فيلادلفيا نيوز
كيف يتم الإصلاح وما هي أدواته..؟؟؟
في وطننا الحبيب ومنذ أن ظهرت ولمست آثار إنتشار الفساد بأنواعه الكارثية على الوطن في كل الأبعاد ومنذ ان لمست قيادة البلاد ان مؤسسات الدولة والقطاع العام قد نخرها الفساد ووصل إلى حدود إصابة معظم هذه المؤسسات بالشلل بل إلى اكثر من ذلك مساهمة أحوال المؤسسات الميتة في اجترار وهدم منجزات الوطن التى بنيت على مدى عمر الدولة ، فقد اتخذت القيادة العليا للبلاد قرارا لا رجعة فيه وهو صياغة (رؤية حقيقية للإصلاح في كل مجال) فكان مجال إصلاح القطاع العام هو الأولوية لأن حال هذا القطاع هو حال الدولة وهو الذي يحدد للمجالات الأخرى نسب نجاحها أو فشلها.
وضعت رؤية ملكية كخطة عامة محاورها واضحة وأولها تشكيل اللجان الملكية من قبل جلالة الملك للأصلاح السياسي ولإصلاح القطاع العام (الإصلاح الإداري) لتكون هذه اللجان هي المطبخ الرئيس لوضع خطط الإصلاحات في المجالين السياسي والإداري وهي التي تضع البوصلة لكل التشريعات المطلوب سنها أو تعديلها لتحقيق أهداف خطط الإصلاح.
وقد تمت تلك المراحل بمحاورها الرئيسية والتفصيلية بنجاح وتم سن التشريعات من قوانين وأنظمة منها الجديد ومنها ما تم تنقيحه وتجويده وقد صارت كل هذه التشريعات نافذة وفي طور التطبيق.
وما يهمني هنا هو رؤية وخطة الإصلاح الإداري للقطاع العام والذي خطت الدولة فيه خطوات هامة وواسعة بحيث تم وضع (نظام ادارة الموارد البشرية ) ليشكل ( الشريعة العامة لشؤون الوظيفة العامة والموظفين العموميين ) ليحل محل نظام الخدمة المدنية ، ووضع نظام هيئة الخدمة والإدارة العامة مستقلا عن نظام الموارد البشرية بخلاف المعمول به سابقا من النص على تأسيس ديوان الخدمة المدنية وتحديد صلاحياته ومسؤولياته في نظام الخدمة المدنية ، وجاء نظام هيئة الخدمة والإدارة العامة مستقلا ليؤسس (الهيئة الجديدة) بمسؤوليات مهمة إضافة لتلك المسؤوليات التي كانت تناط بديوان الخدمة المدنية ، فقد أصبحت مهمة رقابة الهيئة على الدوائر والمؤسسات الخاضعة لنظام الموارد البشرية النافذ هي المسؤولية والمهمة الأولى والأهم فقد قامت الهيئة على ركائز في هيكلها التنظيمي أهمها انشاء (مديرية الرقابة والامتثال) وهذه هي ذراع الهيئة الرئيس لضمان تنفيذ جميع مخرجات المراحل السابقة بداية بإطلاق الرؤية الملكية للإصلاح الشامل والكامل ثم تشكيل اللجنة الملكية في محور الإصلاح الإداري ثم سن التشريعات المطلوبة لتحقيق جميع أهداف خطة الإصلاح الإداري.
إذا فالأداة الرئيسية لتنفيذ رؤية إصلاح القطاع العام والإصلاح الإداري الشامل هي (هيئة الخدمة والإدارة العامة) من خلال رأس حربتها وهي (مديرية الامتثال والرقابة) فالمهام واضحة من تسمية هذه المديرية (فالإمتثال هو: إمتثال جميع الدوائر والمؤسسات في القطاع العام إلى الانظمة والقوانين التي تحكم القطاع العام ومعنى الامتثال هنا أن الأمر لم يعد متروكا للأجتهادات في الانظمة والتشريعات الادارية السابقة التي شوهت تماما لأن الحبل كان على الغارب لكل دائرة أو مؤسسة وحسب ملاءة أو إفلاس شخوص الإدارة في كل دائرة ومؤسسة ، والتشريعات الجديدة جاءت لتوقف هذه الفوضى التي أدت لدمار القطاع العام برمته.
