فيلادلفيا نيوز
نظراً للظروف الأمنية السائدة في الاقليم، ومع تعاظم التحديات التي تمس الأمن الوطني بشكل مباشر وغير مباشر، بات من الضروري توجيه عتاب مستحق للحكومة، لا من باب المزايدة أو تسجيل المواقف، بل من منطلق الحرص على أمن واستقرار الوطن، وصيانةً لهيبة الدولة ومؤسساتها، وتغليباً لصوت العقل الذي لا يحتمل مجاملة على حساب المصلحة الوطنية العليا، وهو أن الدولة لا تزال تُبقي على هامش سياسي واسع لجماعة الإخوان، رغم أن الواقع الإقليمي والدولي تجاوز هذه الجماعة كفاعل سياسي منذ أكثر من عشر سنوات. فالمعادلات التي رُسمت بعد ما سُمّي بالربيع العربي، والتي انتهت بإخراج الإسلام السياسي من المشهد في معظم العواصم العربية، لم تُطبّق في الأردن، حيث بقيت الجماعة مستثناة من هذه المعادلة، وبقيت تحظى بشرعية لم تعد مبررة الان. و ما جرى بعد السابع من أكتوبر عزّز القناعة الدولية بأن رأس الإسلام السياسي بات مستهدفًا ومرفوضًا، ورغم ذلك، بقي الأردن – دون غيره – محتفظًا بشرعية وجود الإخوان، تحت مظلة قانونية وسياسية لم تُراجع بما يكفي، وهذا في حقيقة الأمر منحهم فرصة للبقاء، بل والمناورة ايضاً.
الإخوان من جهتهم، لم يقدّروا هذا الهامش بل أساؤوا استغلاله. فقد اعتبروا نتائج مشاركتهم الأخيرة في الانتخابات البرلمانية بمثابة إعادة احياء لشرعيتهم السياسية، فتحركوا من موقع الندية لا المشاركة، ومن زاوية فرض الأمر الواقع والتصعيد الممنهج لا الالتزام بثوابت الدولة. تحوّل خطابهم من معارضة سياسية إلى تصعيد ميداني، ومن العمل النيابي إلى استعراض الشارع والنديّة، مستغلين كل فرصة لخلق صدام مع مؤسسات الدولة.
الأكثر خطورة، أنهم سعوا إلى تعميم حالة المقاومة في غزة على الواقع الاردني، في تجاهل كامل لاختلاف السياقات السياسية والجغرافية والأمنية. فلقد حاولوا قسراً فرض خطاب حركة “حماس” كأجندة داخلية، متناسين أن الأردن ليس ساحة صراع، بل دولة ذات سيادة ومؤسسات ومنظومة أمن قومي لا تسمح بتصدير الأزمات أو استيراد الفوضى. بالإضافة إلى التحركات التي تبنتها في الشارع، من شعارات مسيئة إلى المؤسسة العسكرية، وإعلان الإضرابات والتحريض العلني، لم تكن مجرد مواقف سياسية، بل خطوات محسوبة للتصعيد والتمرد. و وصولاً الى كشف الأجهزة الأمنية عن شبكات تابعة لهم متورطة في مخططات تستهدف الأمن الوطني بشكل مباشر، هذه الأفعال تؤكد بشكل لا لبس فيه أن الجماعة لم تعد ترى في الدولة شريكًا، بل خصمًا، وأنها اختارت التصعيد والمواجهة بدل الالتزام بالقانون والعمل السياسي المسؤول.
رغم كل ذلك، لم تصدر عن الجماعة أي إشارة لتحمل المسؤولية السياسية أو الأدبية، بل تمادت في حالة الإنكار و التبرير والتذرّع بالمقاومة، في حالة عناد سياسي يعكس استهتاراً في مشاعر الأردنيين ، وهو أمر غير مستغرب، فالاعتذار في أدبياتهم ضعف، والاعتراف خيانة، والتمويه جزء من منظومتهم الفكرية المؤدلجة. لم يُظهروا أي نضج أو حنكة سياسية ، ولا حتى محاولة لحفظ ماء وجه أنصارهم وأتباعهم ، بل اندفعوا إلى تبرير سلوكهم تحت ذريعة “المقاومة”، وهي ذريعة مرفوضة في سياق دولة ذات سيادة وقانون.
ان التمادي في هذه السلوكيات ومحاولة فرض مفاهيمهم ومعاييرهم الخاصة على الأردنيين، والتعامل معها كحقائق مسلَّم بها، ثم محاولة الحكم والاحتكام بناءً عليها، يشكل تحديًا لهيبة القانون ومؤسسات الدولة، واستخفافًا بعقول الأردنيين، وتصرفات ملتوية تستغل مناخ الحريات لتحقيق أهداف لا تمت بصلة للمصلحة العامة، وتتخفى وراء شعارات التضامن، وتُغلّف بخطاب ديني أصبح مستهلكًا ولم يعد يُقنع أحدًا.
الدولة الأردنية، التي أغدقت على هذه الجماعة من صبرها وحِلمها ما لم تنله جماعة من قبل، آن لها أن تطوي صفحة التساهل، وتكتب بلغة الحزم فصلًا جديدًا. فقد بالغوا في استغلال فسحات السياسة، وحوّلوها إلى منصات للتمرد، وجعلوا التمرد رأياً ، والتحريض موقفاً ، ولبسوا أثواب التضامن ليخفوا خناجر الطعن في خاصرة الوطن. آن لهذا الباب أن يُغلق، فلا مكان بيننا لمن تلثّم بالشعارات ولا مكان بيننا لمن سولت له نفسه العبث بأمن الوطن و لو بالنيّة.
