فيلادلفيا نيوز
لم أكن أعرف أنني في حضرة وطن؟
ولم أكن أعرف أنّ الوطن يمكن أن تحدّه جفون رجل؟
ولم أكن أعرف أنّ في هذا الزمن من تجري الحكمة على لسانه؟ أو تتمثله.
وعجبت وأنا الإعلامي الذي أعرف الناس جيدا، أن العين تنبئك بنضج صاحبها، وتقرئك أسراره وحكاياته، وتريك غبار الزمن الذي تراكم على اجفانها، وتعب العمر الذي استحال قصة تروى كلما تاهت الخطى…فتاهت فراستي أمام وهج البصيرة، وسطوة البديهة، فقلّب ذلك السفر أوراقي، وأنا القارئ الحذق…
هذا أنا، أو غيري، ممن يتباهون بقوة معرفتهم وحضورهم حين يلتقون قامة كبيرة من قامات هذا الوطن، ويرحلون مع مثقف في ذاكرة هي أم الحكايات، وينظرون مع قائد لمستقبل يلوح كبرق في حمّى العاصفات…
أنه “المعلّم”، طلال أبو غزالة
فحين تكون في حضرته، تعرف أن الأمّة ما تزال تخبئ في رمادها جذوة، وأن في هذا الوطن تجارب كبيرة علينا أن نقتديها، وأن نتعلم من مسيرتها وكفاحها.
هي نصف ساعة، كان زمن اللقاء، لكنه وقت طويل في مقياس الحكمة واستلهام التجارب، فمثل هذا القامة يكفي أن تجالسه لدقائق حتى تكتشف فيض الإبداع والمثابرة، وتلمس الحرص على تقديم العرب بوصفهم صنّاع حضارة وركنا اساسيا في التجربة الإنسانية، وتستمع لحكاية نجاح ومغامرة خلّاقة تستحق أن تقتدى.
في حضرته، تسوقك الرؤى والخيالات، وتعود بك الذكريات إلى زمن بعيد، حيث ولد أبو غزالة، طفلاً انضجته الأحلام قبل أن يولد، ليقف اليوم مزهوّا يقرأ في هذا العمر الذي يشبه القصيدة المعلّقة، الملحمة، يعلّقه كمعلّقة على أطراف شمس الحياة التي تستقي منها الكواكب أسرار البقاء.
فطلال أبو غزالة الذي ينتمي للحقيقة لا يمكن أن تختزل حكايته في مقالة، لكننا نحاول ان نرسم على هذه الطريق نجمة، وما عسانا ان نقول بعد قوله، أو نروي بعد روايته، أو نذرع الخطى على مقاس خطاه… فالرجل الذي جعل من الأردن نموذجا في التكنولوجيا، وقال ذات يوم عن مسقط رأسه فلطسين الحبيبة: إن أشد ما يخشاه عدونا هو زيادة مستوى التعليم والمعرفة في أوساط الشعب الفلسطيني… هو ذلك النموذج الفذ الذي يسير اليوم في دائرة الضوء مبدعا صادقا، ووطنيا كبيرا، ورقما صعبا في الاقتصاد وأقتصاد المعرفة…
والأهم من كل ذلك، هو رجل سيّج الوطن باجفانه.