فيلادلفيا نيوز
يحتفل الأردنيون اليوم الاثنين، بالذكرى 74 لعيد الاستقلال، في ظل ظروف استثنائية فرضتها جائحة فيروس كورونا المستجد، الذي يكافحه الأردن بطرق علمية فعالة.
ويوجه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، كلمةً متلفزة للأردنيين بهذه المناسبة من قصر رغدان العامر، بحسب رئاسة التشريفات الملكية، وستقتصر الاحتفالات على فعاليات محدودة، تغيب عنها بعض التقاليد التي دأب الأردنيون على مشاهدتها خلال سنوات مضت، وسيُكتفى بإقامة فعاليات مرئية، تُنقل للأردنيين عبر شاشات التلفزة المحليّة.
رئيس الوزراء عمر الرزاز، أصدر بلاغا رسميا يقضي برفع علم الأردن على جميع الوزارات والدوائر الرسمية والمؤسسات والهيئات العامة والأماكن العامة والمنازل، احتفاء بعيد الاستقلال، مؤكدا أن هذه الخطوة تأتي تجسيدا لمعنى الاستقلال التي يستذكر فيه الأردنيون مسيرة الإنجاز والتقدم والبناء، والاستمرار بخطى ثابتة نحو المستقبل الأفضل للأردن.
وقال وزير الدولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة، عبر تويتر: “74 عاماً على الاستقلال، دأب الأردن خلالها على تطويع الصّعاب وتحويلها إلى منجزات، فغدا بفضل ﷲ، وبحكمة قيادته الهاشميّة، والتفاف الأردنيين من حولها، أنموذجاً في العطاء والإنجاز”.
وأظهر الأردن قدرته وتفوقه في اتخاذ إجراءات وقائية احترازية واستباقية للتصدي لجائحة كورونا العالمية، وأثبتت الحكومة بتوجيهات من جلالة الملك، قدرتها على المساهمة في حماية المجتمع والحفاظ على صحة أفراده، عبر قرارات وتدابير تؤكد أن المواطن الأردني أولوية لديها.
وتصادف ذكرى الاستقلال 25 أيار/مايو من كل عام، حيث التأم المجلس التشريعي الأردني في اليوم ذاته من عام 1946، وتُلي فيه القرار التاريخي بإعلان استقلال المملكة، بما يلي: “وبمقتضى اختصاص المجلس الدستوري، تقرر بالإجماع إعلان البلاد الأردنية دولة مستقلة استقلالا تاما، وذات حكومة ملكية وراثية نيابية، والبيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية عبدالله بن الحسين المعظم، بوصفه ملكا دستوريا على رأس الدولة الأردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة ملك المملكة الأردنية الهاشمية”.
وألقى الملك المؤسس وقتها خطاباً، قال فيه: “وإننا في مواجهة أعباء ملكنا وتعاليم شرعنا وميراث أسلافنا لمثابرون على خدمة شعبنا والتمكين لبلادنا والتعاون مع إخواننا ملوك العرب ورؤسائهم لخير العرب جميعاً ومجد الإنسانية كلها”. وصادق على قرار إعلان الاستقلال، مصدِراً أول إرادة ملكية.
وجرى استعراض عسكري في مطار ماركا، الذي سمي فيما بعد قاعدة الملك عبدالله الأول، وقال الملك المؤسس: “جيشنا الباسل يسرنا أن نرى في مجالك عزة الوطن والقدرة القومية في الدفاع عن الحوزة وصيانة الحق، وأن تكون تحيتك لنا رمزاً لطاعة الجندي وفنائه المطلق في خدمة العلم والوطن والقيادة”.
أول قانون للأردن
في 16 نيسان/أبريل 1928، وضع الأمير عبدالله بن الحسين، أول قانون أساسي للبلاد، تناولت فصوله السبعة حقوق وواجبات الشعب، والتشريع والقضاء والإدارة، ونفاذ القوانين والأحكام.
وجرت بعدها أول انتخابات تشريعية، تبعها افتتاح الدورة الأولى للمجلس التشريعي الأول المنعقد في شرق الأردن في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1929.
