فيلادلفيا نيوز
هل حقاً اننا في عصر «عربي» يستطيع المرء فيه ان يفخر بانه عربي؟ وهل صحيح ان عرب اليوم،هم انفسهم الذين قصدهم الشاعر الفلسطيني محمود درويش في قصيدته الشهيرة التي «أشهرَها» في وجه العدو الصهيوني,الذي لم يعدم اي وسيلة (كان هذا قبل نكسة العام 1967) كي يُلغي فلسطينية الفلسطيني وخصوصا عروبته،في وجه هجمة استيطانية إحلالية كولونيالية,تستهدف الديموغرافيا الفلسطينية وتسعى الى تحويل ما تبقّى منهم نتيجة «خطأ تقني»على ارض ابائهم واجدادهم,الى مجرد حطّابين وسقّائين؟ يكتفون بتحصيل كفاف يومهم في ظل حكم عسكري,يغرف من قانون الطوارئ البريطاني سيء السمعة والصيت،دون ان تكون لهم اي حقوق سياسية او قومية ما بالك ثقافية وحضارية؟وكأنهم نبت شيطاني ظهر فجأة في «بلاد ارض اسرائيل»التي منحهم اياها «ربّ العقارات» الذي يتمسكون به,كلما ضاقت الزوايا بروايتهم المُؤسطَرة,واساطيرهم وخزعبلاتهم الزائفة؟.
هل حقاً ان عرب ذلك الزمان,الذين امتلأت صدورهم وخصوصاً عقولهم,بالثقة والإيمان العميقين بان لا مستقبل لاسرائيل في المنطقة،وانها مجرد مخفر متقدم للاستعمار الغربي الجديد,الذي وإن نجح في فصل الجناح الشرقي للوطن العربي «الكبير»,عن توأمه الغربي,الاّ ان هذا الطائر الذي كان قلبه في دمشق وقاعدته في القاهرة،قادر على الإقلاع والشدو والإنجاز، هم انفسهم «عرب اليوم»الذين يبدو ان لا جامع بينهم غير العداوات والنكايات,وأن لا همّ لهم سوى تصفية الحسابات الشخصية وتعميق الاحقاد بينهم,على نحو يصعب على المرء تصوّر ان عرب اليوم,هم من نسل العرب»القدامى» الذين تفخر كتب التاريخ – وخصوصا الشعر – في التغني بأمجادهم وانتصاراتهم وإسهاماتهم البارزة في الحضارة الانسانية،حتى ليكاد المرء يخرج باستنتاج «يقيني»بان ما هو «مكتوب»لا يعدو كونه مُزيّفاً ومبالَغاً فيه,حدود التزوير والاختلاف،او انه في «أفضل»الاحوال لا يعني ان عرب اليوم,هم من نسل اولئك الذين هدموا الحدود وتركوا الحرية لشعوب الامة,التي قيل فيها انها «خير امة أُخرِجت للناس», فضلا عن اولئك الذين دخلوا او أُدخلوا في الدين الجديد،كي تتحرك في طول الارض وعرضها,وان تُبدع وتلتقي وتتحاوَر وتتعارَف, ولا تقبل الظلم والاضطهاد او الخضوع لِثنائية التجريم والتحريم,أي حلف السلطة و»رجال الدين» (قبل ان تبرز سطوة رأس المال,الذي كان هائلاً وتحول الى ما يشبه الخرافة,بعد ان ازدادت الثروات و»الغنائم» وتوسّعت التجارة؟,واتصل عرب الامس بمن جاورهم من الأمم,فالتقوا على اهداف مشتركة بعيدا عن لغة الغزوات وثقافة السبي والإستيلاء المسمّاة..فتوحات؟.
