فيلادلفيا نيوز
طرأ على ساحات المعركة ضد الإرهاب في السنوات الأخيرة تغير جذري؛ فلم تعد المواجهة تقتصر على الحدود المادية والعمليات العسكرية التقليدية، بل امتدت لتشمل الفضاء الرقمي و”السماوات المفتوحة”، حيث يتسلل الإرهابيون إلى عقول الشباب، هذا ما أجمع عليه الحاضرون لفعاليات المبادرة التوعوية بمخاطر الإرهاب ومواجهة الحملات الإعلامية المحرّضة عليه (حملات)، وورشة العمل المصاحبة لها بعنوان “دور الإعلام التقليدي والحديث في نشر الوعي المجتمعي للوقاية من الإرهاب”، التي دشّنها التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، واستضافتها مؤخراً العاصمة الأردنية عمّان.
بوصفه كياناً استراتيجياً ذكياً، يدرك أهمية هذه الساحات الجديدة ويشن هجوماً فكرياً استباقياً مضاداً، فطِن التحالف الإسلامي لخطورة الفضاء الرقمي كأرض خصبة للأيديولوجيات المتطرفة. فعبر منصات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، تنشر الجماعات الإرهابية سمومها وأكاذيبها، وتستغل هشاشة الشباب وحاجتهم للانتماء، لتقوم بعمليات غسيل عقول ممنهجة. لقد أدرك التحالف الإسلامي أن معركة الأفكار لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية، ولذلك اختار التحالف أن يكون في طليعة هذه المواجهة، مستعداً لشن هجوم فكري مضاد، لا يهدف فقط إلى كشف زيف هذه الأفكار، بل إلى بناء حصانة فكرية لدى الشباب تحميهم من خطر التطرف.
في هذه المعركة الجديدة، ينسّق التحالف جهوده مع الدول الأعضاء لتوحيد الجبهة الإعلامية، مما يعزز من قوة الرسالة المناهضة للتطرف. ولا يكتفي التحالف بالدور التقليدي لمكافحة الإرهاب، بل يوفر المظلة اللوجستية والتدريبية اللازمة لمواجهة المحتوى المتطرف. هذه المظلة تمنح الإعلاميين والناشطين الدعم اللازم لإنتاج محتوى مضاد فعال، يعتمد على الحقائق والمنطق، ويقدم بديلاً إيجابياً للأفكار الهدامة. وتعتمد هذه الاستراتيجية على بناء منظومة إعلامية متكاملة وقوية قادرة على التأثير وإحداث فرق.
وفي عمّان، تعَد مبادرة “حملات” نموذجاً حياً لهذا التوجه الاستراتيجي، وليس مجرد ورشة عمل عابرة، بل منطلق حقيقي لتحديد نقاط الضعف في خطاب الجماعات الإرهابية، وتطوير أدوات مبتكرة لدحضها. وتذهب هذه المبادرة إلى ما هو أبعد من مجرد المراقبة، حيث تتخذ خطوة جريئة باقتحام الساحات الرقمية نفسها التي يستخدمها الإرهابيون، مستخدمة الأدوات والمنصات نفسها، ولكن بهدف سامِ؛ هو نشر الوعي والتسامح بدلاً من الكراهية والعنف. إن التحالف هنا لا يكتفي بالدفاع، بل يشن هجوماً استباقياً، مما يجعله قوة فاعلة ومؤثرة في الفضاء الرقمي.
وهنا يواصل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، إثبات قدرته على تولّي دور القيادة الرائدة في معركة الوعي الرقمي. لقد أدرك التحالف أن مكافحة الإرهاب لم تعد تقتصر على إيقاف العمليات العسكرية، بل تتطلب استراتيجيات تتجاوز الحدود المادية لتصل إلى الحدود الافتراضية. هذا التحول في الرؤية والاستراتيجية يجعله نموذجاً يحتذى في عالمنا اليوم، ويؤكد أن الانتصار الحقيقي على الإرهاب لا يتم فقط بالأسلحة، بل بتحصين العقول، وبناء مجتمعات قائمة على التسامح والوعي.
