الجمعة , يونيو 20 2025 | 8:27 ص
آخر الاخبار
الرئيسية / كتاب فيلادلفيا / أ.د مخلد سليمان الطراونه يكتب : بين التعليم الإلكتروني والجامعة الافتراضية: فاصل المفهوم ومسار المستقبل

أ.د مخلد سليمان الطراونه يكتب : بين التعليم الإلكتروني والجامعة الافتراضية: فاصل المفهوم ومسار المستقبل

فيلادلفيا نيوز

في ظل الثورة الرقمية التي يشهدها العالم، تطورت منظومات التعليم العالي بشكل لافت، وبرزت مفاهيم جديدة في المجال الأكاديمي، من أبرزها التعليم الإلكتروني عن بُعد والجامعة الافتراضية. وعلى الرغم من أن هذين المفهومين يشتركان في توظيف التكنولوجيا لتقديم المحتوى التعليمي خارج القاعات التقليدية، إلا أن بينهما تباينًا واضحًا في الرؤية والبنية والوظيفة، ما يدفعنا للحديث عن تناقض جوهري بين التعليم الإلكتروني والجامعة الافتراضية.
فالتعليم الإلكتروني عن بُعد يُعد في جوهره وسيلة أو أداة توظفها مؤسسات تعليمية قائمة بهدف توسيع نطاق خدماتها التعليمية أو توفير حلول بديلة في ظروف استثنائية كالأزمات الصحية أو الكوارث الطبيعية. وهو في العادة يتبع هيكلًا أكاديميًا تقليديًا، ويتم تنفيذه عبر منصات تكميلية تتيح للطلبة الوصول إلى المحتوى التعليمي من أماكن متفرقة، مع الاحتفاظ بنفس السياسات والأنظمة المرتبطة بالحرم الجامعي الأصلي.
في المقابل، تأتي الجامعة الافتراضية ككيان أكاديمي متكامل لا يرتبط بوجود مادي، بل تنشأ في الفضاء الرقمي من البداية، وتعمل وفق ترخيص قانوني مستقل يخوّلها بمنح درجات علمية كاملة في بيئة تعليمية متكاملة عبر الإنترنت. وتضم هذه البيئة بنية تحتية رقمية تغطي جميع مراحل العملية التعليمية، من التسجيل والقبول، مرورًا بالمحاضرات التفاعلية، وانتهاءً بالتقييمات وإصدار الشهادات.
تكمن جذور التناقض بين النموذجين في البعد المؤسسي والتشريعي، فبينما يُعد التعليم الإلكتروني امتدادًا مؤقتًا أو جزئيًا لمنظومة تقليدية، فإن الجامعة الافتراضية تمثل بديلًا حقيقيًا ومؤسسيًا يعيد صياغة مفهوم التعليم نفسه. إضافة إلى ذلك، فإن التعليم الإلكتروني غالبًا ما يكون محدودًا من حيث التفاعل والمحتوى الممنهج، في حين أن الجامعة الافتراضية تؤسس لتجربة تعليمية رقمية شاملة تتجاوز فكرة المحاضرة المصورة، وتشمل أدوات ذكية للتقويم، ومنصات للإشراف الأكاديمي، ونظم معلومات لإدارة الطالب والبرامج.
وفي السياق الأردني، يبرز ترخيص عدد محدود من الجامعات الافتراضية كفرصة استراتيجية لتعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي للتعليم الرقمي المتقدم. فوجود جامعة أو جامعتين افتراضيتين مرخصتين ومرتبطة بمعايير أكاديمية عالمية من شأنه أن يفتح آفاقًا واسعة أمام الطلبة الأردنيين والعرب الراغبين بالتعليم عن بُعد وفق جودة معترف بها. كما يتيح هذا النموذج جذب الطلبة من الخارج، دون الحاجة إلى بناء بنى تحتية ضخمة، وبالتالي تقليل التكاليف ورفع كفاءة الإنفاق.
إن الاستثمار في هذا النمط من التعليم لا يتعارض مع التعليم التقليدي، بل يكمله، ويساهم في سد الفجوات التعليمية في المناطق الأقل حظًا، ويمكّن فئات واسعة من المجتمع، مثل العاملين وذوي الإعاقات، من استكمال دراستهم الجامعية دون عناء الانتقال أو الالتزام بالدوام الكامل. كما أن الجامعات الافتراضية المرخصة يمكن أن تكون حاضنات للابتكار في التعليم الرقمي، وتُوظف الذكاء الاصطناعي والتحليلات التعليمية لتطوير محتوى تفاعلي وشخصي لكل متعلم.
لذا، فإن تشجيع الحكومة الأردنية على فتح باب الترخيص لعدد محدود ومدروس من الجامعات الافتراضية سيساهم في بناء نموذج وطني ناجح يمكن تعميمه لاحقًا. ويتطلب هذا المشروع إطارًا تنظيميًا مرنًا، ومعايير ضبط جودة صارمة، وتعاونًا بين القطاعين العام والخاص لضمان الاستدامة والتميز.
إن هذا التناقض بين التعليم الإلكتروني والجامعة الافتراضية لا يعني تفوق أحدهما مطلقًا، بل يفرض علينا التفكير بنظرة استراتيجية شمولية تحفّز الابتكار، وتستثمر في الحلول التعليمية القادرة على تلبية متطلبات المستقبل. ومن هنا، فإن فتح المجال أمام الجامعات الافتراضية المرخصة في الأردن يمثل خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح، ويُعزّز من مكانة التعليم الأردني في العصر الرقمي.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com