الأحد , مايو 5 2024 | 11:18 م
الرئيسية / بلدنا اليوم / مثقفون يقرأون على شاشة “المملكة” الواقع الثقافيّ بين الواقع والطموح

مثقفون يقرأون على شاشة “المملكة” الواقع الثقافيّ بين الواقع والطموح

فيلادلفيا نيوز

برزت المعضلة الماليّة أهمّ المعاضل التي يواجهها المشروع الثقافي في الأردن، وتالياً نقاشات ثلاثة من فرسان المشهد الثقافي مثّلوا الجانب الرسميّ والإبداعي الفنيّ والأدبي، وهي نقاشات تباينت في الطرح واتفقت في الروح أمام حالة الطموح الكبير للمبدع الأردني أمام ضيق الموارد وشحّ الإمكانات.

البراري: “صناعة العقل” ومحدودية الموارد
أهمّ ما أكّده أمين عام وزارة الثقافة هزاع البراري في البرنامج الحواري “حكومة الظّل” الذي شاركه فيه الكاتب مهدي نصير عضو رابطة الكتاب الأردنيين، ونقيب الفنانين الأردنيين الفنان حسين الخطيب، على شاشة “المملكة” هو “صناعة العقل”، ولا شكّ أنّ الوزارة من هذا تشتغل على أمد أبعد من مجرّد الدعم المالي اللحظي، ولذلك- بحسب البراري- فإنّ رعاية الوزارة للفعل الثقافي معناه أنّها ذات موارد محدودة توزّعها بناءً على توليفة موضوعيّة وعادلة، إذ هي بالتأكيد ليست مطلقة الدّعم، ولا تستطيع أن تلبي كلّ المطالب، لكنّها ترمي من خلال مشاريعها إلى إشاعة حالة من الثقافة والفكر والإبداع، أسماها البراري بـ”صناعة الجمال”!
وأعتقد أنّ المطالبة بأن توزّع الوزارة ما لديها دفعةً واحدةً أو أن تُحمَّلَ مسؤولية عدم حصول رابطة الكتاب مثلاً على مقر أو عدم قدرتها على أن تنشر كتاباً.. أمرٌ بحاجة إلى تأنٍّ؛ صحيحٌ أنّ الوزارة تدعم الهيئات الثقافية التي تزيد عن سبعمئة هيئة تتبع لها بمبالغ سنوية أو مستجدّة، ومن بينها رابطة الكتاب، إلا أنّ مقدرة الرابطة على إدارة نفسها بما تتحصّل عليه من الوزارة، وربّما من وزارة المالية مثلاً، أو من جهات أخرى، أمرٌ يجعلها تدرك أنّ 90% من أعضائها هم مستفيدون من مشروع التفرّغ الإبداعي الذي لقي نقاشاً كاستهلال لقراءة المشهد الثقافي الذي تدخل فيه الوزارة شريكاً وموجّهةً له وفق مواردها وخطّتها الإداريّة كما أكّد البراري الذي رأى أنّ برامجها من الكفاية بحيث استطاعت أن تطوّر في المشروع وأن ترشّقه من جديد وأن تجعل له مُدداً زمنيّةً وأن تحقق فيه عنصر العدالة، ومثل ذلك كثيرٌ من المشاريع التي أتت أكلها ومنها ما تمّ الاشتغال عليه كمشروع المدن الثقافيّة على سبيل المثال، وغيرها من المشاريع.
وأُدرك، من منظور اللقاء، أنّ البراري، ومع أنّه كان يمثّل وجهة النظر الرسميّة- بصفته أميناً عاماً للوزارة- كان كثيراً ما ينزاح لأن يشتعل لديه الحسّ الإبداعي والثقافي، مثقفاً عضوياً، يعلم ما يواجهه الوسط الثقافي الأردني من هموم، غير أنّه كان موفّقاً في حالة التوازن والعقلانيّة والموضوعيّة وهو يقرّ حالة التعاون مع نقابة الفنانين ويؤكّد في الوقت ذاته أنّ رابطة الكتّاب ليست دار نشر، وإنّما هيئة ثقافية إبداعيّة تنشر بما لديها من مقدّرات تسهم وزارة الثقافة بجزءٍ منها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وفي هذا، فإنّ ردود البراري المركّزة تؤكّد أنّ المشروع الثقافي أكبر من وزارة ثقافة وأنّ “الحرقة” التي انطلق منها الخطيب كانت هي الحرقة ذاتها لدى أمين الوزارة المثقف المبدع، غير أنّ المسألة هي في نهاية المطاف أولويات وبرامج وتمنيات ربّما تفوق ميزانيّة الوزارة التي قلّت وشحّت إلى 5 ملايين دينار بعد أن كانت في سقوف عالية بحدود 17 مليون دينار، وهو ما يضعنا بصورة مشاريع جديدة سعت “الثقافة” إلى اجتراحها و”خلقها” إبداعياً، من مثل ملتقى الأردن للشعر، الذي يأخذ نصيباً معيناً من ميزانيّة تقتطع منها الوزارة لأعمال كثيرة منها مشروع مكتبة الأسرة “القراءة للجميع” وكثير من المشاريع التي تتنازع ربّما كثيراً من الأنصبة من كلّ هذه المشاريع.

