فيلادلفيا نيوز
(نحن العرب أول من ابتدعوا ازدواجية المعايير) :..
نجمع نحن العرب كما لم نجمع على شيء في هذه الدنيا على أن أمريكا لديها ازدواجية في المعايير في سياستها الخارجية وفي تطبيق القانون الدولي الإنساني ، وهذا أيضا يعرفه العالم بأسره كما نعرفه نحن العرب ولكننا لا نلاحظ أو ندرك أن هذه الازدواجية في المعايير في تطبيق القانون الدولي الإنساني تحديدا تتركز فقط في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط والقضايا العربية فقط وأن اتسعت هذه الازدواجية فتشمل العالم الإسلامي ، لكنها مع بقية شعوب العالم ودولها فالأمر مختلف لمن يدقق في سلوك الإدارات الأمريكية وأوضحها الإدارة القائمة إدارة ترامب.
والسبب ربما لا نلتفت إليه نحن بأنفسنا لأن “الجمل لا ينظر لإعوجاج رقبته” فأزدواجية معايير تطبيق القوانين العامة وتطبيق المباديء الإنسانية العامة هي في الأصل “مدرسة عربية” ويمكن القول إنها عدوى نشرها في العالم العرب منذ ان عرفوا تأسيس الدول وإيجاد أنظمة حكم ، فالعرب أولا وحصرا هم من علموا الدنيا كيف تكون ازدواجية المعايير ، منذ ان انتقل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم – إلى الرفيق الأعلى والمعايير تعصف بكل مرحلة ومحطة من مراحل ومحطات وجود حاكم او ما عرف لاحقا نظام حكم ، وأن كان الأمر بدأ بأختيار الحاكم بأمر الله (خليفة رسول الله) وفق معيار الأقرب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم – أي الأكثر إيمانا وفهما لنهج النبي في نشر الرسالة ، إلا أن معايير أخرى بدأت تظهر عند الخلفاء وعند الحكام حسب كل مرحلة وحسب طبيعة الحكم واشتقاقا من معايير إختيار “ولي الأمر” ..؟!؟!؟!
ففي مرحلة الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم – بدأت مشاكل حكم المسلمين تظهر وتتفاقم استنادا لمعايير كل خليفة من الخلفاء لأنهم بشر أولا وأخيرا ومستشاريهم بشر أيضا بعد أن انقطع إتصال الأرض بالسماء بوفاة خاتم الانبياء -صلى الله عليه وسلم – الذي لا ينطق عن الهوى ، ولأن العرب هم مادة الإسلام ودولته وقاعدة بنائها فقد انتقلت لثقافة الحكم وتسيير شؤون المسلمين وفق نظام دولة اشياء كثيرة من ثقافتهم قبل اليعثة ، فأنتقل اختلاف معيار التعامل مع الاحرار والعبيد فليس الحر كالعبد قبل الإسلام لسطوة الاسياد وقوتهم بأشكالها المختلفة وكذلك ليس الحر كالعبد بعد الإسلام لضرورات شرعية ومصالح مرسلة فكان معيار الحرية أو العبودية والتمييز بين الحالين مشرعا وواردا في أحكام الشرع ولست هنا احاكم هذا المعيار من حيث الصحة والخطأ ولكنني اشير الى وجوده في المرحلتين قبل البعثة والإسلام وكذلك بعد البعثة وعند تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بعد انتقال التبي -صلى الله عليه وسلم – إلى الرفيق الأعلى ، فلم تطبق معايير المساواة بين البشر وعدالة التعامل والحكم بصورة مطلقة لا شائبة فيها إلا في وجود نبي الأمة -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – هاديا ومرشدا وحاكما بأمر الله وهو المعصوم والمطهر من خالقه وخالق الأكوان فهو المصطفى من البشرية والخلق اجمعين ، أما خلفائه في المسلمين وخلفائهم في شؤون الأمة وحكمها فهم بشر لم يعصم أي منهم ولم يشق صدره ويطهر ولم يوحى إليهم إنما كانوا مقتدين ومتبعين كل وفق ما وصل إليه ايمانه وفهمه لهذا الدين وحسب اجتهاداتهم البشرية في أساليب الحكم وإدارة شؤون المسلمين.
فمن يقرأ تاريخ العرب ثم يقرأ تاريخ الدولة الإسلامية منذ نشأتها دولة للعرب أولا وتكون القراءة جيدة متفحصة لمزايا حكم كل خليفة وأمير للمؤمنين وكل حاكم وحكم تسلسلا وتطورا في أشكال الحكم وطبيعة الحكام إلى آخر حقبة وعهد للخلافة الإسلامية ، سيجد حتما أن تباين ظروف الدولة واختلاف العهود وما كان فيها من حال المسلمين والعرب بين علو في الأرض وتأخر أو انحطاط مردها إلى طبيعة من يدير الدولة واختلاف مزايا الخلفاء والحكام وقطعا فاختلاف المزايا يعني اختلاف المعايير.