ووقعت في 22 آذار/مارس 1946 معاهدة بريطانية-أردنية، أنهت الانتداب البريطاني، ونصت على الاعتراف بالأردن دولة مستقلة ذات سيادة والأمير عبدالله ملكاً عليها.
وبعد إعلان الاستقلال بأيام في مؤتمر قمة “أنشاص” في مصر، أعلن ملوك ورؤساء الدول العربية وفي مقدمتهم الملك المؤسس أن القضية الفلسطينية تهم سائر العرب، وليس الفلسطينيين وحدهم.
وصادق المجلس التشريعي في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1946 على دستور جديد، ثم شكلت أول حكومة في عهد الاستقلال في 4 آذار/ مارس 1947، وجرت في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1947 أول انتخابات برلمانية على أساس الدستور الجديد، وفي عام 1948، قدم الجيش العربي مئات الشهداء دفاعا عن فلسطين والقدس.
واعتلى جلالة الملك طلال، عرش الأردن لعامي 1951 وحتى 1952، وخلال حكمه أصدر الدستور الأردني في 8 كانون الثاني/ يناير 1952 كأول دستور وحدوي عربي، نص على إعلان ارتباط الأردن عضوياً بالأمة العربية، وتجسيد الفكر القومي للثورة العربية الكبرى.
واتخذ الأردن في عهده قراراً يقضي بجعل التعليم إلزامياً ومجانياً، إضافة إلى إبرام اتفاقية الضمان الجماعي العربي، وتأليف مجلس الدفاع المشترك، وإنشاء ديوان المحاسبة.
“الباقورة والغمر”
ومنذ أن تسلم الملك الحسين بن طلال سلطاته الدستورية في 2 أيار/ مايو 1953، بدأ عهد البناء والتقدم والنهضة الشاملة، وفي عام 1956 اتخذ الحسين قراراً بتعريب قيادة الجيش العربي، وعزل الجنرال الإنجليزي كلوب من قيادة الجيش العربي الأردني.
وبعد حرب 1967 أدت الجهود الأردنية الدبلوماسية بقيادة الحسين إلى إصدار القرار الأممي رقم 242 في تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، واشتمل على معادلة انسحاب شامل مقابل سلام شامل، والاعتراف بحق الجميع العيش بسلام في المنطقة.
وألحق الجيش الأردني أول هزيمة بإسرائيل في معركة الكرامة 1968 التي رفض الملك الحسين وقف إطلاق النار فيها حتى انسحاب آخر جندي “إسرائيلي” من أراضي الأردن.
وفي عام 1988، اتخذ الأردن قرارا بفك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، بعد أن كان قد اعترف في 1974 وبناء على توصيات القمة العربية في الرباط بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
وفي عام 1989، انعقدت أول انتخابات نيابية بعد قرار فك الارتباط، وفي عام 1991 قام الملك الحسين بدور جوهري في انعقاد مؤتمر مدريد للسلام، وفي توفير مظلة تمكن الفلسطينيين من التفاوض حول مستقبلهم كجزء من وفد أردني- فلسطيني مشترك.
وفي 7 شباط / فبراير 1999، يوم الوفاء والبيعة: الوفاء للملك الحسين، والبيعة لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي تسلم سلطاته الدستورية، ملكاً للأردن.
وكرس جلالة الملك عبد الله الثاني جهوده الدؤوبة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تركزت على التأكيد على صدارة قضية فلسطين وضرورة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وشكل إعلان جلالة الملك بانتهاء العمل بالملحقين الخاصين بمنطقتي الغمر والباقورة في اتفاقية السلام، وفرض السيادة الأردنية الكاملة على كل شبر منه، انتصاراً للإرادة السياسية الأردنية، التي يمثلها جلالة الملك.
وفي اتفاق تاريخي وقعه جلالة الملك مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمّان، في آذار/ مارس 2013، أعيد التأكيد على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، وأن الملك هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف، خصوصا المسجد الأقصى.
وشملت مشاريع الإعمار للمقدسات في عهد جلالة الملك، إعادة بناء منبر “الأقصى”، “منبر صلاح الدين” في عام 2006، وترميم الحائط الجنوبي والشرقي للمسجد الأقصى، و11 مشروع ترميم وصيانة لمختلف مرافق وأقسام “الأقصى” وقبة الصخرة.
