فيلادلفيا نيوز
تنشط كل من بغداد وانقره وطهران في الفترة الحالية لمواجهة قرار الاكراد في اقليم كردستان باجراء الاستفتاء حول مصير الاقليم، ومحاولة منعه على مختلف الصعد الاقليمية والدولية، وخصوصا بعد تلويح العواصم الثلاث باتخاذ اجراءات رادعة بحق اربيل اذا اصرت على اجراء الاستفتاء.
ودعت تركيا وايران والعراق امس السلطات في كردستان الى الغاء الاستفتاء حول استقلال الاقليم المقرر الاثنين المقبل، محذرة من انها ستتخذ اجراءات للرد عليه.
وعقد وزراء خارجية الدول الثلاث اجتماعا في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للامم المتحدة جددوا خلاله التأكيد على “موقف لا لبس فيه ازاء الاستفتاء” في كردستان العراق، بحسب بيان صدر عن وزارة الخارجية التركية نشر صباح امس.
وقرر الوزراء الثلاثة “حث السلطات في كردستان العراق على العدول عن تنظيم الاستفتاء”، وشددوا على “الحاجة الى جهود دولية منسقة من أجل إقناع هذه السلطات بإلغاء” الاستفتاء.
وتابع البيان “اتفق الوزراء على اتخاذ اجراءات منسقة للرد”، مشددين على التزامهم “وحدة اراضي العراق”.
واعربت معظم الدول، باستثناء اسرائيل، عن معارضتها للاستفتاء.
وتخشى ايران وتركيا ان تصيب عدوى المطالبة بالاستقلال الاقليتين الكرديتين على اراضيهما.
وأضاف البيان ان “الاستفتاء يمكن ان يقوض المكاسب الذي حققها العراق بعد جهد” ضد تنظيم الدولة الاسلامية و”يثير نزاعات جديدة في المنطقة”.
وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حذر في كلمة امام الامم المتحدة الثلاثاء السلطات في كردستان العراق بان “تجاهل الموقف التركي الواضح والحازم في هذا الشأن قد يقود الى عملية تحرم الحكومة الاقليمية الكردية العراقية حتى من الامتيازات التي تتمتع بها حاليا”.
ولا تقف تركيا التي تبدي معارضة شرسة لإقامة دولة كردية، وحيدة في رفضها تنظيم الاستفتاء، ولكن من غير الواضح إن كانت مستعدة للمجازفة بالرد بصورة ملموسة.
وتلتقي أنقرة في رفضها للاستفتاء المقرر تنظيمه الإثنين ليس مع حكومة بغداد فحسب بل مع جارتها الصعبة إيران عدا عن حلفائها الغربيين في حلف شمال الأطلسي.
وحذرت تركيا أكراد العراق بعد سنوات من العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع حكومة كردستان العراق من أنهم سيدفعون “الثمن”، متحدثة عن احتمال فرض عقوبات عليهم بعد الاستفتاء غير الملزم، لكنها لم تفصح عما تعنيه بذلك.
ولا ينفرد غلاة التيار القومي التركي في مقتهم لفكرة إقامة دولة كردية حتى خارج تركيا، وإنما يتفقون في ذلك مع المحافظين وكذلك المعارضين العلمانيين.
وهم يخشون أن يعزز حصول أكراد العراق على استقلالهم التام طموحات الأقلية الكردية التركية التي تمثل ربع السكان في تركيا البالغ عددهم 80 مليونا.
في المقابل، يرى الأكراد أنهم أكبر قومية حرمت من الدولة في العالم بعد أن ظلوا مشرذمين بين إيران والعراق وتركيا وسورية إثر انهيار الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
ويوجد العدد الأكبر منهم في تركيا حيث يخوض حزب العمال الكردستاني الانفصالي حركة تمرد سعت في الاساس إلى إقامة دولة كردية منذ 1984.
ويعيش ملايين الأكراد في إيران التي واجهت كذلك عمليات تمرد متفرقة خاضتها مجموعات مثل “حزب الحياة الحرة الكردستاني”. ولطالما تعاونت طهران وأنقرة في قمع انبعاث مظاهر القومية الكردية.
وبعد زيارة استثنائية إلى أنقرة في بداية أيلول/سبتمبر قام بها رئيس اركان الجيش الإيراني، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن البلدين قد ينفذان عمليات مشتركة ضد المقاتلين الاكراد، رغم أن إيران نفت ذلك.
ويقول الخبير في الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية علي فائز إن مصالح طهران وأنقرة تلتقي حول الحفاظ على سيادة أراضي العراق. ولكن في حين لدى إيران الشيعية وتركيا السنية القدرة على ممارسة ضغوط مشتركة على أكراد العراق، فإن التنافس الإقليمي بينهما والموروث منذ الامبراطوريتين الفارسية والعثمانية، قد يحول دون ذلك.
ويقول أستاذ السياسات الشرق أوسطية في جامعة ميزوري ديفيد رومانو إن “تركيا في موقع يمكنها من الحاق الأذى بأكراد العراق لو رغبت”. ولكن قطع العلاقات الاقتصادية معهم يعني المجازفة بعشرة مليارات دولار سنويا من العائدات التجارية ومن استيراد النفط والغاز ورسوم المرور المهمة بالنسبة لمحافظة الأناضول ذات الغالبية الكردية في جنوب شرق تركيا.
ويضيف أن “تركيا تثير الكثير من الضجيج بإدانتها الاستفتاء، لكن الهدف الرئيسي من وراء ذلك هو تهدئة خاطر التيار القومي في حزب (العدالة والتنمية) الحاكم”.
واختارت تركيا هذا التوقيت لإجراء مناورات عسكرية على الحدود مع كردستان العراق من دون توجيه تهديدات ملموسة بالتدخل العسكري.
وفي حين التزمت روسيا الحذر، فإن الطرف الوحيد الذي أعلن تأييده للاستفتاء هي إسرائيل التي لطالما أيدت بلا جلبة طموحات الأكراد بصفتهم يشكلون منطقة عازلة غير عربية في مواجهة إيران.
وحثت السعودية اول من امس قيادة كردستان العراق على التخلي عن الاستفتاء محذرة من عواقبه.-(وكالات)