ففي البدء كان نزول الوحي على النبي -محمد صلى الله عليه وسلم – والرسالة والأمانة العظيمتان والرسالة السماوية لا يأتيها الباطل لا من خلفها ولا من أمامها ، فرسالة السماء جاءت بالعدل المطلق وقد طبقه النبي المصطفى- صلى الله عليه وسلم – في حياته لكن هذا العدل لم يعد مطلقا بعد وفاته -عليه السلام – فتنوعت اشكال هذا العدل وتقلبت صور العدالة فعظمت حينا اقترابا من عهد النبي وضمرت أحيان أخرى وفي كل مرحلة كانت طبيعة الحكم والحكام أولا ثم الظروف آلتي خلقتها معايير الحكام وخلقت منها أيضا حسب الظروف معايير جديدة وانتقلت كل المعايير بالتوريث الثقافي لأساليب الحكم وحتى يومنا ، ولم يختلف شيء إلا تشرذم الدولة الواحدة (الخلافة) إلى دول وحاكميات ولكن اختلاف معايير الحكم في كل دولة أو دويلة بقيت حسب كل حاكم ونظام وحسب وطبيعتهما.
وإذا وصلنا إلى العصر الحديث وعصر سبقه فمدرسة ازدواج المعايير قد تجلت في كل نظام حكم عربي ، فبرغم أن مفاهيم (العدالة) في الحكم بين الناس (( متطايقة)) في كل دساتير الدول العربية وبالرغم من أن (المفاهيم الحديثة للحكم الرشيد والعادل والديمقراطي) أيضا متطابقة نظريا عند كل الأنظمة العربية وكل دولة تعتبر نفسها (دولة قانون) تطبق تشريعاتها بعدل ومساواة على الشعب لتتحقق العدالة الاجتماعية ويتحقق الرفاه الاجتماعي بمساواة مطلقة إلا أننا نرى حال كل الاقطار العربية وشعوبها رؤية اليقين وعين اليقين ، ففي كل دولة عربية الدستور وقدسية ما فيه لا تكون إلا بما يضمن للحاكم البقاء في الحكم والقوانين وما تضمنته من حفظ الحقوق وما لها من قوة لا تكون قوانينا صارمة حازمة قوية -تفل الحديد – إلا لحفظ حقوق الحاشية والطبقات العليا التي تتكون في كل مجتمع دولة ، أما بقية الطبقات فمعايير تطبيق القوانين عليها تختلف تماما فقد ابتدعت مدارس القانون في فكر و ثقافة العربان قاعدة واحدة موحدة ” القانون لا يحمي المغفلين” والمغفل هو كل إنسان نقصت لديه اشياء وهذه الأشياء هي التي تمنع غفلته إن وجدت وتزيدها كلما تعددت النواقص منها.
لقد تعلمت القوى العظمى والقوة الوحيدة الآن “أمريكا” فكرة وجوب ازدواجية المعايير من الأنظمة العربية والحكام العرب في العيش في المجتمع الدولي وأمتلاك القوة ليكون القانون الدولي في يدها فتطبقه وفق معاييرها والمعيار الرئيس قطعا هو (معيار مصلحتها) كقطب أوحد هو الذي يحكم العالم لأنه امتلك أسباب وأنواع القوة ، فكما يطبق داخل دولنا العربية القانون حسب من سيطبق عليهم فمن الطبيعي أيضا أن تطبق امريكا القانون الدولي حسب من يطبق عليهم ، ففي دولة عربية -مثلا – القاتل أو السارق يحاكم ويقتل أو يسجن بنصوص قانون العقوبات فيها لكن ليس كل قاتل أو سارق يحاكم فيقتل أو يسجن وكم من قتلة ابادوا جموعا من البشر وكم من سارقين نهبوا حتى الأوكسجين من هواء الاوطان فلم تمسسهم العدالة التي سطرت حروفا ومفردات في الدساتير والقوانين ” بعبارة توبيخ واحدة” ..؟!؟!؟؟
نعم لقد قالها ترامب للعرب أفعالا ” أنتم آخر من يحق لهم انتقاد ازدواجية المعايير ” وهي ذاتها عبارة” الغانمين دول يخرسوا ” والمعنى في القصة التي نعرفها ونحكيها كطرفة والمعنى في النهاية واحد بين حال الذي قالها في قصتنا وبين لسان حال ترامب في طريقة حكمه للعالم العربي تحديدا.
نحن العرب أصحاب ثقافة ازدواجية المعايير في محاكمة كل شيء حتى موروثنا وتاريخنا العربي ، فحتى في فهم وسرد الاساطير العربية القديمة” كحكاية حرب البسوس ” فلكل منا معايبره آلتي يحكم بها على” كليب والزير من جهة وعلى جساس وقومه من جهة أخرى ، فجساس بالرغم من أنه ثار لكرامة قومه وكرامة العربي وشيمه في وجه (معايير كليب) التي أراد حكم قومه وفقها وهي غريبة وجديدة عليهم ،الا أننا لليوم ننظر لجساس على أنه ” الغدار” ولكليب على أنه ” الفارس المغدور صاحب الحق” …؟!؟!؟!؟!
وأخيرا فلكل العربان أقول: هل يطلب الشيء من فاقده حتى نطلب نحن العرب عدالة في تطبيق قانون إنساني علينا ونحن أصحاب مدرسة”ازدواجية المعايير ” في كل شيء ..؟!؟!؟!؟!؟!؟!؟!؟
وسلامتكم والله يجيرني من معايير القراء وأحكامهم على هذا المقال..!؟!؟!؟!؟!
أبو عناد.
