الإثنين , أكتوبر 20 2025 | 10:35 ص
الرئيسية / stop / الدكتور محمد رسول الطراونة يكتب :  عمان تمشي نحو الصحة ومواجهة الأمراض المزمنة

الدكتور محمد رسول الطراونة يكتب :  عمان تمشي نحو الصحة ومواجهة الأمراض المزمنة

فيلادلفيا نيوز

في مشهد يعكس توجهاً حضارياً متقدماً، تخطو عمان بثبات نحو مستقبل أكثر صحة واستدامة، فقد تحولت أمانة عمان الكبرى مؤخرا إلى ورشة عمل نشطة لتنفيذ مشاريع طموحة تركز على صحة الإنسان والمشاة ، عبر تطوير البنية التحتية وإزالة العوائق من الشوارع وإنشاء مسارات آمنة ومخصصة للمشي في شوارع حيوية مثل شارع الستين. لكن اللافت في هذه الرؤية هو اعتبارها استثماراً مزدوجاً: استثمار في الإسمنت والاسفلت، واستثمار – وهو الأهم – في رأس المال البشري.
لا تقتصر هذه المشاريع على كونها تحسينات مرورية أو لمسات جمالية تزيد من بهاء العاصمة، بل هي في صميمها استراتيجية صحية ذكية ، يمكن اعتبارها خط دفاع مجتمعي متقدم للوقاية من عوامل الخطر المرتبطة بالأمراض غير السارية ( المزمنة ) التي تستهلك موارد الأفراد والدولة، مثل أمراض القلب والشرايين، والسكري، والسرطان والسمنة. وفي وقت تثقل فيه هذه الأمراض كاهل النظام الصحي ، تبرز مسارات المشي كحل عملي وفعال للتخفيف من هذا العبء ، يعد المشي أحد أبسط وأكثر أشكال النشاط البدني أماناً وفعالية، فهو يعمل على تعزيز صحة القلب، وخفض ضغط الدم، وتحسين مستويات السكر والكوليسترول في الدم ، ناهيك عن فوائده النفسية في تقليل التوتر والحد من الاكتئاب وتحسين المزاج . من خلال توفير مسارات آمنة ومشجعة، تتيح أمانة عمان للمواطنين فرصة دمج هذا ” الدواء العجيب” في روتينهم اليومي بسهولة وأمان ، فالمشي: دواء وقائي مجاني متاح للجميع.
هنا يبرز الدور المحوري للمواطن ، الذي لا يقتصر على كونه مستفيداً سلبياً، بل هو شريك فاعل وركيزة أساسية لضمان استمرارية ونجاح هذه المشاريع، فمسارات المشي بحد ذاتها ليست سوى هيكل فارغ دون إرادة مجتمعية تملؤها حياة. وعليه ، فإن مسؤولية المواطنين تتجلى في عدة محاور: فالمسار ليس مجرد رصيف ، بل هو مرفق صحي واجتماعي، كل خطوة يخطوها المواطن على هذه المسارات هي تصويت عملي لصالح ثقافة صحية جديدة ، وتأكيد على حق الأجيال القادمة في مدينة صديقة للإنسان ، أما الحفاظ على نظافة المسارات وسلامتها من العبث هو تعبير عن الوعي والانتماء ، مع ضرورة الإبلاغ عن أي أعطال أو مخالفات تعيق استخدامها كونه واجب مجتمعي يساهم في استدامتها. المحور الاخر هو نشر الوعي والتشجيع على ممارسة المشي ، يمكن للمواطن أن يكون سفيراً للصحة داخل دائرته الاجتماعية، بتشجيع الأهل والأصدقاء على استخدام مسارات المشي، وتنظيم مشاوير جماعية، ما يعزز من الروح المجتمعية ويحول المشي من نشاط فردي إلى عادة مجتمعية. لا يفوتنا الالتزام بآداب الاستخدام، فاحترام حقوق المشاة ، وخاصة كبار السن والأطفال ، وعدم إعاقة المسارات بالمركبات أو الأغراض الشخصية، يضمن تجربة ممتعة وآمنة للجميع.
إلى جانب الفوائد الصحية المباشرة للأفراد، تسهم مسارات المشي في تحقيق منافع جماعية كبيرة، فهي تخفف من الاختناق المروري والانبعاثات الكربونية الناتجة عن المركبات، مما ينعكس إيجاباً على جودة الهواء في المدينة، وهذا بدوره يحد من مخاطر الأمراض التنفسية والمشاكل الصحية المرتبطة بتلوث الهواء، مما يجعل عمان بيئة حضرية أكثر أماناً وصحة للعيش.
تبدو هذه الخطوات جزءاً لا يتجزأ من رؤية أوسع يتبناها عمدة عمان لبناء مدينة مستدامة، يراعى في تخطيطها الجوانب البيئية والاجتماعية والصحية في آن معاً. إن تحويل الفضاءات العامة إلى أماكن نابضة بالحياة وصديقة للإنسان ليس رفاهية، بل هو ضرورة حتمية في ظل ارتفاع معدلات الأمراض المرتبطة بنمط الحياة الخامل، وهو استجابة ذكية لتحديات العصر.
خلاصة الكلام، تمثل مسارات المشي الآمنة في عمان نموذجاً ناجحاً لدمج الصحة العامة ضمن نسيج التخطيط العمراني، لكن نجاحها الحقيقي والمستدام مرهون بيد أبناء عمان أنفسهم. إنها شراكة حقيقية : تقدم الأمانة البنية التحتية المحفزة، ويقدم المواطنون الوعي والالتزام والاستخدام المستمر. معاً، يمكن تحويل هذه المسارات من مجرد ممرات إسمنتية إلى شرايين حيوية تنبض بالصحة والنشاط، تساهم في تخفيف العبء عن القطاع الصحي، وبناء مجتمع أكثر وعياً وحيوية، والوقاية من الأمراض قبل حدوثها. ولا شك أن استمرار وتعزيز هذه الشراكة بين الأمانة والمواطن هو الاستثمار الأضمن لتشكيل مستقبل صحي أكثر إشراقاً لأجيال عمان القادم.
امين عام المجلس الصحي العالي

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com