فيلادلفيا نيوز
مضى مائة عام على عُمر الدولة الأردنية المتماسكة العصية نظاماً وشعباً وأرضاً على كل من أراد أن يشكك في نهايتها، وسقوطها. لقد دخلنا المئوية الثانية بعزم وقوة وشجاعة ، والشعب يتطلع ويتأمل المُضي قُدماً نحو مستقبل زاهر فمن حقه بعد مئة عام أن يقف إلى وصلنا له وما لم نصل إليه، وما لا يمكن الوصول إليه في حياتنا السياسية والاقتصادية ومنظومة عمل الدولة بشكل شمولي متكامل، وعندما يتعمق المواطن الأردني في تمحيص الحقائق وتحرير الوقائع من الطبيعي أن يصيبه العجب من قلة رجال النهضة والتقدم لتأمين حياة كريمة مشمرين عن سواعدهم خالعين ثوب البيروقراطية لخدمة الأردن وشعبه لرفعته ومستقبله، على الرغم من وجود الكفاءات من ذوي الخبرة من رجال الأدب، والدين، والعلوم، والسياسة، إلا انه ما زال يوجد حالة ارباك وشلل في الحياة السياسية، ولأن الزعيم الحقيقي هو من يمشي مع شعبه خطوة بخطوة بثبات حقيقي ولُحمة متينة بادر جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين بتكليف لجنة لتصحيح المنظومة السياسية يتركز جُل عملها على اصلاح سياسي حقيقي جوهري يتم تطبيقه على أرض الواقع، حيث قدم لهم كافة الضمانات التي تكفل لهم نزاهة عملهم والإسراع في التقدم الإصلاحي المنشود، ومضى شهرين على انطلاق عمل اللجنة المكلفة لتحديث وتصحيح المنظومة السياسية منتظرين منها الوصول إلى الأهداف المرجوة التي أتت لتحقيقها داعمين لها ومتمنيين لها التوفيق مجددين العهد لتصحيح الفجوة (انعدام الثقة) التي وقعت في أوساط المجتمع للحد الذي أصبح المواطن الأردني فاقد المصداقية والثقة في كل ما يقدمه الفاعلين والنخب السياسية، فهل بمقدور اللجنة المكلفة اليوم تصحيح المسار، وإعادة الثقة بين المواطن، والدولة برأيي أن هذه المهمة الأساسية ويمكن اعتبارها شرط وضمانة منها يتم انطلاق عمل اللجنة لتصحيح قانون الانتخاب والأحزاب …الخ فنحن كشعب ننظر دائماً إلى الأمام لا للوراء واضعين مشروعي الميثاق الوطني والأجندة الوطنية مرحلة من الماضي وانتهت مستشرفين المستقبل وصُلب أعيننا الأوراق النقاشية لجلالة الملك بكل حيثياتها وتفاصيلها وعلى وجه الخصوص مواضيع التحول الديمقراطي الذي ورد في الأوراق النقاشية لجلالته التي اعتبرها بوصلة عمل وخارطة طريق لأعضاء اللجنة فيما يخص الاصلاح السياسي وتصحيح المسار متمنياً من اللجنة الالتزام بما ورد في كافة الأوراق. لقد تبقى شهرين على إعلان توصيات اللجنة ومخرجاتها وانتهاء عملها ولم نشهد إلى حد هذه اللحظة بوادر تصحيح عميقة، بل شهدنا للأسف استقالات متكررة كان آخرها استقالة الاستاذ الدكتور حسن البراري الباحث المختص والأكاديمي الشرس مبرراً استقالته لعدم قناعته بقانون الانتخاب والأحزاب والوصول لحكومات برلمانية، وبالتالي عدم المقدرة على المشاركة في صنع القرار، وبقناعتي ان هذه الاستقالة بنصها ومضمونها أفقدت اللجنة المصداقية ولو بشيء بسيط، رغم ذلك لن نتسرع بالحكم وسننتظر النهاية والنتيجة، ومن هنا على اللجنة المكلفة ممثلة برئيسها دولة الرفاعي أن يعي تماماً بأن الديمقراطية عنوانها الرفاه فالرفاهية هي التي ستدافع عن الديمقراطية وليس العكس ولا يمكن للديمقراطية يا دولة الرئيس