الأحد , ديسمبر 22 2024 | 2:47 م
آخر الاخبار
الرئيسية / stop / رايق المجالي يكتب : لنفهم العفو العام

رايق المجالي يكتب : لنفهم العفو العام

فيلادلفيا نيوز

إن التجريم ابتداء وفرض العقوبات يأتي بإسم المجتمع لذلك الدعوى تسمى دعوى الحق العام والتجريم يكون للأفعال التي تعتدي على حقوق الإنسان الأساسية وغير الأساسية وتتدرج حسب أهمية الحق بالنسبة للإنسان وخطورة الفعل تقاس حسب أهمية الحق من حيث الجسامة ،فالحق في الحياة أهم الحقوق والاعتداء عليه أخطر الأفعال ثم الحق في سلامة الإنسان الجسدية وهكذا تتدرج أهمية الحق الذي يحميه القانون بفرض عقوبات تتدرج أيضا في القسوة حسب أهمية الحق التي تتحدد معها خطورة الفعل فإزهاق روح إنسان أشد من جرحه وجرح إنسان أشد من شتمه.

ثم أن التجربم والعقاب وجدا لحماية الحقوق لذلك كانت العقوبات هدفها الجوهري تحقيق الردع العام للكافة من جهة بحيث لا يقدم الأشخاص على أفعال مجرمة لأن العقوبات قاسية وتنفيذ العقوبات بمن خالفوا القانون أيضا ردع للكافة ومن جهة أخرى فهناك الردع الخاص بأن يتحمل فاعل الجرم نتيجة فعله فتوقع عليه عقوبة كفيلة بأن تمنعه من تكرار الفعل مرة أخرى.

طبعا الحقوق في المجتمع أيضا تنقسم إلى حقوق خاصة كحياة وسلامة الأشخاص الجسدية والمعنوية وهذه تتعلق بالافراد وحقوق عامة والعامة تلك التي تعتبر حقوق المجتمع فالمال العام والسلم الأهلي وأمن المجتمع والدولة حقوقا عامة وهي أيضا حقوق للأفراد في ذات الوقت أو مصلحة عامة لكنها مصلحة لكل فرد أيضا لكنها مشتركة للجميع.

والتقسيم الهام للجرائم أيضا يكون من حيث الضرر فهناك ضرر عام وهذا معناه أن وقوع الجرم يكون له ضرر عام مباشر على كل المجتمع مثال ذلك فالجرائم التي تقع على أمن الدولة أو السلم الأهلي (جرائم السلامة العامة) فهذه تلحق الضرر على نطاق عام فالإخلال بالأمن أو السلم الأهلي ضرر عام وأيضا يتضمن إلحاق الضرر الخاص على افراد بعينهم ، وهناك الضرر الخاص وهو الجرم الذي يلحق الضرر المباشر بأفراد بعينهم سواء وقع الجرم على الشخص حياته أو سلامته الجسدية والمعنوية أو على أمواله وممتلكاته.

وعلى ضوء ما تم توضيحه أعلاه وحيث أن الدعوى الجزائية بكافة درجاتها هي دعوى الحق العام أي أن الحق العام هو المشتكي وهو الذي يطالب بتطبيق العقوبات على مرتكب الفعل المجرم فإن صدور عفو عام يعني أن المجتمع يعفو عن جرائم معينة ويسامح فاعليها بحيث يعتبر أن الفعل كأن لم يكن وهذا يقتضي إسقاط أي عقوبة أو أي مطالبة بتطبيق عقوبة وذلك حتى يعودوا من وقعوا في سلوك خاطيء مجرم إلى المجتمع كأفراد فاعلين لهم ما لغيرهم من الحقوق وعليهم ما على غيرهم من واجبات أي أنها صفحة جديدة تفتح للمجتمع وفرصة جديدة للافراد الذين وقعوا في الخطأ وارتكبوا فعلا مجرما ، وفي العام أو القاعدة العامة هي أن الفرد يرتكب الفعل تحت ظرف معين وحالة خاصة لكنه بعد ذلك يدرك جسامة فعله وقطعا يندم على ما قام به من داخله فليست الطبيعة الجريمة هي الأصل عند البشر وعند الإنسان.

