فيلادلفيا نيوز
سبحان الذي خلق الوجوه كلها فتماهت في وجوهكم..
لن يصعد الكلام إلى ذروة ابتسامة خاطفة، أو نقطة دم صغيرة على أزرار معطف لُمّع للتو، أو خرق في قميص عتيق ما زالت تفوح منه رائحة “البعيثران”…
تتلعثم ألسنة الحكايات حين يمر طيفكم، حين يعود صخب الأنفاس يبرق تحت الجفون، أو ترى الوطن يتوثب كفهد في لحظ العيون…
يتعطّل ضوء الشمس حين يمسح الزمن بأصابعه على وجوه أدمنت الإشراق، فتحمرُّ الوجنات كقناديل في عز النهار، وأسرار تنهمل من غمامة النصر…
تتعطّل لغة الحرب حين تبدو العيون قنابل تشرق من دخان الحزن، أو تنفلت كخرزات من أصابع عابد على دروب القدس العتيقة، أو ترسل في ضفاف النهر الذي سرقت غربانُ السراب سنابلَ قمحه، دمعة…
يتوارى البهاء حين يصعد التاج وئيدا نديا ليستقر على حافة عقال “المرعز” الذي أمالته الغواية، أو فوق شماغ هدّبته الحبيبة ذات صباح على تراتيل الأمنيات، وبخيوط من الأسرار لا يفكّ طلاسمها إلا عشاق الشهادة…
سقط الاستسلام من قاموس النشامى، فتزنّرت الوجوه بالنصر أو الشهادة، وارتدّ الهدب على الجبين الجعفري زينة، وصهيلا إلى آخر أيام االله، فطلع الرجال نبتا قاسيا على الكسر في المدى الممتد زهوا منذ مؤتة أول الشهادة حتى سائد مرورا براشد ومعاذ، وإخوة تراب ما خانوا حليب الأمهات…
يا عسكر الله، “خلَّوا البواريد رجاده”، فما زال هنالك متسع للشهادة، وما زال هناك متسع للابتسامة، ومازال هناك متسع للحظة فرح، وما زال هناك متسع لركعتين قبل الفجر على حافة “شيك” في هذا الوطن المزنّر، وما زال الطهر يبتسم في وجه الموت ويقهره..
سرُّ الأرض هنا، في جوف هذا الدحنون الذي يغتسل بندى الأنفاس كل يوم على وجناتكم….
سرُّ الأرض هنا خلف حكايات العيون التي تهمس في غمزٍ خفيّ…..
يا الله..
أهو طول الأمل بالبقاء ليعود هذا الفتى حاملا صورته وكيس “الكعيكبان” لابنه الذي يقف كل يوم على ناصية الطريق يسأل عن أسماء الشهداء وهو ما زال يلثغ بالحرف؟
أم هي زينة اللقاء وابتسامة الفرح قبل الصعود إلى حافلة العرسان التي لن تكون الأخيرة؟
أم هو صوت “عبدالله” حين قال لكم ذات لقاء خاطف: “من أراد منكم العودة إلى أهله فله الحرية، ومن أراد منكم أن يلاقي ربّه ويدافع عن الأقصى فهذه فرصته”.
مثلكم لا يموت، أبدا لا يموت، يُرفع على أسرّة النور كي يبقى معلّقا كقنديل على ناصية الزمن.