فيلادلفيا نيوز
قالت وزيرة الدَّولة لتطوير الأداء المؤسسي رابعة العجارمة إن مكافحة الواسطة والمحسوبية تتطلب إجراءات حكومية شاملة على الصعد كافة، وتحديد المنافذ التي تأتيان منها واغلاق الباب في وجههما، تشريعا وتنفيذا على أرض الواقع.
واضافت في مقابلة مع وكالة الانباء الاردنية (بترا) إنَّ هناك مبالغة كبيرة في الحديث عن الواسطة بالأردن، فلا ينكر أحد وجودها، لكن هناك تقدما وتطورا كبيرا وملحوظا في الدولة على مدى قرن من الزمان، تحسن خلالها مؤشر الأردن كثيرا على سلم الشفافية ومكافحة الفساد الدولي وأصبح يحتل مركزا متقدما.
وبينت أنَّ جلالة الملك عبد الله الثاني في كل مناسبة يتحدث عن سيادة القانون ووقف الواسطة والقيام بالإصلاح الإداري اللازم والمطلوب، ونفذت الحكومات المتعاقبة كثيرا من الإجراءات للحد من هذه الآفة، لكنها ما زالت موجودة وتحتاج إلى المواجهة الدّائمة والتخلص من فكرة أن المعاملة لا تُنجز إلا بواسطة.
وأكدت أنَّ هناك طرقًا عديدة للشكوى والتبليغ عن هذا الخلل أو أية مشكلة تواجه المواطن، وكلها يحاسب عليها القانون بعقوبات عديدة، ولذلك فإنَّ ثقافة ايصال الصوت والشكوى مهمة جدًا لكل من تقف في وجهه الواسطة وتصادر حقه في الوظيفة أو في أي قطاع حكومي.
وأشارت إلى أنَّ الإصلاح الإداري يكون بعلاج هذا المرض غير المستعصي على الإرادة، وهناك طرقا عديدة لذلك، منها تطوير وأتمتة الخدمات وتوفير الأدوات التي تساعد المواطنين على تقديم مقترحات وشكاوى تسهم في الحد من هذه الآفة، وتعزيز أدوات الرقابة الداخلية والخارجية، والعمل مع بعضها البعض لمواجهة هذا الوباء، وتدريب العنصر البشري وتأهيله وتمكينه.
ونبهت إلى أنَّ قضايا الواسطة حتى لو كانت قليلة، فهي تأخذ قيمة كبيرة عند الحديث عنها وتؤثر بشكل كبير على الأردن الذي يقاتل للانتصار على الفساد، ويجب توحيد الجهود كافة لمواجهة الظلم والفساد الكبير الذي يتمثل بالواسطة والمحسوبية.
وأشارت إلى أن أول مقابلة شاملة لجلالة الملك عبدالله الثَّاني مع دخول الأردن لمئة عام جديدة من عمره لوكالة الأنباء الأردنية (بِترا)، أعلن بأنَّ الواسطة والمحسوبية ظُلم وفساد، لتكون رسالة ملكية واضحة بضرورة تغيير هذه الصورة النَّمطية التي يتعلق بها كثيرون؛ لأخذ حقِّ غيرهم في التَّعيين أو إنجاز المعاملات.
وأكد تقرير هيئة النزاهة ومكافحة الفساد لعام 2019 بأنَّ أهم مظاهر الخلل في الإدارة العامة، هو غياب الأسس الواضحة لإشغال الوظائف القيادية والإشرافية في غالبية الجهات الحكومية، وذلك بخلو نظام الخدمة المدنية من ضوابط ومعايير بهذا الشأن، وضَعف قياس رضا متلقي الخدمة في معظم الجهات الحكومية الخدمية.
الخبير القانوني واستاذ التشريع سيف الجنيدي، قال إنَّ الواسطة والمحسوبية فساد يقوّض أسس العمل العام، ووصف المقابلة الملكيّة مع وكالة الأنباء الأردنيّة بأنّها رؤى استراتيجية نهضويّة لمسار الدولة الأردنيّة، تعكس مدلولات شرعية النّظام الدينيّة والمواثيقيّة”.
