فيلادلفيا نيوز
فيلادلفيا – خاص .هيئة التحرير
في بداية تأسيس الدولة الاردنية الحديثة في عام 1921 كانت الحكومات المحلية الاردنية تسد الفراغ السياسي بعد انهيار الحكومة الفيصلية في سوريا، وكان الاردنيون يعرفون جيدا ان هنالك ما يرسم في الافق لهم ضمن معادلة الكون الجديدة، وكانوا يعرفون ان هنالك ثمة ما يحاك في الخفاء لهم، حتى جاء الامير عبدالله الاول حاملا راية الجهاد ضد الفرنسيين وداعيا كل الفلول من المعارك العربية المختلفة وأخرها ميسلون الى الاجتماع تحت لوائه، فكان له ما كان، وتم تسخير القوى القومية بمختلف الوانها وأطيافها الحزبية وعلى رأسها حزب الاستقلال لخدمة مشروعه التحرري.
سار الجميع في ركب الامير من معان حتى عمان، المحطة الاولى في المعركة القادمة، ورغم تململ العديد من القادة والوجهاء وشكوكهم في مواصلة المشوار بعد ان اتضحت العديد من الرؤى الدولية تجاه المنطقة. وكان العارفون بالأمر قد ادركوا مشروع الامير وآفاقه، فوقفوا كثيرا عند فكرة التحرير التي جاء بها الامير من بلاد الحجاز التي تركها تتهاوى خلفه لتقع في شرك ال سعود.
في عمان اجتمع العرب الأنقياء المؤمنين بفكرة التحرر، والعرب غير الأنقياء المؤمنين بأن هنالك فرصة حقيقة في هذه المنطقة في مقبل الايام يمكن استغلالها، مع اهل البلاد الذين غدوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، ويبدأ احساسهم بأنهم خطفوا بالتعمق.
بعد ان أنيط بالأمير إدارة حكومة عربية شرق الأردن، وبعد ان اتفاق (عبد الله وتشرشل) على إقامة حكومة وطنية شرق الأردن مستقلة عن حكومة فلسطين, غايتها توطيد الأمن ويتعهد الأمير بالمحافظة على حدود فلسطين وسوريا.
وبعد ان تشكلت الحكومة تلو الاخرى دون ان يكون لهم أي دور يذكر، وحين يتم تذكرهم يتم اختيار من تتوافق رواءه مع رؤى حزب الاستقلال الذي احتل الاردن بغطاء من امير البلاد الذي امّنه الاردنيون على وطنهم، وبتوافق خبيث مع المعتمد البريطاني.
بدأ الشرق اردنيون يصرخون بأعلى أصواتهم وخاصة بعد غزوة الوهابيين الاولى التي صدوها بصدورهم وبريطانيا تراقب، حيث استشاط ماجد العدوان غضبا وعبّر بحدة عن ما يكنه من غضب تجاه الاستقلاليين وخطرهم والتف حوله عدد من المثقفين، ثم جاء كليب الشريدة ليعلن موقفه الاكثر حدة ايضا من ابن عدوان، وتليهم وادي موسى، والكرك وغيرها، ليتم الضغط على الامير ومن خلفه المندوب السامي ويتم سحب حزب الاستقلال من المشهد السياسي الا ان المعركة التي ظهرت في العلن انها اختفت تعود تحت الرماد اكثر استعارا وجنونا، بعد ان شعر اهل الشرق الاردني انهم يجرون بالسلاسل الى نظام مركزي يسيطر عليهم بعد ان كانوا اكثر تحررا في صحرائهم وحواضرهم.
تشتد حركة النضال الشرق اردني ضد البريطاني الذي شكل قوة عسكرية لحصار الشرق اردنيين ومنعهم من المشاركة في معارك النضال ضد البريطانيين والصهاينة في فلسطين وضد الفرنسيين في سوريا، ولكنهم ينفلتون من عقالهم ويؤسسون الجمعيات والفرق ويؤسسون الاحزاب النضالية القوية، فكان حزب المؤتمر الوطني الذي اجتمع تحت لواءه معظم القيادات الشعبية، ويدخل في صراع شديد مع الممثل البريطاني والحكومات التي كان يشكلها، الى ان تمت المؤامرة البريطانية الخبيثة ضده والتي وصلت الى تقسيمه وتفريق اعضاءه الى عدد من الاحزاب الصغيرة غير الفاعلة.
يستمر الصراع بين الدخلاء على الاردن وبين أهله وتتعاظم مع النكبات العربية التي حلّت بالأمة ولم يكن للشعب الاردني أي دور فيها وإنما كان دائما هو وقود معاركها وهو الذي يكوى بنارها من الثورة العربية وحتى الثورة السورية، وما بينهما تتسع الفجوة بين هذا البدوي الذي لايزال رغم ما يمر به من ضنك يتقلّد كل معاني العزة، وبين كل المارقين من تحت رواق بيته، والمرتزقة الذين يمسحون ايديهم بعد كل وليمة ليلية برفّة بيته، ويخرجون عليه في كل صباح يكشرون عن انيابه ويتهمونه بالتخلف.
