فيلادلفيا نيوز
لم يكن تعديلا موسعا كما تردد في البداية؛ دخل الحكومة خمسة وزراء جدد، وخرج سبعة. لكن يصح في المقابل وصفه بالعميق، بالنظر إلى نوعية الحقائب التي طالها التعديل؛ وزارات سيادية، ونواب الرئيس.
في التشكيل الثاني “التعديل الأول” على الحكومة، لم تسمح الظروف لرئيس الوزراء د. هاني الملقي، باختيار طاقمه الوزاري كما يطمح، واضطر إلى حمل وزراء لم يكن ليرغب في لقائهم على عشاء.
وطوال الأشهر القليلة الماضية، ظل الملقي يتململ، ويتحين الفرصة لتعديل حكومته على هواه، خاصة بعدما انكشفت أمام الرأي العام بخلافاتها الداخلية، وسجلها القياسي في المناكفات بين الوزراء. وبالتجربة، اكتشف الملقي أن نوابه في الحكومة تحولوا إلى عبء على كاهله، زاد من توتره توترا وضيقا، فقرر إلغاء المواقع من أساسها، علّه يستعيد حضوره كاملا على رأس الحكومة. لكنه استبدل نوابه الثلاثة بما يمكن وصفه منصب الرجل الثاني في الحكومة، الدكتور ممدوح العبادي، لتحمل أعباء إدارة الفريق السياسي للحكومة.
ليس هذا هو اللغم الوحيد الذي كان على الملقي أن يفككه ليرتاح على كرسيه في “الدوار الرابع”، إنما كان عليه أن يفك الاشتباك في وزارة الخارجية، بعد كان متشبثا برأيه بنجاعة فكرة الوزارة برأسين “ناصر جودة وبشر الخصاونة”. بالمحصلة، أراح جودة من رحلة طويلة مع “الخارجية”، واحتفظ بالخصاونة بما يملك من خبرة قانونية فريدة، ومنح الوزير الجديد ومستشار الملك السابق أيمن الصفدي، التفويض الكامل لإدارة ملف السياسة الخارجية، في مرحلة استثنائية استدعت هذا التغيير الجوهري.
الوزراء الجدد الذين دخلوا التشكيلة، إذا ما أخذتهم فرادى، فإن معظمهم من أصحاب الخبرة والسيرة في العمل العام. لكن أفضل اللاعبين وأمهرهم، لن يحدثوا أي فرق إذا لم يلعبوا بروح الفريق الواحد.
مشكلة حكومة الملقي الأساسية كانت افتقادها للتجانس، وغياب روح الفريق. وفي الحكومة الأولى ومن ثم التعديل الأول، ظلت هذه الصفة ملازمة لفريق الملقي.
بعد التعديل الأخير، لم يعد من مبررات للتذرع بها؛ الرئيس بدل وغيّر كما يريد بتشكيلته الوزارية، ونزع فتيل أزمة مع البرلمان بخروج وزير الداخلية سلامة حماد، وحل مكانه وزير سبق له أن تولى الداخلية وحقيبة الشؤون البرلمانية، وخدم نائبا لدورتين.
بهذا المعنى يمكن القول إن الملقي استنفد كل وسائل المساعدة وهو ما يزال في بداية عهده. التعديل الثاني هو الفرصة الأخيرة أمامه ليخط تجربته، ويثبت جدارته بالمنافسة على واحدة من حكومات الأربع سنوات التي أصبحت نهجا جديدا في الأردن.
والملقي شخصية مسكونة بالتحدي، لدرجة المجازفة، على ما يقول مقربون منه. وسيسعى بكل قوة إلى إثبات قدرته على القيادة والتحكم بفريقه الوزاري، وهي الميزة التي لم يوليها الرئيس الاهتمام الكافي في المرحلة السابقة.
لكن رئيس الحكومة في الأردن لا يطير على بساط الريح؛ فهو يعمل ضمن منظومة متشابكة من دوائر صناعة القرار، وعليه أن يجيد فن التشبيك والتنسيق. وإذا أردنا لحكومة الملقي أن تنجح، فينبغي على تلك المؤسسات منح الحكومة فرصة استعادة حضورها ودورها، لأنها اليوم، وفي ظل الوضع الاقتصادي الصعب، وحزمة القرارات التي تنوي تمريرها في البرلمان، في وضع لا تحسد عليه في الشارع، وفي البرلمان.