أما (الرقابة) فهي الرقابة التنفيذية الناجزة وصلاحيات الهيئة في وقف والغاء أي إجراء أو قرار لأ ينسجمان مع التشريعات من أنظمة وقوانين سواء الموضوعة حديثا أو القديمة التي ما زالت نافذة ، مما يعني أن الدوائر والمؤسسات التي لا تمتثل لترجمة خطة الإصلاح الإداري بالتشريعات النافذة تصبح دائرة أو مؤسسة خارجة على القانون وهذا يقتضي محاسبة المسؤولين عن هذا الخروج أو الامتناع عن الامتثال للقانون.
ولكن تأسيس هيئة الخدمة والإدارة العامة والمديريات التي وجدت على هيكلها التنظيمي وأولها ( مديرية الامتثال والرقابة) وكذلك التشريعات الإدارية التي وضعت وأصبحت نافذة لا يمكن أن تحقق شيئا يذكر إذا لم تتوفر أيضا في الدوائر والمؤسسات أيضا الأدوات المؤهلة والكفوءة لضبط عملية إمتثال كل دائرة ومؤسسة للقوانين والأنظمة والتعليمات ولضمان الامتثال التام التشريعات النافذة دون انحراف بأي شكل ولأي سبب وهذه الادوات داخل الدوائر هي:
١-الشؤون القانونية: ففي كل دائرة ومؤسسة وحدة تسمى الشؤون القانونية وهي المعنية أولا بالرقابة على تطبيق القانون والتشريعات الناظمة للعمل كما يجب وبالطرق الصحيحة والسليمة ، وهي مناط بها هذا الدور في كل تفصيلات عمل الإدارات العامة على أنها بكوادرها القانونية هي المرجعية القانونية للدائرة والمؤسسة لكون كوادرها متخصصة ومؤهلة لفهم التشريعات وفحصها وتفسيرها تفسيرا سليما ومؤهلة أيضا لبيان كيفية التطبيق ومعرفة أوجه الانحراف في تطبيق التشريعات ، والموظف القانوني بأي مستوى (مستشارا قانونيا لرأس الهرم أو مديرا لوحدة قانونية أو موظفا قانونيا يباشر المعاملات القانونية وما تطلب فيه الخبرة القانونية) يجب أن يكون مؤهلا تأهيلا أكاديميا وعمليا حقيقيا لأن المهام حساسة وغاية في الأهمية ويترتب عليها نجاح الإدارة أو فشلها في مدى الامتثال للقانون والأنظمة والتعليمات.
٢-الرقابة الداخلية: في كل دائرة ومؤسسة عامة توجد وحدة للرقابة الداخلية وهذه الرقابة بشقيها (الإداري والمالي) تعني (مراقبة هؤه الوحدة وفق إجراءات منصوص عليها وحسب الأصول لمدى امتثال كافة وحدات الدائرة والمؤسسة وكوادرها للتشريعات النافذة ولهذه الوحدة صلاحيات الاطلاع على أي تفصيلات في العمل ثم كتابة التقارير المفصلة عن أي مخالفات أو انحرافات في تطبيق التشريعات النافذة سواء الناظمة لعمل الدائرة أو التشريعات العامة من أنظمة وقوانين نافذة في الدولة.