وأكد جلالة الملك في مقابلة مع “دير شبيغل” الألمانية أن “ضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية المحتلة سيؤدي إلى صدام كبير مع الأردن”.
وتقديرا لسياسة جلالته الحكيمة وجهوده في تحقيق السلام والاستقرار والوئام والتسامح في منطقة الشرق الأوسط، تسلم الملك جائزة “رجل الدولة – الباحث” لعام 2019، التي منحها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
ولأن دور الملك وجهوده الكبيرة في المنطقة يحظى باهتمام وتقدير عالمي، جاءت جائزة تمبلتون التي تسلمها الملك وسط حضور عدد من الشخصيات العالمية، والقيادات السياسية والفكرية والدينية، لتعكس التقدير والمكانة لجهود الملك في تحقيق الوئام بين الأديان، وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
وتقلد الجائزة، التي تعّبر عن إنجازات الملك في المجالات التي تحتفي بها الجائزة، والمتمثلة في نشر العلم والمعرفة ومبادرات جلالة الملك لتحقيق الوئام بين الأديان، وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وحماية الحريات الدينية، إلى جانب منح الملك جائزة مصباح السلام لعام 2019 تقديراً لسعيه الدؤوب في تعزيز حقوق الإنسان والتآخي والسلام في الشرق الأوسط والعالم، وجهود الأردن في استضافة اللاجئين.
تحسين الخدمات للمواطن أولوية
ويؤكد الملك ضرورة إعادة تأهيل المواطن بإعادة النظر في برامج ومناهج التعليم، ووضع برامج تأهيل وتدريب تؤهل الشباب لدخول سوق العمل والاستفادة من ثورة المعلومات والتكنولوجيا، وبناء على توجيهاته، أُطلقت الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية لتسهم بتطوير منظومة متكاملة واستراتيجية شاملة وواضحة المعالم لتنمية الموارد البشرية، وتؤطر عمل القطاعات المعنية بالتعليم.
واستحدث الأردن خلال السنوات الأخيرة، مؤسسات جديدة لتعزيز سيادة القانون وتطبيق العدالة، أهمها المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب، وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، واللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون.
ويشدد الملك على أهمية دور القضاء في ترسيخ العدالة وسيادة القانون ومكافحة جميع أشكال الفساد وحماية المجتمع، وتعزيز النهج الإصلاحي.
ويهتم بقطاع الشباب، عبر الاستماع إلى قضاياهم وهمومهم، والإيعاز بالارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لهم، فضلاً عن إطلاق مبادرات هادفة لتفعيل دورهم في الحياة العامة.
ويهتم أيضاً بسن تشريعات لازمة تؤمّن للمرأة دوراً كاملاً غير منقوص في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الأردن للنهوض بواقع المرأة وتفعيل مشاركتها.
وبتوجيهات من الملك، أعدت رؤية الأردن 2025 لتحدد الإطار العام المتكامل الذي سيحكم السياسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة على إتاحة الفرص للجميع وتعزيز سيادة القانون، وزيادة التشاركية في صياغة السياسات، وتحقيق الاستدامة المالية وتقوية المؤسسات.
ويوجه الملك الحكومات المتعاقبة إلى العمل على تحقيق تنمية شاملة في مختلف مناطق الأردن، بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، إضافة إلى دعم الجمعيات ودور الرعاية التي تعنى بالمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة.
ويحرص ضمن سلسلة لقاءات “مجلس بسمان”، على الاستماع لهموم وجهاء وأبناء وبنات العشائر الأردنية، ومعرفة احتياجاتهم ومطالبهم، ويوجه الحكومة بضرورة تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وتشكيل لجان مشتركة لتحديد أولويات العمل ضمن الموارد المتاحة لمتابعة تنفيذ الممكن منها.