أن تعيش مع الفقر فعندما يكون هناك مستوى معيشي جيد سيقُبل بالديمقراطية وستنبت ونسير إلى الأمام فالمستوى المعيشي هو الفيصل، بالمقابل الجميع يعلم ولا يخفى على أحد انه اجتمع علينا الفقر وسوء المعيشة، وغلاء الأسعار، ولا يوجد شيء مجاناً إضافة إلى حالة عربية اسلامية متشرذمة منكوبة بكل معنى الكلمة، ودول مجاورة تعيش حالة حروب وتفتقر للاستقرار السياسي عدا سياسة البنك الدولي جميع ذلك وأكثر شكل تحالف ضد الديمقراطية وعملية الإصلاح المنشودة فالديمقراطية لا يمكن أن تعيش في اقليم ملتهب واقتصاد مُقيد، حيث من الصعب تأسيس ديمقراطية على أيدي طبقة رأسمالية لتقدمها للطبقة المُنتهية وإن كُتب لها العيش ستعيش في معزل ولن يكتب لها الحياة والأمثلة عديدة في أوروبا الغربية وأمريكا الآتينية . إن صُلب عمل اللجنة المكلفة يرتكز على عدة محاور أهمها قانون الانتخاب والأحزاب، وهو ما اعتبره جزء من المنظومة السياسية التي لا يمكن تجزئتها واختزالها لأننا نتكلم عن منظومة متكاملة مترابطة يؤثر كل منها على الاخر .
المحور الأول قانون الانتخاب ويبدو أن اللجنة المختصة بتعديله قد قاربت على الانتهاء والوصول إلى صيغة نظام متطور وحديث كما تم التصريح به من قِبل اللجنة، آملين أن يُراعي التوازن في كافة أرجاء البلاد، متميزاً بالرصانة السياسية وطهره من أي خُبث سياسي يؤدي لتأزيم المجتمع محافظاً على الهوية الوطنية الأردنية من أي انقسام أو المساس بها من أجل الوصول لحكومات برلمانية وطنية بامتياز، وقبل الشروع بالحديث عن قانون الانتخاب والتطرق لايجابياته وسلبياته يجب الوقوف بعض الشيء لكي نُسمي الأشياء بأسمائها لأن السياسة في جوهرها لا تعرف إلا صوت العقل والوضوح، في حال كان القانون المقدم توافقي وعصري فهل ستبادر اللجنة بالضّمانة لتقدٌم حياتنا السياسية بالطريق الصحيح أم الطريق الخاطئ كالمعتاد ؟ وإلى أي حد يمكن اعتبار تعديل قانون الانتخاب غير متعارض مع المكون الاجتماعي والثقافي نظراً لخصوصية المجتمع الأردني؟ وأيهما أنجع لتصحيح منظومة الانتخاب قانون انتخاب عصري ومُعدّل أم آلية عمل انتخابات نزيهة غير مشكوك بها تقوم هيئة بالإشراف عليها ومراقبتها لإفراز أعضاء مجلس نواب حقيقيون فاعلون قادرون على التشريع ومراقبة السلطة التنفيذية؟ ماذا وضعت اللجنة الموقرة بموضوع تغول رأس المال على قانون الانتخاب والعملية الانتخابية بِرُمتها في ظل ارتفاع نسبة البطالة واتساع رقعة الفقر ؟ العديد من الاشكاليات التي تشوب عملية الانتخاب أخذين بالحسبان وبعين الاعتبار أن تعديل قانون الانتخاب لا يكفي لإنجاح وانتاج مجلس نواب فاعل قادر على تشكيل حكومات برلمانية. برأيي من المهم تأطير الأهداف الأساسية المطلوبة من قانون الانتخاب ومنها التوجه نحو تصويب عملية الانتخاب، والتي تنحصر بهدفين أساسيين: أولاً : تمكين التوازن بين السلطات بإفراز مجلس نواب يتمتع بقوة سياسية لا تقل عن قوة السلطة التنفيذية بشرط الفصل بينهما فصلاً تاماً. ثانياً: معالجة بناء جسور الثقة التي هُدمت بين المواطن والسلطة التشريعية فأصبح الأردني فاقداً لمعنى صوت الشعب والبرلمان نظراً لوصول برلمانات مترهلة غير مؤثرة وفاعلة تعيش حالة تبعية لباقي المؤسسات.