وأضاف أنَّ جلالة الملك حذَّر مبكّراً في الورقة النقاشيّة السّادسة من “تقويض أسس العمل العام”، وأنّ مجابهة الواسطة والمحسوبية هو واجبٌ وطنيّ ولا يمكن “أن نجعل من هذه الممارسات وسيلة نحبط بها الشّباب المُتميّز والكفؤ، أو نزرع فيه قناعة بأنّ مستقبله منذ إنهائه لدراسته الثانوية وخلال دراسته الجامعيّة وحتى انخراطه بسوق العمل، مرتبط بقدرته على توظيف الواسطة والمحسوبية لتحقيق طموحه”.
ولفت إلى أنَّ الشّباب المُنخرط في العمل العام يجد نفسه اليوم أمام تحدّياتٍ متراكمةٍ نابعةٍ من سبب جامع واحد، هو تغييب المصلحة العامّة وغياب مفهوم الشّأن العام، وهذه التّحديات اتخذت أنماطا متنوّعة.
وقال إنَّ المادة 16/ا/7 من قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم13 لسنة 2016 اعتبرت قبول موظفي الإدارة العامة للواسطة والمحسوبية والتي تلغي حقاً او تحق باطلاً جريمة فساد يُعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن أربعة أشهر أو بغرامة لا تقل عن خمسمئة دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين على أن تضاعف العقوبة للنصف في حال التّكرار.
وحظرت المادة 69/د من نظام الخدمة المدنيّة رقم 9 لسنة 2020 على الموظف العام استغلال وظيفته لخدمة أي منفعة شخصية أو لمنفعة أي طرف ليس له حق بها أو قبول أو طلب أي إكراميات مادية أو عينية من أي شخص له علاقة أو ارتباط بالدائرة أو مصلحة معها أثناء عمله، تحت طائلة المسؤولية التأديبيّة.
وأكد أنّ الواقع التشريعيّ في مكافحة الواسطة والمحسوبية غير المقترنة ببدل مادي أو معنويّ نستطيع نعته بالعجز وعدم الفعالية المقترن بضعف التّطبيق الفعليّ، داعيا إلى اعتبار مجرد الواسطة والمحسوبية فعلاً مجرّماً دون الاشتراطات الخاصّة للنتيجة الجرميّة بإلغاء حق أو تحقيق باطل.
وبين أنَّ القواعد العامة في قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، بالمواد 173 و 171 و 170 جرمت أنماط استغلال الوظيفة العامة لجلب منفعة الماديّة وبصورةٍ قاصرةٍ.
وأضاف إنَّه على الصّعيد التشريعيّ فإنَّ الحاجة اليوم في الأردن إلى مأسسة نظام وطنيّ فاعل يُؤمن بالحوار حول الشؤون التشريعيّة ويُحقّق التّواصل بين التّشريع والمُجتمع، واسترداد المعياريّة الحقوقيّة للتّشريع من خلال عدالة دستوريّة حقيقية وفاعلة، وتحسين نوعية التّشريع، وهو ما وجّه به جلالة الملك الحكومة خلال مرحلة سن مشروع القانون المعدّل لقانون ضريبة الدخل.
ولفت إلى انَّه يسبق هذا كلّه على الصّعيد الثقافيّ والمعرفيّ بناء ذاكرة وطنيّة جامعة نقية لمفهوم الشأن العام عبر إدماج الثقافة الحقوقيّة في المناهج التعليميّة للمدارس والجامعات، ورسم استراتيجيات لتعزيز مفاهيم المواطنية الفاعلة منذ النشء، وترجمة مبدأ الكفاءة لإشغال وظائف القطاع العام وفقاً لمبادئ الحوكمة الرّشيدة.
ونبه إلى أنَّ التّأصيل الدستوريّ للخروج عن مقتضيات المصلحة العامّة ليست مجرّد مخالفات قانونيّة محضة، وإنّما ترتقي بعض حالاته لتشكّل إساءة للمبادئ التأسيسيّة للدولة، والاعتداء الصّارخ على الاستقلال بمدلولاته التاريخيّة المُؤسِسة للدّولة، وتشكّل مثل هذه الحالات بوادر أزمة ديمقراطيّة في الدولة، ونقض الغاية السامية في بلوغ مرتبة المجتمع الديمقراطيّ المرتكز على مفهوم دولة الحق وسيادة القانون.