فيلادلفيا نيوز
في خضم البحث الدؤوب عن حلول جذرية للأزمات الاقتصادية المزمنة، وعلى رأسها بطالة الشباب والتمركز الجغرافي للتنمية، تبرز رؤية استراتيجية جريئة تستحق التأمل والدراسة المتأنية: اقتراح دولة سمير الرفاعي بجعل منطقة القطرانة عاصمة إدارية جديدة للمملكة. ليست هذه مجرد فكرة لنقل مكاتب حكومية، بل هي مشروع وطني شمولي يهدف إلى إعادة رسم خريطة التنمية في الأردن، وتحويل القطرانة من منطقة عبور إلى قطب اقتصادي حيوي، وحلقة وصل استراتيجية تعيد التوازن بين شمال المملكة ووسطها وجنوبها.
تكمن القوة الأساسية لفكرة القطرانة في موقعها الجغرافي الفريد، الذي يشكل نقطة تقاطع طبيعية لمحاور حيوية متعددة: القطرانة شريان حيوي بين عمان ( العاصمة) والعقبة ( الميناء) حيث تقع على الطريق الدولي الذي يربط العاصمة عمان بميناء العقبة، المنفذ البحري الوحيد للمملكة. جعلها عاصمة إدارية لن يعزز فقط من كفاءة هذا الشريان، بل سيحوله من مجرد طريق لنقل البضائع إلى محور للتنمية البشرية و الحضرية والصناعية والخدمات اللوجستية، مما يخفف الضغط الهائل على العاصمة عمان ويوزع بعدالة عوائد التنمية على المناطق الواقعة بينهما وحولهما .القطرانة، بوابة الأردن إلى الخليج والعراق، موقعها المتقدم يجعلها المدخل الطبيعي للأردن من وإلى المملكة العربية السعودية والعراق.
في عالم تتشكل فيه تحالفات اقتصادية إقليمية جديدة، يمكن للقطرانة أن تتحول إلى مركز لوجستي رئيسي لتجارة الترانزيت، ومنطقة تخزين وإعادة تصدير، مما يعزز دور الأردن كجسر بري يربط شبه الجزيرة العربية ببلاد الشام وأوروبا. القطرانة ، عاصمة للثروات الطبيعية، ربما يكون هذا الجانب هو الأكثر إقناعاً، حيث تقع القطرانة في أحضان أكبر ثروات الأردن الطبيعية: مناجم الفوسفات في الحسا والرشادية، ومصانع البوتاس، ومحاجر الإسمنت، وثروات الصخر الزيتي الهائلة. تحويلها إلى عاصمة إدارية يعني وضع مركز القرار والتخطيط في قلب مناطق الإنتاج، مما يسمح بإدارة أكثر كفاءة، وتطوير صناعات تحويلية عميقة تعتمد على هذه الموارد بدلاً من تصديرها كمواد خام. كما أن قربها من مشروع قناة البحرين (الأحمر-الميت) ومشاريع مياه الديسي يضاعف من قدراتها التنموية.