الخطيب: مشروع أكبر من الوزارة
وفي حين كان نقيب الفنانين الأردنيين حسين الخطيب شفوقاً على حالة تحتاج ربّما مؤتمراً عاماً وتخطيطاً لا يقف عند وزارة الثقافة، بل يتجاوزه إلى كثير من الشركاء الفاعلين، خصوصاً وأنّ الحالة الماديّة تردّت كثيراً للفنان الأردني في وضع لا يسمح له بالمفاضلة وإملاء شروطه الموضوعيّة كفنان قال عنه الخطيب إنّه من أوائل فناني المنطقة العربيّة في لهجته التي تدخل كلّ القلوب والبيوت العربيّة، وفي أدائه المميّز، وفي حضوره الواثق؛ غير أنّ البقاء في “عنق الزجاجة” أمر مقلق، خصوصاً وأن مشروعاً مهمّاً بحجم مشروع “صندوق الدراما” غاب، مع أنّ المسألة أيضاً كما قال الخطيب هي أكبر من هذا وذاك، وإذ بدا الخطيب مطمئنّاً كثيراً إلى رئيس الحكومة الرزاز في لقائه قبل أيّام وتفهّمه للشأن الفنّي الذي عانى فيه الفنان على مدى حكومات كثيرة عاصرها الخطيب ووزراء ثقافة كثر، ربّما أدخل منهم تجديدات، يطمح إلى أن تكون مؤطّرة بشكل فاعل، وهو التمنّي الذي لا ينكره وزراء الثقافة أنفسهم في لقائهم رؤساء الرابطة أو الهيئات الثقافيّة الأخرى، إذ دائماً ما تبرز “المقدرة الماليّة” عائقاً أمام تحقيق الطموحات والأماني التي ربّما لا يستطيع قانون التفرّغ الإبداعي- على أهميّته- أن يفي بالمشروع الدرامي قيد التفرّغ والدّعم، طالما أن شركاء معينين يدخلون مع المخرج في هذا الأمر لا يقفون عند عنصر التمثيل بل يمتدون إلى شراكات كثيرة، ما يجعل الأمر رمزياً، من وجهة نظر الخطيب، ويمكن أن يزداد، وهو ما لا يمكن في ظلّ ميزانيّة متواضعة ومحدودة لوزارة كثيرة البرامج والمستجدّات واليوميّات، فضلاً عن رواتب ومصاريف ثابتة اعتياديّة، ما يجعل من “المقاصّة” بين المشاريع حلاً تلجأ إليه الوزارة في غالب الأحيان، لتلبية هذا الموضوع أو ذاك.
وقد بدت مطالبات الخطيب موضوعيّةً ووجيهة جدّاً، وهو يتحدث عن فناني بلد يحملون مشروعه الثقافي الذي يدخل كلّ بيت، ويسهم في صناعة الذوق الجمالي الدرامي، وتبثّ خلاله الرسالة في سياق فنّي في التمثيل أو في السينما أو في المسرح او في الموسيقى أو في الغناء، مع أنّ وزارة الثقافة لبّت كلّ هذه العناصر في برامجها، من مثل “مهرجان الفيلم الأردني الدولي” الذي يتواصل هذه الأيّام، وغيره الكثير مما تنفّذه مديرية الفنون والمسرح، هذا فضلاً عن النشر الذي تقوم به مديرية الدراسات والنشر، وليس هنا مجال تعداد كلّ هذه المشاريع، ولكنّ الهمّ الأكبر الذي يأبى إلا أن يظلّ يعيق كلّ ذلك هو محدوديّة المال أمام كلّ هذه الأحلام والتمنيات.
مهدي نصير: جرعات من عجز المبدع
لكنّ الشاعر مهدي نصير عضو رابطة الكتّاب كان يائساً جدّاً، أمام مشهد وصفه بالبائس، وهو وصفٌ مُتوقّع من شاعر يعيش الحالة الإبداعيّة اليوميّة لهيئات غير قادرة على تسيير أقلّ احتياجاتها، وربّما عجزت عن أداء واجب الضيافة إلا بنخوة من رؤسائها أنفسهم، وهو ما يدلل على أنّ المبدع الأردني مستعدٌ لأن ينفق على الإبداع من جيبه لكي لا يموت، والأمثلة والشواهد على ذلك كثير في أغلب محافظاتنا بين هنا وهناك.
كان الإبداع والنشر المستمر لاتحاد الكتاب العرب في سوريا قيمةً معياريّةً لدى نصير حاول أن تصل إليها رابطة الكتاب الأردنيين التي تعجز أن تنشر شيئاً أمام كتب كثيرة للاتحاد، وهو ما يجعل من حالة اليأس مركّبة لدى نصير الذي ظلّ يعرب عن يأسه وقنوطه من مشهد حزين، ولذلك كانت مداخلاته أقرب إلى جرعات من عجز المثقف والهيئة الثقافيّة، والعلاقة الصعبة بين المبدع والمؤسسة الثقافيّة.
إدارة الوقت
لكنْ، مهلاً، فلا يستطيع أديب أو مثقف أو مسؤول أن يلخّص الحالة في دقائق ربّما يقطعها عليه المذيع أو يقف منه موقف المستعجل، فتجيء الإجابات والتنظيرات أشبه بـ”نُتف” لا تشبع بحال الموضوع قيد الوصف أو المعالجة أو النقاش. وذلك ما لم يكن منصفاً للأمين العام البراري الذي ربّما كان ملزماً بالدفاع عن الوزارة وتبيان دورها الموضوعي في الإداء اليومي والسّنوي، مع أنّ الرّد أصعب من توجيه السؤال، فقد بدت المحاورة عجلى تخللها فاصل أو فاصلان، لمواضيع لم تُعط حقّها من النقاش أو الاستفاضة، ومع أنّ في البلاغة الإيجاز، غير أنّ حيثيّات ربّما لا يعلمها المتلقي المشاهد وهو يرى جام الأسئلة وهدوء الرد، وسرعة المذيع في القطع والالتفات، وذلك غالب برامجنا الحواريّة اليت تتسابق على مواضيع الثقافة وغير الثقافة لمجرّد الاستيفاء السريع أو حرق العناوين.

ابراهيم السواعير – الراي

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com