إذا كان الإصلاح يمكن أن نرسمه أو نصوره كجسد أو جسم الإنسان في كل دائرة ومؤسسة فإدارة الدائرة أو المرجعية العليا والأولى هي الرأس ولكن الذراعان لجسم المؤسسة أو الدائرة هما (الشؤون القانونية) و(الرقابة الداخلية) وبقية الوحدات التنظيمية للمؤسسة بتشابكها وتداخلات عملها هي بقية أعضاء الجسم وأما الإجراءات القانونية في عمل كل وحدة تنظيمية فهي شرايين وأوردة هذا الجسم التي تربط أعضاء الجسم كلها ببعضها وتغذيها بالدم ومكوناته السليمة النافعة والدم هنا هو ( التشريعات) ، لذلك فمهة كل من (الشؤون القانونية) و(الرقابة الداخلية) هي ضمان سريان الدم الصالح في شرايين وأوردة وأعضاء جسم المؤسسة وضمان تنقية هذا الدم من الشوائب وأيضا ضمان عدم وجود أي عوائق لسريان الدم بشكل صحيح وسليم.
(الشؤون القانونية و الرقابة الداخلية) ليستا وحدات ديكورية أو وحدات وظيفتها تحصين الإدارة والمرجع الأعلى فيها من أي هجمات أو نقد أو اعتراضات على السلوكيات الإدارية والقرارات ، وليست مهمتهما الدفاع عن الأدارة من كوادر الوظيفة أو من متلقي الخدمات العامة ، بل مراقبة الإدارة وشخوصها وكل السلوكيات والإجراءات والقرارات التي تصدر أو ستصدر عنها ومراقبة صلاحية هذه السلوكيات والإجراءات والقرارات ومدى امتثالها للأنظمة والقوانين.
للأسف الشديد في معظم الدوائر والمؤسسات الحكومية فهذان الذراعان عبارة عن حصون للهجوم على ما هو دون الإدارة العليا ومحاسبة الكوادر الوظيفية على ما لا يكون على هوى ومزاج الإدارة العليا وشخوصها ، بل صارت هذه الوحدات داخل الدوائر والمؤسسات الحكومية عبارة عن (محاكم تفتيش) تنصب المقاصل لكل من يبدون (النقد أو الاعتراض) لسلوكيات وقرارات الإدارات العليا.
وللأسف الشديد ما زالت الهوة شاسعة بين الرؤية الملكية وما نتج عنها من تشريعات ومؤسسات وما زالت أذرع المؤسسات والدوائر (الشؤون القانونية والرقابة الداخلية) لل عمل لها إلا (الامساك بالرأس والالتفاف حوله وضمه بين هذه الاذرع لحماية هذا الرأس (الإدارة العليا) من أي رمي ولو بحصى صغيرة وما زالت هذه الاذرع مهمتها المقدسة تحصين الإدارات العليا من أن يطالها أي نقد وأن يشار إلى تقصيرها أو (العك) بأي ملف أو معاملة ودائما لهاتين الوحدتين دستور من نص وحيد تعملان وفقه يقول: (( معاليه أو عطوفته لا ينطق عن الهوى ، وكل ما يراه هو الخير للبلاد والعباد وهو القانون والعدالة والمصالح العليا)).
للأسف هذا في أول الشرح ما أرادته قيادة الدولة وفي آخر الشرح ما هو واقع الأمر وما زالت الدوائر والمؤسسات الحكومية تتعامل مع الرؤية الملكية للإصلاح الإداري ومخرجاتها على أنها (سحابة صيف عابرة) أو (زوبعة في فنجان) ستمضيان وتعود إدارات الدولة في الدوائر والمؤسسات الحكومية لتعيش في (سبات ونبات) وتنعم بما يوافقها من (الإجراءات والقرارات) ..؟!؟!؟؟
هذا هو الواقع واتحدى أي كان أن يدحض ما تم بيانه وتشخيصه أعلاه عن واقع مؤسسات القطاع العام حتى هذه اللحظة.
والله والوطن من وراء القصد.
المستشار القانوني رايق المجالي/ أبو عناد