الهدف الأساسي من هذه الرؤية هو تبني “بعد شمولي للتنمية”، أي معالجة قضايا التنمية بشكل متكامل وغير منفصل وخطوة نحو التنمية المكانية المتوازنة ، لطالما عانى جنوب الأردن من تركز الفقر والبطالة مقارنة بالمركز. إنشاء عاصمة إدارية في وسط الجنوب سيعيد توجيه الاستثمارات العامة والخاصة، ويخلق مراكز جذب سكاني واقتصادي جديدة، مما يحد من الهجرة الداخلية نحو عمان ويخفف من الازدحام والضغط على البنية التحتية فيها . القطرانة العاصمة الادارية – ستكون راس الحربة في محاربة البطالة وتوفير فرص حقيقية للعمل وليس وعوداً، فالشباب الأردني، خاصة في المحافظات الجنوبية، يئن تحت وطأة البطالة. تحويل القطرانة إلى مركز للمشاريع الكبرى (المنطقة اللوجستية، المجمعات الصناعية القائمة على التعدين، مراكز الأبحاث والتطوير في مجال الطاقة والصخر الزيتي) سيفتح آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة. لن تكون الوظائف مقتصرة على العمالة غير الماهرة، بل ستشمل مهندسين، وفنيين، وإداريين، ومحاسبين، وباحثين، مما يوفر فرصاً متنوعة تلائم خريجي الجامعات والمهنيات على حد سواء. القطرانة ستخلق كتلة حرجة اقتصادية،تواجد المؤسسات الحكومية الكبرى، والمناطق الصناعية، والمراكز اللوجستية، ومراكز التدريب في مكان واحد سيخلق “اقتصاداً تكتلياً” (Cluster Economy). هذا يعني أن وجود شركة ما سيسهل عمل الشركات الأخرى المرتبطة بها، مما يخلق بيئة خصبة للإبداع والاستثمار وريادة الأعمال، ويجذب استثمارات أجنبية ومحلية كانت تتردد سابقاً لعدم وجود البنية التحتية المتكاملة.
اما وحديث الساعة الاستدامة البيئية ، فبدلاً من إنشاء مدينة من الصفر في منطقة خضراء، فإن تطوير القطرانة يستغل الأراضي المتاحة ضمن نطاق عمراني موجود، مما يقلل من البصمة البيئية،يمكن للمشروع أن يكون رائداً في تبني معايير البناء الأخضر، واستخدام الطاقة المتجددة (خاصة مع قرب مصادر الصخر الزيتي)، وبناء أنظمة نقل عام جماعي فعالة منذ البداية.
لا شك أن مشروعاً بهذا الحجم لا يخلو من التحديات: منها التكلفة المالية ، إنشاء البنية التحتية المتكاملة لعاصمة إدارية جديدة يتطلب استثمارات ضخمة،هنا يأتي دور الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، حيث يمكن جذب المستثمرين لتمويل وبناء وتشغيل العديد من المرافق مقابل حق الامتياز . قد تواجه الفكرة مقاومة من داخل المؤسسات الحكومية المرتاحة في عمان،التغلب على هذا يتطلب إرادة سياسية حقيقية ورؤية وطنية تتجاوز المصالح الضيقة . يجب تجنب أخطاء التمدد العشوائي الذي شهدته عمان والزرقاء،التخطيط للمدينة الجديدة يجب أن يكون ذكياً، يراعي التوزيع المتوازن للخدمات، والمساحات الخضراء، وأنظمة النقل المستدام، ومناطق السكن المتلائمة مع مناطق العمل.
خاتمة الكلام ، اقتراح جعل القطرانة عاصمة إدارية ليس مجرد حلم، وليست مزحه من دولة الرفاعي ، بل هو مشروع استراتيجي قابل للتحقيق يمكن أن يشكل نقلة نوعية في مسيرة الأردن الاقتصادية والاجتماعية. هو استثمار في الجغرافيا، وفي الثروات الطبيعية، و الأهم من ذلك، استثمار في الإنسان الأردني، خاصة شباب الجنوب الذين ينتظرون فرصة حقيقية لإثبات وجودهم وبناء مستقبلهم. تحتاج هذه الرؤية إلى حوار وطني جاد، ودراسات جدوى متعمقة، وإرادة سياسية لتتحول من كلمات على الورق إلى واقع ملموس. القطرانة ليست مجرد نقطة على الخريطة، بل هي رمز لإمكانيات الجنوب المكبوتة، وهي بمثابة جسر نحو مستقبل أكثر توازناً وازدهاراً للأردن بأسره، حيث لا يكون النمو حكراً على المركز، بل يكون ثمرة يانعة تنتظرها كل أرجاء الوطن ، لعلنا نسمع في قادم الايام دعوة من دولة الرئيس الدكتور جعفر حسان الى حوار وطني جاد في القطرانة وبعنوان ” القطرانة رافعة تنموية جديدة “.
امين عام المجلس الصحي العالي السابق
فيلادلفيا نيوز نجعل الخبر مبتدأ