الإثنين , مايو 6 2024 | 11:18 ص
الرئيسية / كتاب فيلادلفيا / الدكتور عامر العورتاني* يكتب: مسار الكورونا بين اللامبالاة والخوف 

الدكتور عامر العورتاني* يكتب: مسار الكورونا بين اللامبالاة والخوف 

فيلادلفيا نيوز

مدينة ووهان الصينية ، أعداد الإصابات في ازدياد في الصين ، الحكومة الصينية تفرض عزلاً كاملاً على المدينة ، ومن ثمّ حظر تجوال وإغلاق لكافة القطاعات ، ومرة أخرى الإصابات في ازدياد ، إلى هنا والعالم ينظر إلى الشريط الإخباري كالمعتاد ، فالخبر يندرج كغيره من أخبار الحرب والقصف والعنف والجوع والإرهاب ، والحياة في مختلف مناطق العالم كانت تسير بشكلها المعتاد ، لكنّ وتيرة الأنباء كانت تشتدّ يوماً بعد الآخر ، وهكذا بدأ الكلام عن الفيروس يتسلل بشكل عارض إلى بعض الأحاديث الجانبية ، لكنه في المجمل كلام عن مشكلة في دولة بعيدة ، وربما نظر البعض إلى الموضوع على أنه مجرد شائعة سرت عبر القارّات ، أو مؤامرة جديدة للسيطرة على العالم ، وما أن أعلنت منظمة الصحة العالمية عن الفيروس على أنه جائحة عالمية ؛ نظراً لانتقال المرض إلى دول أخرى غير الصين ، وارتفاع اعداد الإصابات في بعض دول القارة الأوروبية   ، حتى بدأ خط الشعور النفسي يأخذ طريقه صعوداً ، ومع تسجيل الإصابة الأولى في الأردن قادمة من العاصمة الإيطالية روما ، حتى بدأ الشارع الأردني يتابع المسألة على نحو أكثر اكتراثاً ، ووسط تزاحم الأنباء على شريط الأخبار ، وتَصدُّر الكوفيد – 19 عناوين النشرات ، وتمحور البرامج الحوارية حوله ، حتى بدأ الرأي العام بالمطالبة بإغلاق المدارس حرصاً على سلامة الأطفال ، فكانت القرارات الحكومية ما بين يوم 16 – 21 من شهر آذار تاريخية في الأردن ، إذ وضعت المجتمع في مواجهة مع  ظرف غير مسبوق وقد أُعلنت حالة إغلاق كاملة ولكافة القطاعات ولأجل غير محدد ، كما أًعلن عن نفاذ  قانون الدفاع  ، وهكذا دخلت كلمات كالحظر والعزل والوباء والتباعد المكانيّ إلى قاموس المفردات اليومية ، وسيطر الفيروس على المشهد بكامله .

ومع فرض الحظر الشامل بدأ الإحساس بالخوف يبدو أكثر حقيقية من القادم المجهول ، فكم ستطول مدة الحظر؟! ، وما مصير العام الدراسيّ ؟ّ! ، وما السبيل لكسب الرزق لمن يعتمدون على أعمال المياومة ؟! وغيرها الكثير من التساؤلات التي كانت تصبح أكثر دقة حتى وصلت إلى رغيف الخبز وكيفية تأمينه ، وانتشرت حالة من الخوف من الإصابة بالفيروس ، ما تسبب بأن يصبح الهلع من الوباء ظاهرة جمعيّة ، فالفيروس التاجيّ قادم ليغيّر وجه العالم ، وربما تساعد إجراءات الإغلاق والتعقيم والتباعد في الوقاية من المرض ، فكانت مخاوف الإصابة بالمرض تتفوّق على المرض نفسه ، لا سيّما وأنها أربكت سير الحياة الطبيعية ، فدخل الجميع إلى دائرة مغلقة من الأيام المكررة الخالية من الكثير من التفاصيل التي كانت تبعث على الطمأنينة أو الفرح  أو حتى الحزن بالشكل المعهود ، فكان من الصعب التأقلم مع الجوّ العالميّ السائد ، لولا بعض ما ساهمت به الميديا الرقمية التي شكلّت حيّزاً افتراضياً محصّناً أمام هجمة الفيروس الخطير ، فكانت مساحة حرّة لا يتطلب تباعداً جسدياً أو إجراءات عزل وإغلاق ، لكنّ أعداد الإصابات في بعض دول العالم في تزايد ، وبدت بعض أنظمة الصحة في كثير من الدول العظمى والمتقدمة عاجزة أمام الوباء ، ما ساهم في بثّ الخوف في النفوس أكثر وأكثر ، إلى جانب تصاعد الصيحات المطالبة بتأمين سبل العيش لمن تقطعت بهم السبل داخل الحظر المنزلي ، والخوف من ارتفاع كُلَف الإغلاق الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وحتى الثقافية والنفسية ، إلاّ أنّ كلّ ذلك جعل المجتمع أكثر انسجاماً مع المعايير السائدة ، وحتى الأحكام الأخلاقية أصبحت أكثر تشدّداً ، والمواقف الاجتماعية أصبحت أكثر تفهمّاً ، فالخوف من الإصابة بالمرض يعتبر ردّ فعل طبيعي وإنسانيّ كموقف عاطفيّ ونفسيّ مقبول أمام الجهل بحقيقة الفيروس المستجدّ ، ومحاولات استحداث العلاج التي لن تؤتي ثمارها قبل عام على أقل تقدير ، لذلك فإنّ طبيعة التعامل مع الوضع الصحيّ الجديد أظهر سلوكيات نفسية متباينة بحسب قدرة واطّلاع وبيئة الأفراد ، ولا شكّ أنّ استجابة الجسم للقلق والتوتر في بداية الخطر تشكلّ عنصر وقاية بالغ الأهمية ، إلاّ أنّ استمرار التعرض لهذه المؤثرات قد يؤدي إلى ظهور عدد من الأمراض النفسية والعضوية بحسب الاستعدادات الكامنة لدى كل ّ فرد .

