فيلادلفيا نيوز
مصطفى الشبول
يروي لنا شاب عاطل عن العمل من سكان إحدى القرى البسيطة قصة حدثت معه قبل سنوات ،حيث يقول: ساقتني الأقدار لزيارة أحدى المدن الراقية من أجل الحصول على عمل تم الإعلان عنه.. فوقفت في احد الأحياء الراقية (بحكم تقديم الطلب هناك) ومعي رغيف خبز وبعض من حبات الفلافل… وجلست بالقرب من سور بيت على الرصيف أتناول وجبة الإفطار بعد أن أنهيت تقديم الطلب…فخرج علي رجل يرتدي روب من الحرير ، وقال لي باستعلاء : ( ما لقيت محل غير هون ، انقلع من هون… هون كله سكن وزراء وأعيان ومسؤولين وكبار البلد ، بسرعة قوم من هون ) يقول الشاب : فلملمت بعضي وبحثت عن مكان آخر قريب (ضمن المنطقة الراقية ) وبعد أن جلست على احد الأرصفة خرجت علي سيدة يرافقها كلب أجمل منها وكانت أقل أدباً من الرجل (أبو الروب) بالكلام والمعاملة ، لتبعدني عن المكان وتطردني منه…
ثم يكمل الشاب حديثه قائلاً: وبعد تلك الحادثة بشهور تم الإعلان عن وجود عمل في موقع آخر بقرية متقدمة أو بشبه مدينة ، حيث دخلت شارعاً ضيقاً في حي فقير بالقرية حسب العنوان ، وبعد أن جلست على الأرض ووضعت رغيف الخبز وحبات الفلافل بعد مشوار شاق، خرج علي احد ساكني الحي وبعد أن شاهدني وطرح السلام دخل للبيت وغاب ليعود ومعه كأس شاي كبير وزجاجة ماء ، مع قول صحتين وألف عافية على قلبك …بعد دقائق خرجت سيدة من بيتها ثم دخلت وغابت لتعود ومعها صحن زين وصحن زعتر مع قول اعذرني يا خاله هذا الموجود…
ومع مرور الأيام عمل هذا الشاب في احد المحال التجارية الموجودة بقريته ، فكان يجالس الصغير والكبير والغني والفقير ، والعاقل والمجنون من أهل قريته في المحل ، فكان يرتاح لحديث الفقير أكثر من الغني ، فالفقير يأخذ حاجته ويمشي مع الشكر الجزيل ، وإذا ما أراد أخذ سلعته بالدين (على الدفتر) قدم مليون عذر ووجهه مليء بالحياء من البائع ، بالإضافة إلى الالتزام بالسداد …أما الغني فيأتي باستعلاء بالطلب (والمحاتفة بالقرش والتعريفة) وعلى قول هاي غالية وهذا الغرض عند فلان ارخص (يعني بنشّف ريق البائع ) وآخر شيء بقلك اليوم المغرب بجيب لك المصاري لا تسجلهن على الدفتر …وبغيب شهور وسنين وبرجع يحكي لصاحب المحل (مع الاستغراب) ذكرني متى أخذت منك ؟
كما كان هذا الشاب يحب جلسة المساكين والبسطاء الذين لا يَسْلَمون من ألسن الناس باتهامهم بالجنون والهبل ، لأنهم يَصدُقون القول والحديث ويتكلمون بما في قلوبهم وكلامهم يخلو من النفاق والغيبة ويكثرون من الدعاء والذكر في المجلس ولا يمكرون كما يفعل بعض المُنظّرون الذين يحتسبون بأنهم هم العقلاء ومعظم كلامهم فلسفة و كذب ( فمرة يتحدثون عن عقاراتهم وأملاكهم ، ومرة يتحدثون عن رحلاتهم حول العالم والألوف التي يملكوها، وعلى قول بعرف الوزير الفلاني ، وقبل يومين كنت مع المسؤول الفلاني ) والمشكلة هذا اللي بحكي عليه عشرين دينار من سنتين مش راضي يسدهن بده يوكلهن على الزلمة.. قاعد بس شغل هرف وكذب … كما أنهم يلومون صاحب المحل لأنه يجلس مع البسطاء والمساكين وعلى قول ( شو مقعدك مع هذا المجنون ، والله شكلك مجنون مثله ) وبعدين بطلقوا على الشاب لقب أعقل المجانين ….
فعلى هذا الكوكب يجب أن تستعمل كل ذكائك لتعيش، وكل غبائك لتتعايش… هكذا يكون حال أعقل المجانين كي يتعايش مع مثل هؤلاء ..