الثلاثاء , أغسطس 19 2025 | 8:25 م
الرئيسية / stop / أجمل الطويقات يكتب : المعلم… سيف العروبة وقلم الكرامةِ

أجمل الطويقات يكتب : المعلم… سيف العروبة وقلم الكرامةِ

فيلادلفيا نيوز

يعودُ أيلولُ حاملاً معه نبؤات الخير، وانطفاء جمرات الصيف، مؤذنا بقرب حبات المطر، حاملاً معهُ ضجيجَ الحقائبِ المدرسيّةِ، وضحكاتِ الأطفال، وأملَ الأهالي بأنَّ عامًا دراسياً جديدًا يعني خطوةً أخرى في دربِ المستقبل. وفي اللحظة نفسِها، يطلُّ (نتن ياهو) بوجهِه المتغطرسِ، يحاول أن يسرقَ منّا حتى فرحة الأجراسِ وهي تعلنُ بدء يومٍ دراسيٍّ جديدٍ. أيُّ مفارقةٍ هذه! أمةٌ تصحو على دفاترٍ وطباشيرَ، فيما غطرسةُ الطارئِ على المنطقةِ تحاولُ أن تُطفئَ جذوةَ الأملِ في العيون. لكن، مَن ذا الذي يستطيعُ أن يقفَ في وجهِ المعلّمِ حينَ يُقرّرُ أن يكونَ حارسًا للانتماءِ وبانيًا للأوطان؟
منذ فجرِ الثورةِ العربيّة الكبرى، يومَ نهضَ العربُ على صوتِ الحريةِ والوحدةِ والاستقلالِ، كانَ المعلّمُ شريكًا في صناعةِ الحلمِ، وحارسًا أمينًا على قِيَمِ الأمةِ، وحاملًا لرسالةٍ تتجاوزُ حدودَ الكتابِ والدفترِ إلى آفاقِ الوطن والكرامةِ.
ليسَ المعلّمُ مجرّدَ ناقلِ معرفةٍ، بل هو الذي يغرسُ في قلوبِ طلابِه حبَّ الأرضِ، ويزرعُ فيهم شجرةَ الانتماءِ للوطنِ، ويُذكّرُهم أنَّ الأمةَ العربيّةَ كيانٌ واحدٌ لا يتجزأُ، مهما حاولَ الطارئون أن يزرعوا في جسدِها شوكةً غريبةً عقيمةً. يشبهُ المعلّمُ شجرَ الزيتونِ في صبرِه وعطائِه، ضاربًا جذورَه في الأرضِ، رافعًا أغصانَه نحوَ السماءِ. هو البركةُ التي تتدفّقُ من دروسِه، والعُمرُ المديد الذي يُثمرُ في طلابِه حبًّا لا يذبلُ، وانتماءً لا ينكسرُ، وأملًا يتجدّدُ مع كلِّ صباحٍ.
إنَّ جنديَّ الوطنِ يحملُ البندقيةَ دفاعًا عن الأرضِ، والمعلّمَ يصنعُ في الصفِّ جيلًا يحملُ القلمَ والفكرَ والبندقيةَ معًا؛ فلا تنكسرُ هويةٌ، ولا تبهتُ ذاكرةٌ. هو الذي يواجهُ محاولاتِ التذويبِ الثقافيِّ، ويُحصّنُ طلابَه من التضليلِ الإعلاميِّ، ويُبقي جذوةَ الوعي متقدةً أمامَ غطرسةِ وجودٍ إسرائيليٍّ طارئٍ لا ينسجمُ مع محيطٍ عربيٍّ أصيلٍ. وليس دورُ المعلّمِ حروفًا تُكتَبُ على السبّورةِ فقط، بل محبّةٌ تُزرعُ في النفوسِ، وحنانٌ يتسلّلُ إلى أرواحِ الطلبةِ، فيشعرون معهُ أنَّ المدرسةَ بيتٌ، وأنَّ الصفَّ وطنٌ صغيرٌ، وأنَّ العلمَ رسالةُ رحمةٍ قبل أن يكون وسيلةَ تفوّقٍ.
إنَّ ثوابتَ الثورة العربيّة الكبرى لم تكنْ شعاراتٍ تُرفعُ في زمنٍ مضى، بل مبادئَ خالدةً: الحريةُ، والوحدةُ، والاستقلالُ، والتحرّرُ من كلِّ قيدٍ واستعمارٍ. واليوم، يحملُ المعلّمُ هذا الإرثَ بينَ يديهِ، فيُدرّسُ التاريخَ لا كأحداثٍ جامدةٍ، بل كهويةٍ تصقلُ الانتماءَ، ويُغرسُ بها الإيمانُ بأنَّ العروبةَ رحمٌ جامعٌ، والأمةَ العربيّةَ بيتٌ واحدٌ. وهو إذ يمشي مع طلابِه في دربِ الحياةِ كما ينتشرُ الزيتونُ في الحقولِ، يظلّلُهم بفيئِه، ويعطيهم من خيره، ويُذكّرُهم أنَّ الانتماءَ ليسَ شعارًا يُرفعُ في المناسبات، بل ممارسةً يوميّةً تتجلّى في الإخلاصِ، والوفاءِ، والعملِ من أجلِ أن يبقى الوطنُ منارةً للأجيالِ وملاذًا للكرامةِ.

وإذا كانَ الوطنُ يحتاجُ إلى جيشٍ يحمي حدودَه، فإنَّه بحاجةٍ أعظمَ إلى معلّمٍ يحمي وجدانَه. فالمعلّمُ يبني الإنسانَ، والإنسانُ هو الركيزةُ التي تُقامُ عليها الدولةُ الراسخةُ. بالعلمِ تُصانُ السيادة، وبالوعيِ تُفشلُ المؤامراتُ، وبالانتماءِ تُحفظُ الأوطانُ.

يا معلمي الأردن والعروبةِ، أنتمُ الحصنُ الذي تُبنى عليه الأجيالُ، وأنتمُ السندُ الذي لا يلينُ في وجهِ محاولاتِ الطمسِ والتفتيتِ. فكونوا للطلابِ قناديلَ وعي، وللوطنِ سورًا من عزيمةٍ، وللأمةِ وعدًا بالنهضةِ والحريةِ. فأنتم الامتدادُ الحيُّ لرسالةِ الثورةِ العربيّةِ الكبرى، وأنتمُ الذين تُبقون العروبةَ فكرةً حيّةً، والقدسَ قضيّةً خالدةً، والوطنَ كرامةً لا تُمسُّ.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com