الخميس , يونيو 19 2025 | 4:03 م
الرئيسية / stop / سفير السلام العالمي / المهندس حسن الوهداني يكتب : خطاب الملك في البرلمان الأوروبي دعوة للسلام وجرس انذار للعالم

سفير السلام العالمي / المهندس حسن الوهداني يكتب : خطاب الملك في البرلمان الأوروبي دعوة للسلام وجرس انذار للعالم

فيلادلفيا نيوز

في لحظة استثنائية من التوتر الإقليمي والارتباك الدولي، جاء خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني أمام البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية ليشكل محطة فارقة في الجهد الدبلوماسي الأردني، ورسالة واضحة للعالم بأن الصمت لم يعد خيارًا، وأن إشعال الحروب لا يمكن أن يكون طريقًا لتحقيق الأمن أو السلام.

جلالة الملك لم يكتف بعرض مواقف الأردن، بل قدّم خطابًا أخلاقيًا سياسيًا متماسكًا، وضع من خلاله المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في وجه تصعيد غير مسبوق في المنطقة، سواء ما يجري في قطاع غزة أو الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران.

يكتسب الخطاب الملكي أهمية كبرى بالنظر إلى توقيته ومكانه ومضمونه. ففي ظل تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، واستمرار العدوان على غزة، يصبح الخطاب الأردني بمثابة صوت عقل في مشهد تتسيده الانفعالات والمصالح الضيقة.

المكان أيضًا ليس عابرًا، فالبرلمان الأوروبي يمثل إحدى أهم المؤسسات التشريعية والسياسية في أوروبا، ويعكس المزاج العام لمواقف القارة العجوز، التي لطالما شكلت طرفًا مهمًا في ملفات المنطقة. واختيار جلالته لهذا المنبر يحمل دلالة على رغبة الأردن في إيصال الرسالة إلى صناع القرار الأوروبيين من قلب مؤسساتهم، لا عبر وسطاء أو بيانات.

في الوقت الذي تحاول فيه أطراف إقليمية ودولية صرف الانتباه عن المأساة المستمرة في غزة، شدد الملك على ضرورة إبقاء هذه القضية في مركز الاهتمام العالمي. وأعاد التذكير بأن ما يجري هناك ليس مجرد “عملية عسكرية” بل مأساة إنسانية ممنهجة، تستهدف المدنيين من خلال القتل والتجويع وتدمير الحياة.

ولم يغب البعد الأخلاقي عن خطاب جلالته، حيث لفت الانتباه إلى أن تجويع الشعوب واستباحة كرامتها لا يمكن أن يقود إلى أمن، بل إلى مزيد من الفوضى والدمار. وهو بذلك يدق ناقوس الخطر من أن استمرار الكيل بمكيالين في التعامل مع حقوق الإنسان والقانون الدولي سيفقد العالم البوصلة الأخلاقية التي تشكل أساس الاستقرار والسلام.

الخطاب الملكي لم يغفل التوتر المتصاعد بين إسرائيل وإيران، مع ما يحمله من تهديد مباشر لأمن الشرق الأوسط والعالم. فالهجمات المتبادلة بين الطرفين، والتي دخلت مؤخرًا مرحلة غير مسبوقة من العلنية والخطورة، تهدد بتفجير الإقليم بأكمله.

ومع أن الخطاب لم ينحَ منحى الانحياز لأي طرف، إلا أنه كان واضحًا في الدعوة إلى ضبط النفس، والحذر من الانزلاق إلى حرب إقليمية مفتوحة ستكون كلفتها باهظة على الجميع. الأردن، الذي عانى تاريخيًا من تبعات الصراعات المحيطة، يعيد اليوم التأكيد على أن السلام لا يُصنع من فوهات البنادق، بل من خلال الحوار، والعدالة، والاعتراف المتبادل بالحقوق.

من أبرز ما جاء في خطاب جلالة الملك كان التحذير من تراجع القيم والمبادئ التي شكلت أساس النظام العالمي الحديث. أوروبا، التي تجاوزت ويلات الحربين العالميتين وأسست نموذجًا للتكامل والسلام، مطالَبة اليوم بعدم الانجرار خلف ازدواجية المعايير أو تغليب المصالح الآنية على القيم الإنسانية.

الملك دعا الأوروبيين إلى استخلاص العبر من الماضي، لا الهروب منه، والعمل على بناء عصر جديد يرتكز إلى العدالة والمساواة، بدلًا من الانخراط في صراعات تستنزف الطاقات وتخلق أجيالًا جديدة من الكراهية والتطرّف.

خطاب الملك تضمن رسالة حاسمة: محاولة إلغاء الشعب الفلسطيني هي وهم، والقضية لن تختفي. فبناء المستوطنات، ومحاولات التهجير، والحصار، والضغوط السياسية، لن تنجح في طمس الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.

السلام العادل والشامل، الذي يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، هو الطريق الوحيد للخروج من النفق. أما القوة، فستولّد قوة مضادة، والتطرف سيقابله مزيد من التطرّف، وسنبقى ندور في حلقة من العنف ما لم يتم الاعتراف بجذور الأزمة وحقوق أصحاب الأرض.

الخطاب الملكي لم يكن تشخيصًا لحال المنطقة فحسب، بل كان خريطة طريق نحو الخروج من المأزق الحالي. فإما العودة إلى طاولة الحوار والدبلوماسية، وإما الغرق في مواجهات إقليمية مدمرة لن ينجو منها أحد.

وفي ظل ما يراه البعض بوادر توسّع للحرب، تبقى الرسالة الأردنية واضحة: لسنا ساحة للحروب، ولا نقبل أن تُفرض علينا أجندات الآخرين، ومصلحة شعوب المنطقة في السلام العادل لا في المغامرات العسكرية.

كان خطاب جلالة الملك أمام البرلمان الأوروبي بمثابة جرس إنذار مبكر، ونقطة توازن في زمن اللاعقل. الأردن اليوم، رغم التحديات، لا يزال يحاول أن يلعب دوره الأخلاقي والتاريخي كصوت للاتزان في منطقة تتقاذفها النيران. والمسؤولية الآن على المجتمع الدولي – لا سيما أوروبا – أن يستجيب لهذا الصوت، قبل فوات الأوان.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com