فيلادلفيا نيوز
تُشكّل الهوية الوطنية السعودية إحدى الركائز الأساسية التي أسهمت في تشكيل الشخصية الجامعة للمملكة العربية السعودية، فهي ليست مجرد إطار رمزي أو شعارات ترفع في المناسبات الوطنية فحسب، بل هي منظومة متكاملة من القيم والمبادئ الممتدة عبر التاريخ، والمتجذرة في أعماق جزيرة العرب، حيث شهدت مولد الرسالة الإسلامية، وتشكّل الوعي الجمعي للأمة.
لقد استطاعت هذه الهوية، بما تحمله من أصالة وعراقة، أن تتطور عبر كل مرحلة تاريخية، حافظةً على جذورها التراثية، مرتكزةً إلى تاريخها العظيم، وفي الوقت نفسه منفتحةً على معطيات الحضارة الحديثة، التي أضحت المملكة بفضلها في موقع ريادي على الخريطة العالمية.
وفي هذا الإطار، أدلى المؤرخ الشريف خالد الإبلج، الخبير والباحث في التراث العربي والإسلامي، وعضو الرابطة العلمية العالمية للأنساب الهاشمية، بتصريح أوضح فيه أن الهوية الوطنية السعودية تمثل تجسيدًا حيًا لمعنى الأصالة والاستمرارية، فهي ثمرة تفاعل حيوي بين الماضي والحاضر والمستقبل. وأكد أن التراث السعودي ليس مجرد صور بالية أو عادات اندثرت، بل هو ذاكرة وطنية متجددة، لا تزال تؤثر في حياة السعوديين اليومية، من خلال الفنون الشعبية، والأهازيج، والملابس التقليدية، والعمارة المحلية، التي تكشف عن قدرة فائقة على التكيف مع البيئة وخصوصيات المكان.
كما أشار إلى أن فعاليات كبرى مثل مهرجان “الجنادرية” والمواسم الثقافية في “العلا” قد برهنت على قدرة التراث السعودي على التطوّر، وأنه يشكل جزءًا من القوة الناعمة التي تعزز صورة المملكة globally.
وأضاف الشريف الإبلج أن التاريخ السعودي يمثل البُعد الثاني للهوية الوطنية، موضحًا أن الدولة السعودية، منذ تأسيسها حتى اكتمال توحيدها على يد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود – طيب الله ثراه – قد رسخت قيم الولاء والانتماء والوحدة. وأكد أن ملحمة التوحيد لم تكن مجرد إنجاز سياسي، بل كانت إعادة صياغة لهوية جزيرة العرب، التي عانت لقرون من التشرذم والفرقة، فجاء التوحيد ليمنحها وعيًا وطنيًا جامعًا، ويؤسس لدولة حديثة قادرة على قيادة شعبها نحو الاستقرار والتنمية.
وتابع قائلًا إن المواقع التاريخية مثل الدرعية، التي أصبحت اليوم معلمًا عالميًا مسجلاً في قائمة التراث الإنساني، تمثل نموذجًا حيًا على كيفية توظيف التاريخ لخدمة الحاضر وبناء المستقبل.
و أوضح المؤرخ الإبلج أن الحضارة السعودية الحديثة تمثل الامتداد الطبيعي للهوية الوطنية، معربًا عن إشادته بالجهود الكبيرة التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في الحفاظ على ثوابت الهوية وتعزيز قيم الانتماء، وبالرؤية الطموحة لولي عهده الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، التي جعلت من “رؤية السعودية 2030” مشروعًا حضاريًا غير مسبوق.
وأكد الشريف الأبلج، أن هذه الرؤية استطاعت أن تحقق معادلة دقيقة، فهي من ناحية ترسخ الأصالة والاعتزاز بالتراث والتاريخ، ومن ناحية أخرى تفتح آفاقًا واسعة للحداثة والابتكار، مما يمكن المواطن السعودي من أن يكون جزءًا فاعلاً في العالم الحديث دون أن يتخلى عن خصوصيته.
وأشار إلى أن العاصمة الرياض أصبحت اليوم رمزًا للحضارة السعودية الحديثة، حيث لم تعد مجرد عاصمة سياسية، بل تحولت إلى نموذج حضاري متكامل يجمع بين التطور العمراني والحداثة الثقافية. فمن ناطحات السحاب مثل “برج المملكة” و”برج الفيصلية”، إلى مشروع “الرياض الخضراء”، والمشروعات الثقافية الكبرى مثل “متحف الملك عبد العزيز التاريخي” و”مكتبة الملك فهد الوطنية”، تعكس الرياض روح الهوية الوطنية الجامعة بين العراقة والتجديد. وأوضح أن النقلة النوعية التي تشهدها العاصمة في قطاعات الاقتصاد والثقافة والفنون والرياضة، تبرز كيف يمكن ترجمة الهوية الوطنية إلى إنجازات حضارية تضع السعودية في موقع تنافسي عالمي.
كما ضرب الإبلج مثالاً آخر بمشروع “نيوم”، الذي يجسّد الهوية السعودية المعاصرة، فهو مشروع مستقبلي عملاق يقوم على أرض جزيرة العرب، يدمج بين التكنولوجيا المتطورة وروح الأصالة، ويعكس كيف يمكن للهوية الوطنية أن تكون محركًا للابتكار لا عائقًا أمامه. وكذلك مشروع “العلا”، الذي حوّل موقعًا أثريًا إلى وجهة سياحية عالمية، يعرض للعالم ثراء التراث السعودي وعمقه، ويظهر كيف يمكن تحويل التاريخ إلى مصدر للإلهام الاقتصادي والثقافي.
واختتم الشريف خالد الإبلج تصريحاته مؤكدًا على أن الهوية الوطنية السعودية تمثل معادلة متوازنة بين التراث الذي يمنحها الجذور، والتاريخ الذي يمدها بالقوة، والحضارة التي تدفعها نحو المستقبل. وأوضح أن المملكة تعيش اليوم مرحلة فريدة في تاريخها، حيث استطاعت أن تجعل من هويتها الوطنية مصدرًا للفخر والاعتزاز داخليًا، وأداة فعالة للقوة الناعمة على المستوى الدولي. وخلص إلى أن هذا الإنجاز ما كان ليتحقق لولا القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، اللذين قدما نموذجًا فريدًا في الجمع بين الأصالة والحداثة، والجذر والطموح، لتظل الهوية السعودية راسخة في أرضها العريقة، حاضرة في وجدان أبنائها، ومشعة للعاملين كنموذج حضاري متميز.
