الجمعة , مايو 30 2025 | 9:08 ص
آخر الاخبار
الرئيسية / stop / الاستاذ الدكتور مخلد الطراونة يكتب: (حين ينطق العلم وفنجان القهوة باسم الوطن )

الاستاذ الدكتور مخلد الطراونة يكتب: (حين ينطق العلم وفنجان القهوة باسم الوطن )

فيلادلفيا نيوز

صبيحة الخامس والعشرين من أيار… كان صباحًا عاديًا من حيث الطقس والزمان، لكنه حمل في طيّاته موقفًا استثنائيًا، سيبقى محفورًا في ذاكرتي كوشم من ذهب.

كنت أدخل الجامعة الدولية بخطى واثقة، يوشّح صدري علم وطني… ذاك المستطيل ذو الألوان التي لا تموت، والنجمة التي لا تنطفئ. كان العلم يحتضنني كما تحتضن الأم وليدها، وكأنني لم أكن أرتديه، بل كان هو من ارتداني.

وما إن تجاوزت البوابة حتى استوقفني شابٌ غريب، ملامحه تنبئ بخليط من الوقار والود. تبين لاحقًا أنه من دولة الكويت الشقيقة، تقدم نحوي وكأن شيئًا ما يدفعه دفعًا، ثم قال بكلمات تخرج من قلبه لا من لسانه:

“دكتور… هذا العلم الذي يوشّح صدرك نحبه كثيرًا، نحب أهله، نحب أرضه، ونجلّ قيادته… وكم هو جميل على مرتكز قلبك. لا أعرفك، ولكن العلم أشار لي بأنك من النشامى الذين نحب.”

تجمدت اللحظة في الزمن. توقفتُ عن كل تفكير، وكأن كلماته سحبت مني الهواء وأبدلته بشهيق من الكبرياء والعروبة. كم من الجمال حملت كلماته؟! جمال الصدق، جمال العفوية، جمال الوفاء لروابط دمٍ وتاريخٍ وهويةٍ تتجاوز كل ما هو مادي وعابر.

في داخلي، شعرتُ بوخزة ندم لطيفة… فذلك الصباح، كنت أنوي أن أرتدي علم الكويت على كتفيّ، كتحيةٍ لأهلها، لكنني ترددت في اللحظة الأخيرة. والآن، هذا الشاب النبيل يدفعني بكلماته لأن أعود، لا مجاملة، بل امتنانًا.
عدتُ إلى بيتي، وارتديت علم الكويت، كما يرتدي المحب عباءته في ليلة اشتياق. لم يكن علمًا فقط، بل كان شرفًا.

ولم تنتهِ الحكاية عند ذلك الحد…
بعد قرابة الساعة، وبينما كنت أجلس في زاوية هادئة من الحرم الجامعي، إذا بي أراه يعود، يحمل في يده شيئًا صغيرًا، لكنه عظيم المعنى: فنجان قهوة عربية.
بحث عني في صمت حتى رآني، ثم اقترب وقال:

“هذا لك… لك يا النشمي. تشربه عنّا، عن الشعب الأردني اللي نحب، عن كل نخوة وطيبة فيك.”

لم أتمالك نفسي. لم تكن مجرد قهوة. كان ذلك الفنجان أغلى من كل الأوسمة. فنجان محبة، فنجان أخوّة، فنجان عروبة نقية لم يلوثها الزمان ولا السياسات ولا المسافات.

في تلك اللحظة، شعرت أنني لست وحدي. شعرت أنني أنتمي لأمة ما زالت بخير، طالما فيها قلوب كقلب ذلك الشاب الكويتي.

يا كويت… يا أرض الخير والكرم، يا درة الخليج، يا صوت النخوة والوفاء… بورك شعبك، وبوركت قيادتك، وبورك كل قلب يحمل في داخله نبضًا عربيًا أصيلًا.
وشكرًا لذلك الفارس العروبي… الذي قال بكلماته ما لم تقله الكتب، وعبّر بفنجان قهوته عن محبة شعب كامل.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com