتَّقييم والمساءلة وتفعيل الثواب والعقاب.(بترا)