لكنّ للخوف مع المجتمع الأردني قصة متقلّبة الأحداث ، فما أن تمت السيطرة بشكل ما على معدّل الإصابات في المملكة ، وبدأت الأجهزة المختلفة في الكادر الحكومي بتطبيق إجراءات الفتح التدريجيّ لكافة القطاعات تقريباً ، حتى بدأ الموقف يتبدّل لدى البعض ، وكأنّ المرض سراب تلاشى بين رمال الصحراء ، فبدأ الخوف يتراجع آخذاً الكثير من الحذر والحرص معه للخلف ، وسادت حالة ضبابية من اللامبالاة والإنكار والسلوكيات غير المسؤولة بين كثير من أفراد المجتمع ، وسط التنبيهات المتكررة من الجهاز الحكوميّ بأنّ المرض لم يزُل بعد ، وأنّ الخطر لا زال قائماً في ظلّ تحذيرات منظمة الصحة من موجة ثانية للكورونا ، مع التأكيد على أنّ التوجّه العالمي يسير نحو التعايش مع وجود المرض والتأقلم معه في  إطار الحياة اليومية المعتادة ، وهكذا بدأت لسبب أو لآخر أعداد الإصابات بالارتفاع في الأردن بنسب فاقت مرحلة الحظر الشامل ، والتوجّه الحكومي في العالم كله يصرّ على أن خيار الإغلاق لم يعد مُتاحاً نظراً للخسائر الهائلة التي مُنيت بها كافة القطاعات في المرّة الأولى ، والتي لن تكون دولة ما في العالم قادرة على مواجهتها مهما بلغت قدرتها الاقتصادية من القوة ، إضافة إلى أنّ الخبرات المتراكمة من الموجة الأولى في التعامل مع المرض ، قد وفّرت بعض النور للسير على طريق مواجهة الوباء وليس التعايش معه فحسب ، ومع بدء العام الدراسيّ الجديد ، وتزايد حالات الإصابة ، وقرارات العزل الجزئي للأحياء أو البنايات التي تسجل إصابات جديدة ، كانت خيوط القضية قد كشفت الحقيقة كاملة ، فالمرض لا زال موجوداً ، وخطر الإصابة به أصبح وارداً لأي فرد ، والإغلاق هو المحظور في المرحلة القادمة ، لذا فإنّ الخوف مطلوب بقدر ما يدفع أفراد المجتمع نحو التقيّد بتعليمات وزارة الصحة ولجنة الأوبئة ، واتباع وسائل الوقاية الشخصية ، وعلى الطرف المقابل فإنّ الخوف لا يعني بالتأكيد الهزيمة النفسية أمام المرض  والاستسلام لرُهاب الكورونا ، فإلى أن تنجح الدراسات والأبحاث حول العالم في إيجاد لقاح ناجع للمرض ، فإنّ قوّة الإيمان بالله ، والإلتزام التامّ بالتعليمات والقوانين ، والتحلي بالأمل وروح المسؤولية الأخلاقية على مستوى المجتمع بأسره ، ستكون خير وسيلة لمواجهة الجائحة وطيّها في سجلات التاريخ .

*أخصائي علم اجتماع الجريمة

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com