فيلادلفيا نيوز
سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
شغلت مواقع التواصل الاجتماعي خلال العقد الأخير حيزاً كبيراً من حياة الكثيرين، وكانت البداية من موقع الفيسبوك، وتلى ظهوره العديد من المواقع الإليكترونية الأخرى، والتي اختص كل منها بميزة عن الآخر. أدى هذا الانتشار الكبير لمواقع السوشيال ميديا – وبخاصة مع ظهور أجيال من الهواتف الذكية وأجهزة الحاسب اللوحية – إلى سهولة الدخول على هذه المواقع، كما أن هذه الأجهزة سهلة الحمل والتنقل مع صاحبها بصورة متواصلة وبشكل شبه دائم.
وقد فضل الكثيرون قضاء أجزاء من أوقاتهم على هذه المواقع، إلا أن الأمر تجاوز لدى البعض إلى استخدام مفرط لها والبقاء لأوقات طويلة عليها، مما أثر في حياتهم وسلوكياتهم الاجتماعية، كما دفع البعض إلى إطلاق مسمى إدمان مواقع التواصل الاجتماعي على هذه الحالة. ظهرت أجيال تقضي معظم اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني، لدرجة أنهم لا يستطيعون البعد والتخلي عن هذه المواقع لبضع دقائق، مما كان له مردود سيئ للغاية على هذه الأجيال، بل يصل الأمر إلى تدمير الحياة الواقعية للكثير من هؤلاء المدمنين. ومن هنا نعلم أن الإدمان ليس فقط على المواد المخدرة، ولكن هناك مخدرات نفسية أخرى ومواقع التواصل جزء منها.
ولنتحدث عن الآثار النفسية والاجتماعية التي تحدث لمن يتعرض لهذه المواقع التي تعد بمثابة اللص المحترف والمخدر النفسي ومنها: الإنسحاب من الحياة الاجتماعية؛ فيعاني مدمن شبكات التواصل الاجتماعي من إنخفاض تقدير الذات، وإنشغال عقله بأمور لا فائدة منها، ويتولد لديه أيضا مشاعر متناقضة
بسبب متابعته لحياة الآخرين، وتغيب لغة الحوار بينه وبين الآخرين، وفي أحيان كثيرة فإن الأمر يتطور لشجار بينه وبين أصدقائه المقربين وأفراد عائلته.
“كأنني كنت أعيش في عالم مليء بالجمال والبهجة والأحلام.. لأصحو على آخر مظلم لا يتسلل منه سوى الألم والندم على ثقة أعطيتها للآخر”.. هكذا وصفت “هناء عبدالله” حالتها النفسية وخذلانا تشعر به بعد ان انفصلت عن الشخص الذي كانت تعتبره مستقبلها وشريك عمرها الذي جاء ليعوضها عن حياة متعبة . لكن في ليلة وضحاها، انقلبت حياتها بعد أن اكتشفت وعودا كاذبة ممن كانت تعتبره رفيق دربها ومن جعلها ترسم مستقبلا جميلا وأحلاما وردية وحياة كاملة اعتقدت أنه سيشاركها بها. صور لها الحياة “جنة” وجعلها تعيش الأحلام وتخطط لحياتها وتقررها بناء على مستقبلهما معاً، فكل مشكلة كانت تقابلها كان يجد الحلول لها ويشعرها بأنه بما أنه موجود على قيد الحياة لن يعترض طريقها أي عائق، بل سيكون بجانبها دوما. هكذا أدمنت هناء الوعود حتى وصلت إلى مرحلة نفسية متردية، وإيجاد حالة نفسية قد تلازمها وقتا طويلا، خصوصا عند مقارنتها بين الوعود التي صدقتها وبين ما يحدث على أرض الواقع.
ومن المخدرات النفسية: التسويف الذي تعمل عمل الإدمان؛ فالتسويف يعني تأجيل الأعمال والمهام إلى وقت لاحق. يرى بعض علماء النفس أن الشخص قد يلجأ إلى التسويف فرارا من القلق الذي عادة ما يصاحب بداية المهام أو إكمالها أو ما يصاحب اتخاذ القرارات. وقد ينتج عن التسويف توتر وشعور بالذنب وحدوث بعض الأزمات. أيضا قد يقل إنتاج الشخص وأيضا فإن المجتمع قد لا يرضى عن المسوف لأنه لم يقم بمسؤولياته ولم ينفذ التزاماته. فعندما تجتمع هذه
المشاعر على المسوف فإنها قد تؤدي إلى مزيد من التسويف وهنا يبدأ الإدمان. التسويف قد يحصل بدرجات معقولة ويعتبر أمرا عاديا، لكنه يتحول إلى مشكلة عندما يسبب عرقلة لما اعتاد الإنسان على القيام به من أعمال. التسويف المزمن قد يكون علامة لاضطرابات نفسية كامنة داخل شخص المسوف.
ولهذا الإدمان حالة تستعبد الشخص وتجعله عبدا ذليلا خاضعا لها، معتمدا عليها نفسيا، وهي بذرة المرض النفسي والجسدي. ولابد من ذكر العلامات العامة التي تشير لوجود إدمان سلوكي محتمل:
• قضاء وقت طويل في ممارسة سلوك ما.
• إلحاح مستمر على تكرار هذا السلوك رغم تأثيراته السلبية.
• ممارسة هذا السلوك للتحكم بمشاعرك غير المرغوبة.
• إخفاء هذا السلوك والكذب على الآخرين حول الوقت الذي تقضيه بممارسته.
• فشل تجنب هذا السلوك.
• التوتر والإحباط وعدم الراحة والأعراض الإنسحابية الأخرى عند التوقف عن فعله.
• الشعور بالإكراه على الاستمرار في
هذا السلوك …
وأخيراً فإن كل هذا يندرج تحت الإدمان المعنوي السلوكي، وهو يعتبر من المخدرات النفسية على الإنسان وبداية العلاج هي الاعتراف بوجود مشكلة والرغبة في علاجها. ولابد من التنبيه أن علماء النفس حالياً يعكفون على وضع مفهوم دقيق للإدمان المعنوي السلوكي وتحديد أعراضه وسبل علاجه.