الأحد , ديسمبر 28 2025 | 11:24 م
الرئيسية / stop / انتم تدافعون عن إيمان متصل بالحياة !!

انتم تدافعون عن إيمان متصل بالحياة !!

فيلادلفيا نيوز

  بقلم محمد داودية 

صديقي السيد توماس كارات الصحفي النمساوي البارز، أرسل لي مقالة غاية في العمق تعليقًا على مقالتي المنشورة هنا يوم أمس بعنوان: “تحريم الاحتفال بعيد الميلاد”، تجدونها تاليًا.

حضرة السيناتور المحترم،

إن تأملكم في مواقف الذين يحرّمون الاحتفال، سواء كان بعيد الميلاد أو بمولد النبي محمد، يلامس ما هو أعمق من الأحكام الفقهية أو الأشكال الطقسية.

فأنتم تدافعون عن إيمان يبقى متصلاً بالحياة والمجتمع والتاريخ، بدلاً من أن يُختزل إلى منظومة من المحرّمات الصارمة.

ومن هذا المنطلق، أودّ أن أجيبكم بتوسيع مجال اهتمامكم من الممارسة إلى الذاكرة، من سؤال: هل نحتفل؟ إلى سؤال: ماذا تتذكّر احتفالاتنا، وماذا تُهمِل أو تُقصي؟

بعض النصوص لا تدعونا إلى هجر التقاليد، بل تدعونا لإعادتها إلى جذورها.

فعيد الميلاد، شأنه في ذلك شأن المولد النبوي في طرحكم، لا يُفرّغ بالاحتفال ذاته، بل يُفرَّغ حين يُجرَّد من المكان ومن تبعاته.

إن الإيمان يفقد شيئًا جوهريًا عندما يُفصل قصته المؤسسة عن الأرض والناس والظروف التي وُلدت فيها أول مرة.

يقترب كثير من المؤمنين من هذا الموسم بإخلاص، بروح العائلة والدفء والرجاء. وهذه الشحنة العاطفية ذات قيمة، والاعتراف بها يكرّم كرامة التقليد بدلاً من تسطيحه. ومع ذلك، وكما أظهرتم من خلال أمثلة الصحابة الذين تصرّفوا بإبداع في زمانهم، فإن الإيمان لا يُصان بتجميده، بل بصون أمانته لجوهره الأخلاقي.

لقد نشأت قصة الميلاد بين أناس عاشوا تحت الضغط واللايقين وحكمٍ إمبراطوري. وقد حملت الحنان والرجاء ولكن دون أن يكون ذلك على حساب الحقيقة.

ومع مرور الزمن، تعلّمت السلطة كيف تُحيّد مثل هذه القصص، لا بإنكارها، بل بنقلها بعيدًا عن الواقع إلى رموزٍ آمنة لا تُقلق أحدًا. فإذا أصبحت بيت لحم مجرد فكرة، تلاشت الإمبراطورية من القصة ومعها تتلاشى المسؤولية.

إن دفاعكم عن الاحتفال الديني بوصفه تجليًا للرحمة يجد صداه هنا. فعندما تُختزل المسيحية إلى «هوية غربية»، يُدفع الذين يعيشون في المكان الذي بدأت منه القصة، ومنهم المسيحيون الفلسطينيون، إلى هوامش روايتهم نفسها. إن استحضار الجغرافيا، شأنه شأن الاعتراف بالفعل التاريخي المشروع في الدين، ليس ابتكارًا، بل هو وفاء.

إن القول بأن الميلاد حدث في مكانٍ ما، يعني أن نتذكّر أنه حدث لأناسٍ بعينهم. وكما يذكّرنا طرحكم بأن الإيمان يجب أن يخاطب واقع مجتمعه بدلاً من الانسحاب إلى دائرة التحريم، فإن هذا التذكّر يؤكد أن التعبّد من دون عدالة يصبح أجوف. فالحياد ينهار حالما نعيد الذاكرة إلى المكان.

وتبقى بيت لحم مُقلقة، لا لبُعدها، بل لأنها لا تزال تكشف حقائق غير مريحة: عن السلطة، والهشاشة، والمسؤولية الإنسانية. إن تكريم هذه الحقيقة اليوم لا يعني رفض الاحتفال، بل تعميقه: ممارسة الحضور، والتواضع، والتضامن مع أولئك الذين تستمر حياتهم في الموضع ذاته الذي انطلقت فيه القصة.

ومن هذه الزاوية، يلتقي نداؤكم لمقاومة التحريمات الضيقة واحتضان الإيمان كرحمةٍ حية، مع هذا المعنى.

فالسؤال المطروح أمامنا ليس فقط: هل يُسمح بالاحتفال، بل: هل تبقى احتفالاتنا وفيّة للناس، والأرض، والظروف التي خرجت منها هذه القصص المقدسة.

مع خالص التحية وأطيب الأمنيات.

توماس.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com