هي اذا هذه الخلفية التي لا ترى في الاردني الا معزّب، يضع طرف ثوبه في حزامه، ويحمل بيده “شبرية” يقطع فيها من لحمه ولحم اطفاله ليسد رمق الضيف ويجلسه في صدر بيته، وما ان يستريح حتى يمد يده على كل شيء في البيت، وحينما ينهره الاردني يصبح ذلك الحاقد المناطقي الاقليمي البائس.
في هذه السياقات التي مرت عشعش الحقد على كل اردني ناجح او قادر على النجاح، وأصبحت مقاومتهم هي الاساس في أي مشروع سياسي مناهض، وهذا ما يفسر هذا الهجوم الشرس على جميع القيادات الاردنية وضربها وربطها بشكل مباشر بمشروع الفساد الذي يتم طرحه كلما اراد العقل المحرك لهم اخراجه الى حيز الوجود، او مشروع الارهاب الذي يتم قذفه بين حين وأخر حتى يوصم الاردني بأنه هو الذي يقف وراء كل هذه الافعال القذرة.
رئيس مجلس النواب الذي بدا اكثر حدّة تجاه الدولة اليهودية وقدم نموذجا اردنيا واضح الملامح اثار حفيظة الزمرة المارقة فأطلقت عليه كلابها لتحاول ان تنهشه وان تصنع منه عنوانا للفساد، ورغم انه النموذج الاردني الذي يتم انتخابه الا ان هذا النموذج لابد ان يشوّه حتى يتم تشويه كل من يمثلهم وان يتم اسقاط شرعيتهم في الحكم والقيادة والاحقيّة في الحياة وان يكون ذلك مدعاة لتقديم نموذجا اخر من الطارئين على هذا الوطن، ويقذف ابنائه في جعب النسيان.
انهم يشوهوننا من خلال ممثلينا، حتى يكون الوطن قصعة يتنادون عليها، ويحولون الشعب اتباع لهم وعمالا في شركاتهم او جنودا تحرس بيوتهم.
هي اذا صرخة في اذاننا لكي نستفيق، ونتوقف عن ذرف الدموع في كل مأتم يفتحونه على احدنا، او على احد رموزنا، فهؤلاء صررهم لم تقطع في هذا الوطن، ولم يحصدوا “غمر” زرع في شعابه، ولم يكتبوا بيت شعر في مجلات حائطه، ولم يشربوا من اباره التي تستجدي السماء كي تبل ريق اطفاله.
وعندما يجدوا ان الشمالي عشق حابس المجالي لدرجة الثماله… والجنوبي تذرف دموعه عند ذكر أسم وصفي التل .. وابن البادية يتغنى براشد الخزاعي ونمر الحمود وسليمان عرار وفيصل الجازي وكليب شريدة وحسين الطراونة..فلا تستغربون انهم يرفعون اليافطات لتقريعهم، او اتهامهم بالفساد حينا وبالإرهاب احيانا.
لذلك عليكم ان تفوتوا الفرصه على أصحاب الاجندات والمتأمريين وتضعوا أيديكم بأيدي الشرفاء والانقياء من المخلصيين الذين وان جاروا على وطنهم كما يدعي المنافقين سيبقون فيه ويموتون فيه ويبقى ابنائهم فيه، ولا يتعاملون معه كشنطة سفر في مطار عابر كهؤلاء الناعقين.
قد يقول قائل ممن اثر فيهم حديث مناضلي الفيس والفنادق والأعطيات البخسة: ان ابنائنا اغنياء بالصدفة، وأنهم اثروا من دم الوطن، ونحن نقول هذا وطنهم، فهو حقهم، فهم من حرث الارض طولا وعرضا، وعمروا فيه حتى اعتمر، فلا تبخسوا الناس اشيائهم، ولا تمنعوهم حقهم، ولا تحرموهم فرصة ان يكونوا، فهم اسياد وكبار قبل ان يتجرأ المارقون في الجلوس على حواف الطرقات والحانات وبيوت الدعارة يلتقطون الاشارات كي يفتحوا افواههم بأصواتهم النشاز من داخل وطننا او من خارجه.
يكفي، فقد ذاق الناس ذرعا بهؤلاء المرتزقة، ومن يرزقهم، لقد دفع امثال هؤلاء الكلاب الناس الى الاحتقان، والامتلاء بالغيظ الذي قد ينفجر في أي لحظة، فالناس لن تسكت حين يتعلق الامر برموزها، ويتعلق الامر بوطنها، ويتعلق الامر باعراضها، وقد اشرت الى بدايات تشكيل الدولة التي نحن بناتها، وكيف كان الاردنيون حراسها رغم كل ما حيك ضدها، ولعل رمز الكرك العالي حسين باشا الذي ينتسب اليه الرمز الاردني رئيس مجلس النواب الحالي عاطف الطراونة، ليس ببعيد عن كل هذا، فحين حاصره البريطانيون في الكرك ذات موقف شرس صدح به، وقف معه اهله ومعهم الكرك، مسيحيين قبل المسلمين، ورجالات الأردن الشرفاء، فعاد حصانا جامحا، وها نحن الان نقف في لحظة نتأهب لقطع أي يد قد تمتد الى رمز من رموزنا.
حمى الله الأردن وحمى الله اهل هذا البلد الصابرين.