هل حقا بمقدور «عربي اليوم» ان يُفاخِر او يتحدى على طريقة محمود درويش وفلسطينيي 48 في التصدي لحملات التهويد والتزوير والطمس على الهوية الوطنية والقومية,وأن لا يفقد الامل,رغم كل الاختلالات التي لم تكن معروفة لعرب الخارج،(او هم ربما ارادوا عن قصد ان تبقى الشعوب العربية على جهل بما كانوا يفعلون ويقارفون ويتواطئون,الى ان حلَّت الكارثة وتحققت الهزيمة)؟…في ان المشروع الصهيوني غير مؤهل للنجاح,وان امة – كأمة العرب – قادرة بتاريخها وحضارتها وامكانات شعوبها,ان تطوي صفحة هذا المشروع الاستعماري الى غير رجعة,وان العودة… عودة شعب فلسطين الى وطنه وعودة العروبة الى فلسطين والاخيرة لعروبتها,هي مسألة وقت ليس إلاّ؟دون ان يرى ما يقارفه عرب اليوم من ارتكابات ومقارفات وافتعال للحروب الداخلية والازمات البينية، على نحو يمنح المشروع الصهيوني المتنامي القوة والجبروت التكنولوجي والعسكري والعلمي والاقتصادي،رياح إسناد جديدة,على نحو الذي نراه الآن بوضوح في ما يُسمّى «الحل الاقليمي»,الذي تتسيّد فيه اسرائيل المشهد العربي وتكتب وحدها جدول اعمال المنطقة,وتقرِّر لعرب اليوم ما عليهم فعله وكيف «يختارون» اعداءهم ويفرزون اصدقاءهم,الذين باتت تتقدمهم اسرائيل،كي تتحالف واياهم لهزيمة عدوهم «الاول» الذي ظهر فجأة واسمه ايران؟فقط كون الاخير «شيعياً» ومعظم العرب «سُنّة»,اكتشفت اسرائيل واميركا انهم حلفاء «طبيعيون» لها في وجه المشروع الفارسي,الذي وبعد سبعة عقود على ضياع فلسطين ونصف قرن على استكمال «تحريرها» من قبل «اصحابها» اليهود,ثبت انه (المشروع الفارسي) هو الاخطر على مستقبل الامة،فيما يمكن للمشروع اليهودي (في نظر عرب اليوم)ان ينتظر وان يجد تسوية «تاريخية»اخترع لها صديق اسرائيل الابدي دونالد ترمب مصطلح «صفقة القرن»,وشاركه في ذلك زعيم الشعب الفلسطيني,غير المُنتخَب وغير المُجدّد تفويضه,مُكرِّراً تلك العبارة الخطيرة في حديقة الورود بالبيت الابيض,تلك الحديقة التي شهدت توقيعه السامي على اتفاق اوسلو الكارثي؟.
هل حقا ان عربيا حقيقياً, يتطلع الى «حقول» الحرائق التي تشتعل في العالم العربي،ويصب عليها عرب اليوم من الاثرياء وغير الاثرياء الزيت ويغذونها بالاحقاد والعداوات المفتعَلة والحروب المتنقلة,ويوظفون فيها الاموال وغرف التآمر والجواسيس والمرتزقة,كي يُجهزوا على ما تبقى من الاواصر التي تجمع شتات هذه الامة,وتُبقي على «النسغ» الاخير في»عُروق» عروبتها المتيبسة,بمقدوره ان يفخر بانه عربي؟أو ان يقول باعتزاز سجل انا عربي؟ام انه سيواصل مشوار القطيعة مع «عروبة» هؤلاء الذين يتصدرون المشهد العربي الآن ويدّعون تمثيله,ويواصلون «الحفر» في عمق الحفرة التي يجلسون فيها؟ ظنّاً منهم انهم بذلك يتخلّصون من منافِسيهم، فيما هم يُعدِّون العدة لتشييع «الامة» ودفن مشروعها الانساني والحضاري,ومواصلة دربهم الشيطاني كي يحظوا برضى المستَعمِر الغربي الذي لا ينظر اليهم باحترام او يرى فيهم شركاء,بل مجرد أتباع وعملاء جهلاء.. وسذّجاً,ينبغي ابادتهم وتخليص العالم من شرورهم؟.
.. من يجرؤ على الافتخار والقول.. سجّل أنا عربي؟
في ظل أوضاع كارثية كالتي اوصلنا إليها… عرب اليوم؟
kharroub@jpf.com.jo