وعليه فإن عفو المجتمع عن الأفراد الذين قاموا بأفعال مجرمة لا يعني أن المجتمع يريد العفو عن طبائع جرمية وأنه سيسمح لمن لديهم طبيعة ونفسية إجرامية بالعودة أحرار ليمارسوا سلوكيات خاطئة ومجرمة فالعفو العام لا يكون مطلقا وأعمى بل يأتي على ذات المعايير والأسس التي بني عليها التجربم ابتداء لذلك يصدر بقانون أي من ممثلي المجتمع (مجلس الأمة) وهذه المعايير هي التفريق بين الحقوق وبين الأفعال وخطورتها وضررها على المجتمع لهذا يتم استثناء الجرائم التي أحدثت ضررا عاما جسيما والتي يرتكبها أشخاص لطبيعتهم المنحرفة فإما لإنحراف فكري أو انحراف نفسي لا يؤمن جانب هؤولاء الأشخاص بأنهم قد تابوا أو ارتدعوا كما أن عمومية الضرر الذي نتج عن تلك الجرائم لا يمكن معها إعادة مرتكبيها للمجتمع لأن انخراطهم من جديد في المجتمع بالضرورة سيخلق أثرا سلبيا وقد يرتب خلق مشاكل أو جرائم جديدة كردود أفعال إجتماعية إذا ما عاد المجرمون أحرارا ،كما أن جسامة الضرر على المجتمع في تلك الجرائم لا يتحقق الردع العام فيها إذا ما تم الصفح عنها بين الفترة والأخرى ،لهذا فالقانون يصدر ليعفو عن الجرائم التي لا يضر المجتمع العغو عن مرتكبيها والتي بالضرورة حققت ملاحقة أو إدانة مرتكبيها الردع العام والخاص فالطبيعي أن الإنسان مجرد ملاحقته واتخاذ الاجراءات القضائية بحقه تردعه فما بالنا عندما يحكم وتنفذ العقوبة بحقه.

لذلك فالعفو العام مصلحة عامة للمجتمع ويحقق أهدافا سامية على أكثر من صعيد ولا يصح القول العامي فيه أن المجرمين سيتم تحريرهم وبالتالى ستنتشر الجريمة من جديد في المجتمع فبأي منطق يعتبر ( من جرح شخصا في مشاجرة قصدا لكن تحت وطأة غضبه مجرما معتادا أو من سولت له نفسه تحت ظرف معين ولحظة ضعف سرقة محفظة أو من رفض تأدية ما تم إئتمانه عليه لصاحبه أو من حرر شيكا بدون رصيد ) عضوا فاسدا في المجتمع لا أمل في صلاحه وأنه أصبح خطرا لا يمكن تداركه ، وغاية القول هنا أن معظم الجرائم ومعظم المدانين بارتكابها هم أشخاص وقعوا في الخطأ لمرة ولكنهم مع ايقاع العقوبات بهم قد اكلهم الندم إلى درجة قاسية فلا يعقل أن يعاودوا الفعل أو ما يقترب من الفعل ،أما من قد لا يرتدعوا ويكرروا فهم استثناء على القاعدة وهذا ما يستثنى دائما في قوانين العفو.

وبالنسبة لما وجه له جلالة الملك المعظم من إصدار العغو القادم فهو قطعا سيأتي بفوائد جمة على اصعدة مختلفة سياسا واقتصادياً واجتماعيا وهو في الواقع يشكل انفراجة هامة في الأوضاع الداخلية للمملكة الأردنية الهاشمية.

حفظ الله الوطن
حفظ الله الملك
حفظ الله الشعب
نصر الله غزة ومقاومتها.

المستشار القانوني..رايق عياد المجالي.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com