فيلادلفيا نيوز
يخطط الأردن، بالتفاهم مع المجتمع الدولي، لإزالة مخيم الركبان الحدودي للاجئين السوريين، خلال الأشهر القليلة المقبلة، كما يؤكد عاملون في منظمات إغاثة دولية، وبحسب ما تشير الوقائع على الأرض. ففي ظل موجة النزوح العكسية باتجاه الداخل السوري، وصل عدد قاطني المخيم نهاية أغسطس/آب الماضي، إلى نحو 50 ألفاً، بتراجع تجاوز 35 ألفاً عما كان عليه في يناير/كانون الثاني الماضي. وفيما يربط الرسميون الأردنيون النزوح العكسي باستقرار الأوضاع الأمنية نسبياً في الجنوب السوري، يعيده لاجئون ليس إلى الاستقرار في بعض المناطق وحسب، بل إلى استحالة الحياة داخل المخيم أيضاً.
لطالما شكل المخيم، منذ ديسمبر/كانون الأول 2015، تحدياً للسلطات الأردنية واختباراً لجدية المجتمع الدولي في التعامل مع الأبعاد الإنسانية للأزمة السورية. عشرات آلاف السوريين الفارين من القتال تجمعوا في واحدة من أكثر المناطق الصحراوية قسوةً، على الشريط الحدودي بين الأردن وسورية، وسط قيود أمنية على دخولهم إلى الأردن، ونقص حادٍ في المساعدات الإنسانية والطبية.
واللاجئون الذين وصلوا إلى المخيم، كانوا يأملون بالدخول إلى الأردن والبقاء فيه. لكن تبددت آمالهم وتفاقمت معاناتهم منذ 21 يونيو/حزيران 2016، حين أعلن الأردن حدوده بوصفها منطقة عسكرية مغلقة في أعقاب اعتداء إرهابي استهدف نقطة عسكرية محاذية للمخيم، وأدى إلى مقتل 6 جنود وعناصر أمن أردنيين. وأصبحت حياتهم مهددة نتيجة لتكرار الهجمات الإرهابية داخل المخيم. وطبق الأردن في أعقاب الاعتداء إجراءات أمنية صارمة شملت منع منظمات الإغاثة الدولية من الوصول إلى المخيم، ومنع إدخال المساعدات، قبل أن يبدي بعض الليونة ويسمح بإدخالها لكن ضمن فترات متباعدة، ويوافق على إقامة مركز طبي على بعد كيلومترين عن الحدود، لعلاج المرضى.
وخطة إزالة المخيم عبر حمل الناس على العودة إلى الداخل السوري اقتضت من الأردن إعادة النظر في الليونة التي طبقها في التعامل مع الأوضاع الإنسانية للاجئين. ومضى نحو ستة أشهر على آخر دفعة مساعدات إغاثية، سمح الأردن بإدخالها إلى المخيم، فيما أكد عاملون في منظمات دولية، لـ”العربي الجديد”، أن التعليمات الأردنية لا تسمح إلا بإدخال مياه الشرب. وكشفوا عن أن مصير المركز الطبي محل دراسة، وسط توقعات بإغلاقه كإجراء أخير في خطة إزالة المخيم.
وفي هذا السياق، قال الطبيب اللاجئ في المخيم، عماد غالي، إنه “منذ نحو ستة أشهر، تقلصت المساعدات الإغاثية التي كانت تأتي عبر الأردن، وكذلك توقفت المواد الغذائية التي كانت تصل إلى المخيم عن طريق ريف السويداء الشرقي وريف دمشق الشرقي وريف دير الزور الجنوبي بعد سيطرة قوات النظام السوري على الطرق هناك”، مشيراً إلى أن “المخيم بات شبه محاصر”. ويحمّل غالي المنظمات الدولية المسؤولية عن توقف المساعدات التي كانت تصل عبر الأردن. لكن هذه المنظمات تحتاج لموافقة أردنية لإدخال المساعدات، فيما يبرر الأردن عدم الموافقة بالأوضاع العسكرية والأمنية على الحدود.
وبدأ فصيلان من المعارضة السورية المسلحة، هما “جيش أسود الشرقية” و”قوات الشهيد أحمد العبدو”، المقربان من الأردن، بنقل اللاجئين السوريين من مخيم الحدلات الحدودي إلى مخيم الركبان، فيما أكد المكتب الإعلامي لـ”أسود الشرقية” أن الانتهاء من نقل ما تبقى من اللاجئين في الحدلات سيكون قبل نهاية الشهر الحالي.
واشتدت موجة النزوح العكسي من الركبان إلى الداخل السوري قبل ثلاثة أشهر، كما ذكر الطبيب غالي، الذي بيّن أن حالات العودة كانت قبل ذلك التاريخ فردية. وأوضح أن “اللاجئين يعودون إلى بلداتهم التي شملتها اتفاقيات وقف إطلاق النار، وهناك من عادوا إلى مناطق الشمال التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر، لكن هذا الأمر توقف بعد سيطرة النظام وقطع الطرق، فيما عاد غير المطلوبين منهم إلى مناطق يسيطر عليها النظام”، وفق قوله. وأشار إلى أن غالبية العائدين من كبار السن والنساء والأطفال، وهم يعودون طمعاً في الحصول على رعاية صحية وبحثاً عن الغذاء. وقال إن “العودة إيجابية فالحياة في المخيم أصبحت مستحيلة، لكن الشباب يواصلون البقاء في المخيم، بمواجهة مصير مجهول”.
وبالنسبة للأردن، فإن عودة الاستقرار إلى سوريا تساهم بحل مشكلة اللاجئين. ويقيم في الأردن مليون ونصف المليون لاجئ، بحسب إحصائيات الحكومة، فيما تعترف “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” بنحو 650 ألفاً منهم.
وتعامل الأردن مع اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية، الذي توصل إليه مع روسيا وأميركا في 8 يوليو/تموز الماضي، بوصفه محفزاً على عودة اللاجئين إلى الداخل السوري، كما أعلن الناطق باسم الحكومة، محمد المومني، في السابق. لكن العاملين في منظمات الإغاثة الذين تحدثوا لـ”العربي الجديد”، عبروا عن اعتقادهم بأن الاستقرار ليس السبب الوحيد الذي يدفع اللاجئين إلى مغادرة الركبان، مؤكدين أن قسوة الحياة المفروضة عليهم تشكل سبباً أكبر للمغادرة.
العربي الجديد