فيلادلفيا نيوز
في عالمٍ تتسارع فيه وتيرة التغيير العلمي والمعرفي، تبقى بعض الأنظمة الإدارية رهينة قوالب قديمة لا تواكب روح العصر. وفي لحظة مفصلية تحتاج فيها الجامعات إلى قيادات تصنع الفارق وتدفع قاطرة التقدم، تواصل آلية اختيار رؤساء الجامعات تقديم أسوأ نماذج الإخفاق المؤسسي. عبر مجلس تعليم عالي متكلس، تتحول عملية الاختيار إلى احتفال بيروقراطي باهت، يعيد إنتاج الفشل مرة تلو الأخرى داخل “علبة” مغلقة لا ترى أبعد من جدرانها المتآكلة. فهذه الآلية العقيمة تطرح أسئلة جوهرية حول مدى كفاءتها وعدالتها في إفراز قيادات قادرة على الارتقاء بالمؤسسات الأكاديمية إلى مصاف الجامعات العالمية. فالالية مريضة… والنتائج مميتة فلا معايير شفافة، ولا تنافس حقيقي، ولا مساحة للكفاءة. يتم تداول الأسماء ذاتها، وتُفرض اختيارات من داخل صندوق ضيق، وكأن الجامعات ـــ بكل ما تمثله من عقول نيرة وطموحات عظيمة ـــ لا تستحق إلا رؤساء صممتهم العلبة: بلا رؤية، بلا مشروع، بلا طموح. إن بقاء هذه المنظومة العقيمة أشبه بتسميم متعمد لشريان التعليم العالي في الاردن. فاكاد اجزم بأن مجلس التعليم العالي… حارس بوابة التخلف.
فبدلًا من أن يكون مجلس التعليم قوة دفع نحو التقدم، أصبح ــ في بعض الحالات ــ بوابة مغلقة أمام الكفاءات الحقيقية. كل من لا ينتمي إلى مزاج العلبة، أو يحمل فكرًا مختلفًا، يجد نفسه مستبعدًا قبل أن يبدأ السباق. وهذه جريمة لا تُغتفر بحق مجتمع أكاديمي يُفترض أن يكون مفتوحًا على التنوع والتميز لا مغلقًا على مصالح ضيقة. وعلى ما سبق فان مخرجات الاختيار: جامعات ميتة على قيد الحياة.
فعندما يجلس على قمة الهرم الأكاديمي من لا يؤمن بالتجديد، تصبح الجامعة مجرد مبنى آخر وسط مدينة باهتة. تتجمد حركة البحث العلمي، يتدهور مستوى الخريجين، ويتحول حلم الريادة إلى ذكرى جميلة من زمن مضى. والكل يسأل: لماذا نتراجع؟ والجواب أبسط مما نتصور: العلبة تقتل الأحلام. فليس مستغربًا، بناءً على هذه الآلية، أن نرى العديد من الجامعات وقد فقدت قدرتها على المنافسة الدولية، وتعاني من تكلس إداري وأكاديمي. البرامج الدراسية أصبحت نمطية، البحث العلمي محدودًا، والطلبة يفتقدون إلى بيئة أكاديمية محفزة على الإبداع والابتكار. فكيف يمكن لمؤسسة أن تنهض، وقائدها اختير فقط لأنه الأنسب للعلبة، لا الأنسب للتحديات؟
فالطريق واضح: ثورة على العلبة المغلقه – فهل سيقوم دولة الرئيس بازاحة رأس العلبة وزير التعليم العالي وعلبته وتغيير مجالس الامناء للاتاحة لمسرب الاصلاح في مؤسساتنا الاكاديمية وعربة التغيير ان تبدأ لتواكب توجهات سيد البلاد بالتغيير والتفكير لمواكبة رؤيته بتطوير التعليم ليواكب عصرنة التعليم العالي.
إن الإصلاح الحقيقي يبدأ من اجتثاث هذه الآلية المريضة من جذورها. فلإصلاح هذا الوضع، لا بد من إعادة تصميم آلية اختيار رؤساء الجامعات لتكون مبنية على التنافس الحر والشفافية المطلقة. يجب أن تُفتح الأبواب أمام الكفاءات الوطنية دون قيود بيروقراطية، ويُشترط تقديم برامج عمل تفصيلية، ويتم تقييم المتقدمين بناءً على معايير علمية ومهنية واضحة. كما ينبغي إشراك المجتمع الأكاديمي والطلبة في عملية الاختيار عبر استطلاعات الرأي أو لجان مستقلة، بعيدًا عن هيمنة المجلس أو ضغوطه، وبمعنى ادق يجب أن يُمنح المجتمع الأكاديمي الحق الكامل في الاطلاع، والنقد، والمساءلة، بعيدًا عن كواليس الصفقات المغلقة.
واختم بالقول إما أن نختار المستقبل… أو نظل رهائن الماضي، الجامعات ليست مؤسسات عادية، بل مصانع للأمل الوطني. وإذا كنا نريد حقًا أن نصنع المستقبل، فلابد أن نبدأ من القمة: من اختيار قادة يرون أبعد من حدود العلبة، قادة يؤمنون بأن الجامعة ليست وظيفة، بل رسالة. وإلا… فكل حديث عن التنمية والنهضة سيظل مجرد شعارات خاوية.
