الأربعاء , سبتمبر 17 2025 | 9:24 م
آخر الاخبار
الرئيسية / stop / حسن معدي : بين حرية التقنية وحدود القانون ، التلاعب بالصور عبر الذكاء الاصطناعي في عالمنا العربي

حسن معدي : بين حرية التقنية وحدود القانون ، التلاعب بالصور عبر الذكاء الاصطناعي في عالمنا العربي

فيلادلفيا نيوز

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تقنية مساعدة في ميادين العلم والابتكار، بل غدا سلاحاً ذا حدين يثير المخاوف بقدر ما يفتح من آفاق، ومن أبرز مظاهر هذا التطور ما بات يعرف بقدرة الأنظمة الذكية على تعديل الصور وتوليدها بما يجعلها تكاد تنطق بالحقيقة رغم كونها محض افتراء، وهذه القدرة وعلى وجاهتها التقنية تحمل في طياتها خطراً جسيماً على الأفراد والمجتمعات، لاسيما في بيئتنا العربية ذات الخصوصية الاجتماعية والقيمية الراسخة.
أول ما يتبدى من خطورة هذه التطبيقات هو المساس بسمعة الأفراد وحياتهم الخاصة فالصور المعدلة أو المفبركة يمكن أن تُستغل في تشويه السمعة أو الكيد الشخصي، وقد تُستخدم كأداة للابتزاز أو الضغط النفسي والمادي ومن الأمثلة التي قد تُوظف في هذا السياق قيام شخص بإعداد صورة سيدة برفقة رجل في وضع مخل لإلحاق العار بها أو النيل من كرامتها، وهي صورة لا أصل لها في الواقع لكنها تُحدث من الآثار ما لا يمكن تداركه بسهولة، إن القانون برغم تطوره يجد صعوبة في ملاحقة مثل هذه الجرائم الإلكترونية لحداثة أساليبها وسرعة انتشارها عبر الفضاء الرقمي، وهو ما يستدعي اجتهاداً تشريعياً يضع نصوصاً خاصة تُجرّم التلاعب بالصور باستخدام الذكاء الاصطناعي، مع اعتبار هذا الفعل جريمة قائمة بذاتها وليست مجرد صورة من صور التزوير التقليدي.
ومن زاوية أوسع فإن هذه الظاهرة تُهدد القيم الاجتماعية والأعراف الراسخة في مجتمعاتنا العربية، فالمجتمع العربي يقوم على مكانة السمعة والعرض وأي مساس بصور الأفراد قد يولّد آثاراً عميقة تمتد إلى العائلة والقبيلة والمحيط الاجتماعي ككل وهذا ما يجعل خطورة هذه التقنية مضاعفة عند مقارنتها ببيئات أخرى، إذ ان نتائجها السلبية لا تقتصر على الفرد بل تمتد إلى النسيج الاجتماعي برمته.
ولا يقف الخطر عند الأبعاد الشخصية والاجتماعية بل يتعداه إلى الجانب السياسي والأمني، فقد تُستغل الصور المعدلة في نشر الأخبار الكاذبة أو توجيه الرأي العام أو حتى التحريض على الفتنة وإثارة النزاعات وهذه مخاطر تهدد الأمن الوطني وتفتح الباب أمام التدخلات الخارجية والعبث بالاستقرار الداخلي.
من الناحية القانونية يقتضي الأمر توسيع نطاق التشريعات لتشمل تعريفاً دقيقاً للصور المزيفة الناتجة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي وتجريم نشرها أو تداولها أو استخدامها للإضرار بالغير، كما ينبغي على السلطات القضائية والإدارية تبني أدوات فنية قادرة على كشف هذه التلاعبات، حتى لا يظل المجتمع في موقع الدفاع المتأخر أمام هجمات رقمية سريعة ومباغتة.
إن مسؤولية مواجهة هذه التحديات لا تقع على عاتق المشرّع وحده، بل تشمل أيضاً المؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية التي يقع عليها عبء التوعية بخطورة هذه الممارسات وحث الأفراد على التحلي بالوعي الرقمي والتثبت قبل تداول الصور والمقاطع التي قد تُحدث فتنة أو إساءة.
وخلاصة القول ان الذكاء الاصطناعي وإن كان فتحاً علمياً في عصرنا، إلا أن توظيفه في تعديل الصور يفتح باباً واسعاً من المخاطر التي تمس الأفراد والمجتمع والدولة على حد سواء وهو ما يفرض علينا في المجتمعات العربية أن نتعامل معه بحذر مضاعف وأن نؤسس لنظام قانوني وأخلاقي يوازن بين استثمار التقنية في خدمة التنمية وبين كبح جماحها إذا ما انقلبت إلى أداة للتضليل والإضرار.
حسن معدي ناشط حقوقي وباحث قانوني

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com