أما المحور الثاني فهو الأحزاب الذي أضحى إشكالية وعائق لعملية الاصلاح وحجة الاصلاحيون الجدد هي عدم وجود أحزاب فاعلة للقدرة على المُضي قُدماً بالاصلاح لكن التناقض والازدواجية تكمن بمن ينادي بضرورة تشكيل الأحزاب فأغلبهم تكنوقراط بإمتياز، إن ملف الأحزاب لا يمكن فصله عن قانون الانتخاب فكلاهما يكمل بعضهما البعض لأن أي قانون يأتي سيعتمد على القوائم الحزبية، سواء على مستوى المحافظة أو الوطن كافة للقدرة على تشكيل الحكومات البرلمانية المنشودة ، ويبقى السؤال كيف يمكن تشكيل أحزاب سياسية فاعلة في ظل مجتمع عشائري لا يؤمن بمنطق الأحزاب فأن تكون غير حزبي في بلدنا الحبيب غير مستغرب بل العكس فالتعجب والاستغراب هو عندما تكون حزبي في النهاية اعتبرها ثقافة مجتمع وثقافة سياسية حدودها تنتهي عند التنظيم الحزبي ، حيث أن أغلب أعضاء اللجنة ليسوا بحزبيين فاعلين على الساحة السياسية، إذا من المنطق أن نراهم مؤسسيين لأحزاب قادرين على اقناع الشارع الأردني كقدوة لباقي فئات المجتمع لأن الديمقراطية لا تعرف ( أنا ) الديمقراطية ( نحن )، لذلك من الواجب على اللجنة أن يكونوا مثالاً يُحتذى به وساسة يشار لهم بالجرأة بقول كلمة الحق، وأن يبادروا بمشروع نهضوي قومي وطني يتماشى مع متطلبات المرحلة القادمة من تطوير وتحديث حياتنا السياسية بشكل يليق بإسم الأردن وتاريخه المجيد.
وفي الختام علينا القول عندما نشرع بالحديث عن الديمقراطية ننحاز إلى الأسلوب الذاتي فنشرح آمالنا وطموحتنا الذاتية بعد مائة عام من العزلة السياسية، ونكاد نتعامى ونتجاهل الوقائع، بالأحرى لا نختار من هذا الواقع إلا ما يوافق الآمال والأمنيات، لمقارنة أنفسنا بما وصلت إليه الدول وديمقراطيتها وبرامجها التصحيحية لذا يُستحسن باللجنة المكلفة التقيد بما يجري بالأمم الديمقراطية على أقل تقدير الرأي والرأي الآخر، وكيف يعيش الفقير فيها؟، حالة الصحافة فيها؟، وكيف يتم جبي الضرائب؛ بهذا النهج نتقيد بالحقائق الموضوعية وتصحيح المنظومة السياسية ولا نعيش في الأوهام والطموحات الذاتية فالديمقراطية في روحها حركة الابداع والتفكير حركة الاقتحام للمستقبل والتفاؤل به إن نجح دولة الرئيس وفريقه في مهمتهم الموكلة لهم سيحصلون على ثقة الشعب أردني غير مقتصراً على ثقة 111 نائب آملين أن تحقق توجهات جلالة الملك وطموحاته ورؤيته الثاقبة لمستقبل الوطن وشعبه وفقكم الله لما فيه خير للأردن قيادةً وشعباً وسيادة.