فيلادلفيا نيوز
تقرير خاص
لسنا بصدد الحديث عن كيفية اختيار الوزراء وهي قصة أصبحت معروفة لدى أكثر المواطنين بأنها تستند لأسس لا علاقة لها بالكفاءة والجدارة ، لم يعد منصب الوزير تكنوقراط ولا سياسي ناهيك عن أن يكون حزبي أو حكومي نيابي، إنهم وزراء بمواصفات ليست خاصة لكنها باتت مكشوفة أكثر من اللازم لأنها مواصفات تقوم على معايير ذات اعتبارات اجتماعية بحتة.
لسنا بصدد الحديث عن أداء الوزراء الذين لا يختلف أداؤهم عن موظفي وزاراتهم.
لكن الحديث عن وزير تلاعب بالأرقام والبيانات من أجل البقاء على كرسي الوزارة وربما أوحت نفسه إليه بأن يكون رئيس الوزراء القادم.
منذ أن جاء هذا الوزير إلى الوزارة بدأ في سلسلة من الاجراءات تمثلت في الإقصاء لعدد كبير من مدراء الإدارات ، بل ابتدأ الخلاف مع الأمين العام الذي لولا تدخل رئيس الوزراء شخصيا لكان خارج الوظيفة حيث تم اقالته من منصب الأمين العام ومنحه منصب مدير عام، لعدم التزام الوزير بتعليمات التعيين على وظائف الإدارات العليا، فقد تم تعيين الأمين العام للوزارة بعد خلع الأمين العام السابق دون الإعلان عن الشاغر، وتم تعيين الأمين العام السابق مديرا عاما دون الإعلان عن الشاغر، ناهيك عن تعيين رئيس احدى الهيئات وعضوية مجالس الهيئة، وفي أول اجتماع عقده الوزير لمدراء الإدارات في الوزارة ظهر تعاليه واستفراده في القرار حيث هدد جميع الموجودين بأنهم معرضون للإقالة أو التقاعد وأن كثيرا منهم فاسدون. وبالفعل شن الوزير جملة مناقلات غريبة بل اعلى درجات الغرابة، حيث كان يطرز كتاب نقل لمدير ثم يعود للتراجع عنه أو تغيير مكان النقل، وتم تعيين عديد من الموظفين الذين لا تؤهلهم درجاتهم ولا خبراتهم ولا سنواتهم الوظيفية لمناصب في الإدارة الوسطى تارة بذريعة ضخ دماء شابة وتارة بذريعة تمكين المرأة في صنع القرار، لكنه وضع في منصب الأمين العام شخص وصل للتقاعد وربما زاد عن ذلك.
في كل تلك الممارسات لم يلتزم الوزير بأية تعليمات ناظمة حتى تلك التي وضعها بنفسه في نظام الخدمة المدنية.
لقد أشاع هذا الوزير داخل الوزارة أجواء من الريبة وعدم اليقين، حتى أصبح كل موظف يخشى من زميله أن يشي به للوزير الذي فتح آذانه لكل الوشايات والإشاعات.
فأصبحت الوزارة مكانا موبوءا مكتظا بالتوتر وعدم الاستقرار والشعور بقلة الحيلة، وصار الموظفون يتندرون أنهم يتصلون صباحا قبل فتح مكاتبهم بالديوان كي يتأكدوا إن كانوا ما زالوا في مواقعهم أم تم نقلهم ليلاً.
وليس بعيداً عن الوزارة تدخل هذا الوزير غير المفهوم في المؤسسات التي تتبع إداريا لوزارته باعتباره رئيسا لمجالس اداراتها، فكانت طريقة إقصاء مدرائها العامين حكاية حزينة وبائسة لا تليق بسمعة القطاع العام واحترامه لمن بذلوا حياتهم في الوظيفة العامة.
مثلا أحد المدراء العامين كان قد أنهى العمل وذاهب إلى بيته في نهاية دوام يوم الخميس، حيث جاءه اتصال وهو بالسيارة أنه تم احالته على التقاعد، ويذكر هذا المدير أنه في نفس اليوم كان لديه اجتماع في مبنى رئاسة الوزراء، والتقى دولة الرئيس والوزير شخصيا، ولم يشعر أن كتابه كان جاهزاً للإحالة على التقاعد.
أما المدير العام الثاني فقد كان في اجتماع لما بعد الساعة الثالثة والنصف، وكان الوزير قد اجتمع بعدد من موظفي هذه المؤسسة قبل يوم واحد، وفي غمرة الاجتماع وردت على جهاز الهاتف الخاص بالمدير العام رسالة تحمل رابطا لخبر إحالته على التقاعد، فما كان منه إلا أن نظر نظرته الأخيرة، ونثر الأوراق التي أمامه مع القلم، وقام عن كرسي الاجتماع وهو يقول: كملوا أنتم الاجتماع. علما أن الوزير وقبل يوم واحد، تحدث عن هذا المدير العام مادحا له أمام حشد من الموظفين.
هذا الوزير الذي لم يدع محاولة أو تجربة إلا وقام بفعلها، كان واضحاً أنه يحمل أجندته الخاصة التي لا علاقة لها بمفهوم العمل العام المؤسساتي، بل كانت أجندة تقوض أي عمل جماعي.
لم يكن يحترم الوقت والمواعيد، كل الاجتماعات التي يترأسها أو الدعوات التي يتلقاها أو اللقاءات التي يرعاها أو حتى الجلسات في مجلس النواب، كانت السمة الرئيسة تتمثل في التأخر عن الالتحاق بها من طرف الوزير متذرعاً بأسباب واهية للتأخير.
أصبحت الاجتماعات التي برئاسته مجرد لقاءات شكلية واستماع لتوجيهات وأوامر، وكل شيء قابل للنسف والتغيير واعتبار كأنه غير موجود بالأساس، واعتاد الحضور على أن يصبحوا مجرد مستمعين ومطأطئي الرؤوس، بعد أن استوعبوا وهضموا أساليب الوزير العجيبة.
هذا الوزير الذي بحق يستحق أن نطلق عليه لقب أبو الأرقام، فهو المغرم بالأرقام والنسب والمعدلات ، وأقحم الوزارة فيما لا طاقة لها به، تدخل بشكل كبير في الجريان الطبيعي لسير الادارة ، واستحوذ على الأرقام التي تنجزها المؤسسات التابعة لوزارته لينسبها كإنجازات إلى اليه ، حتى وصل الأمر به الانقضاض على إنجازات احدى النقابات الأردنية التي كانت على تواصل مع جهات اوروبية ، وقام بالسفر إلى اوروبا وبرفقته وفداً كبيرا على حساب الدولة، وفور عودته نسب لنفسه إنجازات توظيف الأردنيين في احدى الدول الاوروبية .
لقد غرق الوزير بالأرقام التي تتباين يوميا بعد يوم ومع كل تصريح له، وهذا متوقع في ظل بيئة متحركة غير ثابتة الملامح .
وللحديث صلة في تقارير قادمة