وعمل الملك على مأسسة العمل الديمقراطي والتعددية السياسية نحو ترسيخ شراكة حقيقية للجميع في العملية السياسية وصناعة القرار، وأرسى رؤية واضحة للإصلاح الشامل ومستقبل الديمقراطية في الأردن، عبر سبعة أوراق نقاشية، سعى من خلالها إلى تحفيز حوار وطني حول مسيرة الإصلاح وعملية التحول الديمقراطي التي يمر بها الأردن.
ويهتم الملك، بالقوات المسلحة/ الجيش العربي والأجهزة الأمنية، بأن تكون في الطليعة إعداداً وتدريباً وتأهيلاً، وتكون قادرة على حماية الوطن ومكتسباته والقيام بمهامها على أكمل وجه.
ووجه جلالة الملك، القائد الأعلى للقوات المسلحة، الحكومة بالسير في دمج المديرية العامة لقوات الدرك والمديرية العامة للدفاع المدني ضمن مديرية الأمن العام، وإنجاز الإجراءات التشريعية والإدارية اللازمة لذلك، بهدف ضمان تعميق التنسيق الأمني المحترف، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطن، والتوفير على الموازنة العامة وضبط النفقات.
ووجه الحكومة لتشكيل لجنة وطنية لتنمية الموارد البشرية، تسهم في تطوير منظومة متكاملة واستراتيجية شاملة وواضحة المعالم لتنمية الموارد البشرية، وتؤطر عمل القطاعات المعنية بالتعليم بوجه عام.
وتلقى جلالة الملك عبدالله الثاني برقيات تهنئة من قادة دول عربية وإسلامية وصديقة وعدد من كبار المسؤولين فيها، بمناسبة عيد الاستقلال، حيث أعرب مرسلو البرقيات عن خالص التهاني والتبريكات لجلالته والشعب الأردني، مؤكدين عمق العلاقات التي تربط بلدانهم مع الأردن، ومتمنين للشعب الأردني المزيد من التقدم والازدهار.
ولفت عدد من مرسلي البرقيات إلى أهمية مواصلة التنسيق والتشاور حيال الجهود المبذولة لمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، وتجاوز التداعيات الإنسانية والاقتصادية الناجمة عنه، مشيدين بجهود الأردن في التعامل مع هذه الأزمة.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إن عيد استقلال الأردن فرصة للتأمل في الصداقة العميقة بين البلدين، مضيفا أنه “خلال فترة الشراكة الطويلة، تعاون البلدان في مواجهة العديد من التحديات والتهديدات معاً، وآخرها جائحة كوفيد-19، وعملا معا على تحسين جودة الحياة للشعب الأردني، وأنقذا أرواحاً من آفة الإرهاب، وتناولا احتياجات اللاجئين الفارين من الصراع، وشجعا شرق أوسط أكثر استقراراً وأماناً”.
الاحتفال بعيد الاستقلال، يتضمن إطلاق مواكب فرح في العاصمة عمّان ومحافظتي إربد والعقبة، يشارك فيها القوات المسلحة – الجيش العربي والأمن العام بمختلف فروعه، ويتزامن معها طلعات جوية لطائرات مقاتلة من سلاح الجو الملكي في إقليمي الشمال والوسط، وطلعات أيضا من فريق الصقور الملكية الأردنية في محافظتي العقبة ومعان ولواء الشوبك.
كما يشهد الاحتفال، إطلاق مبادرة “علمنا عال” من خلال رفع العلم الأردني على المنازل والمباني والمنشآت والأسواق التجارية في كل أرجاء المملكة، إضافة إلى حث الأطفال والشباب على إطلاق طائرات ورقية في بعض المناطق إحياء لذكرى الاستقلال.
واحتفاء بهذه المناسبة أيضا، أصدرت وزارة الثقافة ومركز التوثيق الملكي الهاشمي مجلد وثائق الاستقلال التي تجمع لأول مرة في اصدار واحد، سيكون متاحا على الموقع الإلكتروني للوزارة، ويضم الإصدار القرار التاريخي الذي وقعه المغفور له الملك عبد الله الاول وقرارات مجلس الوزراء والمجلس التشريعي وقرارات المجالس البلدية المطالبة بالاستقلال ونماذج من البرقيات التي تلقاها الملك المؤسس بهذا الحدث التاريخي.
المملكة