الإثنين , ديسمبر 23 2024 | 5:18 ص
الرئيسية / stop / رايق المجالي يكتب: قراءات وتأملات

رايق المجالي يكتب: قراءات وتأملات

فيلادلفيا نيوز

يقول (مالك بن نبي) وهو أحد أعلام الفكر الإسلامي في القرن العشرين ” اأن المجتمع الذي لا يصنع أفكاره الرئيسية لا يمكن على أية حال أن يصنع المنتجات الضرورية لإستهلاكه، ولا المنتجات الضرورية لتصنيعه، ولا يمكن لمجتمع في عهد البناء والتشييد أن يعتمد كليا على الأفكار (المستوردة أو المفروضة عليه من الخارج) , وعلى المجتمع الذي يريد النهوض والعودة إلى التقدم والتطور بعد الإنهزام أو الإنكسار أو إندثار وتحطم الإطار الحضاري الذي يحصنه أن يكتسب خبراته بنفسه ، أي أن يحدد موضوعاته ويتأملها ، وأن يستعيد أصالته الفكرية، واستقلاله في ميدان الأفكار حتى يحقق بذلك استقلاله السياسي والاقتصادي والفكري والاجتماعي” .

كما يقول (إبن نبي ) أيضا : ” أن مسيرة الأمم والجماعات تخضع لنـظام دوري، قلما تنجو أي أمة من الأمم من جريانه. وهذا في نظره هو الذي يجعل الأمة في فترة من فترات تاريخها الحضاري تسجل مآثر عظيمة ومفاخر كريمة، تبقى خالدة في سجل تاريخها وتاريخ البشرية من حولها. كما تسجل عليها في فترات أخرى انتكاسات وهزائم حضارية وعمرانية وعسكرية، وغير ذلك من الحالات المرضية التي تهوي بالأمة إلى مهاوي التخلف والانحطاط في آخر طور من أطوار دورتها الحضارية. وهكذا تلعب الشعوب دورها وكل واحد منها يبعث ليكون حلقة في سلسلة ” وهذه السلسلة هي حضارة أمة أو شعب منذ نشوئها وحتى يرث الله الأرض وما عليها .(إنتهى الإقتباس ) .

(التأمل )
والحضارة كما يعرفها ويشرحها (إبن نبي ) ” لا يقصد بها استخدام أحدث وسائل المعيشة بل هي تعامل الإنسان مع الأشياء المادية والمعنوية والسلوكية التي تدور حوله وشعوره الإنساني تجاهها. كما ان من سمات التحضر والرقي( احترام القوانين وخصوصيات الأفراد والمجاميع والفئات لبعضها البعض ) ” , فالحضارة إذا هي السلوك والشعور والتفاعل الإنساني مع كل ما هو حوله من أشياء مادية ومعنوية وعليه فحضارة ورقي إنسان -مهما كان جنسه أو عمره أو عرقه أو معتقده – قد يتلخص وتختزله وتظهره طريقة تعامله مع ( دخول الحمام ) أو ( قيادة سيارة ) أو ( التعامل مع طفل أو مسن في الطريق العام ) .

