الأحد , نوفمبر 17 2024 | 2:54 ص
الرئيسية / stop / أحمد الطراونة يكتب: إلى الكاتب الصديق حسين الرواشدة…

أحمد الطراونة يكتب: إلى الكاتب الصديق حسين الرواشدة…

فيلادلفيا نيوز

أسمح لي في البداية أن أقدّر عاليا ما تكتبه في السياق الوطني، فأنت الملتزم بوعيه وسيرورته، وتعرف جيداً كيف بني هذا الوطن، وكيف استقام، وعليه دعني أقول يا صديقي: تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها، فالأردني الأصيل لا يشكك بوطنه، ولا يسيء له، أمّا مواقف من يتخذون القرار فيه، فهي غير مقدسة.. ثم أنّ الأردنيون يعرفون بوصلتهم جيدا، وعلى الدولة الأردنية أن تعرف بوصلتها،…

ثم لنتفق يا صديقي أن من تسمّيهم “نخب” هم من إنتاج ماكينة النخب غير الأصيلة، أو غير الفاعلة في مجتمع تجاوز بوعيه كثيراً هذه النخب المزعومة، وهذا يعني أنها ليست “نخب”، وإنما واجهات تمّت صناعتها وفرزها لمساندة موقف محدد، أو للانخراط في اصطفاف ما، أو لأمر طارئ، واقتنعت بأنها “نخب” وبقيت تمارس دورها السياسي والاجتماعي المشوّه وفق أجنداتها المشوّهة في مجتمع غرّر به.

وهنا لابد من العودة لنقطة الصفر، فاذا رغبت الدولة الأردنية في أن تعيد توازن علاقتها مع مجتمعها، عليها أولاً أن تحسّن من سياسات فرز النخب وعلى رأسها العملية الديمقراطية التي قُيّدت ماكينتها لصالح النخب الفاسدة مما انعكس سلباً على كل العميلة.

وعليه؛ فمن أطلقت عليهم تسمية نخب، هم غير ذلك تماما، ولو كان فرزهم طبيعيا لما تهربوا من قضايا وطنهم وبقوا صامدين في مواجهة من يستقوي عليه، حتى لو خسروا كل شيء، وهذه صفة وحيدة من صفات النخب الوطنية الأصيلة، لكنهم للأسف غير ذلك تماماً؟

أمّا المساند الوطنية التي تتحدث عنها يا صديقي فأنت أفضل من يعلم ومعك كل الذين يؤمنون بهذا الوطن وجذره التاريخي، تعلمون تماماً كيف صنعت وكيف تستدير في اللحظات الحاسمة لتعميق مكاسبها، لأنها أيضا ارتبطت باشخاص ليس لهم أي ارتباط بما تقوله وتسعى اليه، وهنا يكمن الوجع.

إنّ تاريخ الأجداد الذي نتحدث عنه يدعوك جيداً إلى تفحّص السير الذاتية للذين سطوا على المايكروفونات والشاشات في غفلة منّا، أو حتى في لحظة انتباهة منا، فنحن لا نجيد اختيار وربط ربطات العنق كما يفعلون، ولا نعرف الحديث مطولا عن الدم والشهادة، وأكثر من يتحدث عن السرقة هم قطاع الطرق.

هذا الوطن لنا، نحن الوارثون وجع الحقيقة، نعم لنا، وماذا بعد، إن كان من يتسيد المشهد هم شذاذ الآفاق أو صنائعهم؟ والذين لهم كل الأوطان. هل نقتله؟ لا والله، سنبقى نقبض على جمرتين، جمرة الحقيقة والتاريخ والوجود، وجمرة السياط التي تلذعنا كلما عرفنا أن من يملكه تلك الحفنة العفنة التي تشمئز من وجودنا.

إنّ ما يؤسف له، هو هؤلاء الشرذمة الذين يزرعون مفاصل الدولة بالبغاث الذين لا يملكون ذاكرة، ذاكرة وطن تألم كثيراً وصبر كثيراً حتى نجى من الحصار والجوع والموت المحقق، هؤلاء الشرذمة يجوبون الأرض طولاً وعرضاً، يرسّخون علاقتهم بالحاضر، يقطفون رأس السبلة ثم يفركونها على عجل ويلتهمونها على مرأى منا، ولا يكترثون بمن بذر أو حرث أو حصد، لا يكترثون بذلك الموجوع بدرن السماء وغيمها الشحيح.

أمّا العنصرية، أو السوط الجاهز للسقوط على مؤخراتنا تحت عناوين شتى، فقد لذعنا كثيراً، لذعنا لنكون ممانعين في مواجهة المطبعين، ولذعنا لنكون متطرفين في مواجهة الوسطيين، ولذعنا لنكون شرقيين في مواجهة الغربيين، ولذعنا لنكون شماليين في مواجهة الجنوبيين، لقد كان لهذا السوط طعما يختلف باختلاف نيّة التاجر الذي يمسكه، وكنا نحن لغياب النخب الوطنية الحقيقية نتلذذ مع كل سوط ونصرخ مع كل ضربة، ونميل مع كل ميلة بلا وعي، فمن ينجينا من هذه اللعنة، اللعنة التي جذرتها نخب اللعنة، هذه العابرة لوعينا، هذه التي تصنع على أعيننا ولا نملك أن نتدخل في صناعتها؟ من يا صديقي؟

إن الدولة التي اتكأت على نخب مزورة، نخب اللحظة، النخب التي يصنعها الأغرار والذين لا يعرفون تاريخ الأردنيين ولا يؤمنون به، النخب التي يصنعها عابر سبيل لم يكتف بحصته من الزكاة، نخب قادت الدولة في منعطفات خطيرة ومفاصل تاريخية إلى وهم وسراب وندفع الآن ثمنه، عليها أن تستدير لتكتشف ذاتها، أن تتلمس مواطئ أقدامها، أن تعرف جيدا كيف يمكن أن تعيد قراءة الواقع بحقائقه وبكل مرارته، وأن لا تؤجل وتراكم، فحجم الامتعاض من هذه النخب لم يسبق له مثيل.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com