فيلادلفيا نيوز
يشهد الأردن اليوم مرحلة دقيقة تتطلب من جميع مؤسساته العمل بروحٍ تشاركية ومسؤولية وطنية، إذ لم يعد لدينا ترف الوقت أمام التحديات الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
وفي ظل هذه المعادلة، تبرز السياحة كنفط الأردن الحقيقي، لما تمتلكه من قدرة فريدة على تحريك عجلة الاقتصاد، وتوفير فرص العمل، وجذب الاستثمارات، وتحسين صورة المملكة عالميًا.
تنويع الأسواق السياحية: أولوية وطنية
يسعى الأردن إلى تنويع أسواقه السياحية والانفتاح على وجهات جديدة، من خلال رؤية شمولية تستهدف الأسواق الخليجية والأوروبية والآسيوية والأمريكية، إلى جانب تنشيط السياحة الداخلية.
فكل سوق يحمل فرصًا خاصة تتطلب خططًا تسويقية ذكية تراعي ثقافة الزائر واحتياجاته، وتستثمر نقاط القوة في المنتج السياحي الأردني.
الأسواق العربية والخليجية: العمود الفقري للسياحة الأردنية
تُعد الأسواق الخليجية، وعلى رأسها السعودية، الكويت، الإمارات، قطر، والبحرين، من أهم روافد السياحة للأردن لما تتميز به من قوة شرائية عالية واهتمام بالسياحة العائلية.
ويجد الزائر الخليجي في الأردن مزيجًا من الأمان، والاعتدال المناخي، والضيافة الأصيلة، والمواقع العلاجية والطبيعية المميزة.
كما يُعتبر السوقان العراقي والليبي من الأسواق الحيوية التي ترفد الحركة السياحية، سواء لأغراض العلاج أو التعليم أو السياحة العائلية.
الأسواق الأوروبية: وجهة الثقافة والطبيعة
تستمر الأسواق الأوروبية، وخاصة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا، في الاهتمام بالأردن لما يتمتع به من تجربة سياحية فريدة تجمع بين التاريخ، والتراث، والطبيعة.
وتمثل عودة الرحلات منخفضة التكلفة (Ryanair، easyJet) فرصة حقيقية لجذب مزيد من الزوار إلى مواقع مثل البترا، البحر الميت، وادي رم، والسلط.
كما أن الزائر الأوروبي يقدّر الوجهات الآمنة والمستقرة، ما يجعل الأردن خيارًا مثاليًا في ظل اضطراب بعض أسواق المنطقة.
الأسواق الآسيوية: تنوع ثقافي وسياحة نوعية
تُظهر الأسواق الآسيوية مثل الصين، الهند، اليابان، وكوريا الجنوبية اهتمامًا متزايدًا بالسياحة الثقافية والدينية.
ويمتلك الأردن مقومات غنية لهذه الفئة من السياح، كـ مواقع الكتاب المقدس، المغطس، جبل نبو، والتجربة البدوية في وادي رم.
ويُعد إعداد برامج مخصصة وتدريب الأدلاء على لغاتهم خطوة ضرورية لتعزيز هذه السوق النوعية ذات الإنفاق المرتفع.
الأسواق الأمريكية واللاتينية: السياحة الدينية والتاريخية
تُعد هذه الأسواق مصدرًا مهمًا للسياحة عالية الجودة، خصوصًا المرتبطة بالمواقع الدينية المسيحية.
ويُعد التعاون مع شركات السياحة الدينية والكنائس العالمية خطوة استراتيجية لتعزيز حضور الأردن كوجهة إيمانية وروحية، تُجسد قيم السلام والتسامح التي تميّز المملكة.
السياحة الداخلية: الاستدامة والتوزيع العادل للحركة
لا تقل السياحة الداخلية أهمية عن الأسواق الخارجية، إذ تمثل ركيزة لاستمرارية الفنادق والمنشآت، خصوصًا في المحافظات مثل السلط، مأدبا، الكرك، والطفيلة.
ويجب العمل على برامج تحفيزية تُشجع الأردنيين والمقيمين على اكتشاف وطنهم، مما يسهم في توزيع العوائد الاقتصادية وتعزيز روح الانتماء الوطني.
تشاركية حقيقية بقيادة وزير من الميدان
إن المرحلة الحالية تحمل مؤشرات إيجابية، خاصة مع قدوم وزير سياحة من قلب القطاع السياحي نفسه، وهو ما يبعث الأمل في تحقيق نقلة نوعية في أسلوب العمل والتخطيط.
فوجود قيادة تفهم تفاصيل الميدان وتحديات العاملين فيه، يشكل فرصة حقيقية لتعزيز التشاركية بين وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة وجمعية الفنادق الأردنية.
وهذه التشاركية هي حجر الأساس لتوحيد الجهود وتحقيق التكامل بين الجهات المعنية، بما يضمن تنفيذ رؤية وطنية موحدة تجعل السياحة أحد أعمدة الاقتصاد الأردني.
لقد أثبتت التجارب العالمية أن الدول التي استثمرت في السياحة بذكاء أصبحت أكثر قدرة على تجاوز الأزمات الاقتصادية.
والأردن يمتلك المقومات الطبيعية والبشرية والتاريخية التي تؤهله ليكون قلب السياحة في الشرق الأوسط، شرط أن نتحرك سريعًا ونستثمر الوقت بعقلانية وشراكة حقيقية.
فالسياحة ليست قطاعًا ترفيهيًا، بل نفط الأردن ومصدر طاقته الاقتصادية، وهي مسؤولية وطنية تتطلب عملاً مخلصًا وتخطيطًا تشاركيًا يليق بوطننا وبمكانته
بقلم: السيد حسن ماضي – عضو جمعية الفنادق الأردنية
فيلادلفيا نيوز نجعل الخبر مبتدأ