ويتضح من المقتطفات أعلاه من فكر أهم أعلام الفكر الإسلامي في القرن العشرين ومما يقرأ له وعنه بأنه لم يحصر مفهوم الحضارة أو السلوك الحضاري بشريعة سماوية معينة أو بعرق أو جنس بل هي مرتبطة بتفكير وسلوك وتفاعل الإنسان مع محيطه وما هو حوله ومع كل ما يتعامل معه ماديا أو معنويا وإن كان فكره يتركز على وصف وشرح الحضارة الإسلامية فهذا لأن الإسلام بفهمه الصحيح وشرحه السليم هو الشرعة والمنهاج اللذان جاء بهما (نبينا محمد خاتم الرسل والأنبياء ) -عليه وعليهم أفضل الصلوات وأتم التسليم ولأن الرسالة المحمدية قد أجملت وشملت (دين الله ) الواحد وختمت جميع الشرائع التي توحد الله وتحقق (خلافة الإنسان لربه في الأرض ) وما إستخلف الله -عز وجل – الإنسان في الأرض إلا ليعمرها على المنهاج السماوي الصحيح وهي ما يمكن أن نسميه (الحضارة الإنسانية ) أو (حضارة الإنسان على الأرض ) ولكن ولإختلاف البشر في معتقداتهم وفيما نزل عليهم من الشرائع وما أملته حركة التاريخ البشري وجدت (حضارات لأمم ) تتعاقب وتتصارع وتصعد بأمم وشعوب وتهبط بأخرى حسب سلامة فهم كل أمة أو شعب (لمعنى ومفهوم الحضارة ) وإمتلاكها لأسس بناء الحضارات بغض النظر عما تستمد منه الأمة معتقداتها وبغض النظر عن شرائعها التي تؤمن بها , وهذا ما يفسر تعاقب الحضارات وحلولها في القوة مكان بعضها برغم إختلاف الشريعة و/أو المعتقد الديني , لذلك نجد حضارتنا الإسلامية قامت وتسيدت العالم في حقبة طويلة من التاريخ -عندما فهمت وطبقت الأمة دينها وشريعتها بشكل صحيح وسليم – ولكنها تراجعت وزالت من دائرة (التأثير ) في الحضارة الإنسانية وسادت عليها حضارة أخرى بالرغم من أن الإسلام لم يزول أو ينتهي أو ينطفيء وهو باق إلى يوم يبعثون وكذلك بالرغم من أن الحضارة التي دانت وضعفت وتبعت الحضارة الإسلامية سابقا وأصبحت الأقوى لاحقا هي لأصحاب شرعة ومناج غير شرعة ومنهاج المسلمين , مما يعني أن إرتقاء الأمم والشعوب في دنياهم مرتبط بما تؤمن به الأمم والشعوب وتطبقه من مفهوم الحضارة سلوكا عاما ولا يرتبط بمعتقدات الأشخاص وعلاقتهم بخالقهم ولهذا فقد تلخص مفهوم الحضارة في ديننا الإسلامي بما جرى مجرى المثل -وإن شاع بين الناس على أنه حديث وهذا غير صحيح – وهو القول : ” إنما الدين المعاملة ” لأن الحديث الصحيح الذي عنون الرسالة المحمدية -صلى الله وسلم على حبيبنا ونبينا محمد – : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” والذي لا ينفي وجود حضارات سابقة ويربط ديننا الحنيف بكل ما فيه بالحياة ليكون حضارة إنسانية جامعة وشاملة للبشرية .

وخلاصة القول : ((فالحضارة هي تفاعل الإنسان وسلوكه مع كل ما هو حوله وهو ما يعرفه الناس بالأخلاق الإنسانية التي لم يدور وجودها من عدمه بمعتقد الشخص والدليل حديث نبي البشرية محمد -صلى الله عليه وسلم – “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” , والدارس للتاريخ الإسلامي وتاريخ بقية الأمم يعرف أن وعاء الدين الإسلامي الذي قدم به للعالم فأنتشر في أصقاع الأرض -عن طريق التجار المسلمين – كان وعاء الحضارة أي ما تخلق به المسلمون وما رآهم العالم الأبعد عن مهد الرسالة عليه من سلوكيات وخلق فكان هذا ما جذب الغير موحد أو عارف بالشريعة للدخول في هذا الدين )).

وأنهي ولا أنتهي من قرائتي لمفهوم الحضارة بالقول : إن الدين لا ينتشر ولا يبني حضارة بالغلاة والمتشددين وبالدعاة الذين لا يترجم سلوكهم مع كل إنسان وكل شيء مما يقولون أو ما يزعمون أنه ما يعتقدون ولم يكن التعصب للمعتقد يوما إلا إنكفاء على الذات وسببا في هدم المجتمعات لا بناؤها وهل دخل ذلك اليهودي الإسلام- الذي طالب النبي صلوات الله عليه وسلامه بدينه – إلا عندما إختبر خلق النبي محمد -صلعم – حين نهى سيدنا عمر عن زجر اليهودي لفضاضته في طلب الدين وإقراره -عليه السلام – بالدين مع الإعتذار للتأخر بالسداد مصدقا لقول المولى عز من قائل ” وإنك لعلى خلق عظيم”.

فالمجتمع الذي لا ينتج الأخلاق الإنسانية ويكرسها عند الجميع لن ينتج خيطا لإبرة ..!!!

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وعلى الأنبياء والمرسلين جميعهم .

رايق المجالي /أبو عناد .

 

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com