فيلادلفيا نيوز
إذا وضعنا نزعاتنا واحكامنا الغير محايدة جانبا ونظرنا إلى صفات الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب” والذي تبدأ ولايته الثانية اليوم وإذا نظرنا بعين التجرد من إصدار الأحكام المبنية على اختلاف الفكر والعقيدة وعلى النوايا وحللنا فترته الأولى على هذا الأساس ثم قرأنا سيناريو عودته في ولاية ثانية بطريقة دراماتيكية بل تكاد تكون أسطورية سنجد في هذا الرجل كرئيس لأعظم وأقوى دولة تحكم العالم اليوم الكثير من الميزات التي تجعله شخصية فريدة ولها جوانب تستحق الإعجاب ومن منظور الحكم على الرجال حسب قواعدنا كعرب .
فترامب في فترته الأولى كما ظهر للعالم ولنا العرب تحديدا هو الرئيس الاوضح والاكثر دعما لإسرائيل حيث يؤكد ذلك في كل مناسبة ثم يوقع القرارات التي توفر الدعم السياسي وكل أنواع الدعم الأخرى ، وهو الرئيس الذي جمع أكبر دفعة من الأموال من الانظمة العربية الخليجية وحصلها بالأمر ، وأعلن مرارا بأن على الأنظمة العربية أن تدفع لأمريكا مقابل حمايتها لهذه الأنظمة ، وأيضاً كان في ولايته الأولى الأشد في سياسته في الملف النووي الإيراني فالغى التفاوض واغلق الملف ، ودفع بكل قوته لتطبيق ” صفقة القرن” ودعم الأنظمة العربية التي تهرول إلى تلك الصفقة وإلى التطبيع مع إسرائيل.
نعم فعل كل ذلك وهذا طبعا يحملنا كعرب إلى الحكم عليه بأقسى الأحكام وننعته باقذع الصفات ونحقد عليه كعدو أشر ولكن هذا حكم مبني على عاطفة وهو طبيعي فلا يمكن أن تكون مشاعر ضحية طيبة أو عادية بالنسبة لجلادها ولكن لو تجردنا من هذه المشاعر للحظات وتركنا نتائج سياساته وقراراته والسيناريوهات التي أراد فرضها قليلا وتمعنا بعمق في شخصيته وفي طريقة إدارته للعالم وتركنا موقعنا كعرب تستهدفنا سياساته ونرفضها ونظرنا لهذا الرئيس وهذا الرجل كرئيس دولة قوية تدير العالم وبالتحديد في سياساته نحو الشرق الأوسط والمنطقة العربية لوجدناه قد تميز وتفرد في جوانب حتى لو اضرتنا كعرب وحتى لو كانت نتائجها لا تخدم قضيتنا الرئيسية في الصراع الدائر إلا أنها ميزات لم توجد في غيره من الرؤساء للإدارات الأمريكية وأيضا لهذه الميزات وأثرها أبعاد في صالحنا كشعوب عربية وهي:
أولا: هو كغيره من الرؤساء أمريكي وليس عربيا ويرأس دولة وطنه وشعبه هو الذي انتخبه ليدير بلاده ويرعى مصالحها وهو أيضا ينتمي إلى تيار عالمي بسيطر على العالم هو (ال ص ه ي و ن ي ه العالمية) ولو لم يكن لما استطاع أن يفوز بمنصب حاكم ولاية أمريكية ، فلا يجوز أن نطالبه بأن يكون الزعيم العالمي المخلص للشعوب الأخرى من الاستبداد والظلم الذي تتعرض له تحت حكم أنظمتها التي استطاعت أن تعتلي الحكم بغفلة هذه الشعوب وبسبب ضعفها كشعوب بل بسبب موتها الفعلي ، فالطبيعي أن يعمل كحاكم لمصلحة الدولة التي يحكمها وهي وطنه.
ثانيا: تأسيسا على ما سبق ولأن الحركة ال ص ه ي و ن ي ه هي المتحكمة في الولايات المتحدة الأمريكية وتحدد من يصلون للحكم فمصالح امريكا وشعبها قطعا تتحد مع مصالح إسرائيل مما يعني أن حماية إسرائيل ومصالحها بالنسبة للإدارات الأمريكية هي حماية لمصالح أمريكا وشعبها.
ثالثا: الدولة آلتي تحكم العالم وتكون هي القطب الأوحد بالضرورة تمتلك القوة اللازمة لفرض ما تريد من مشاريع واجندات وما هو في صالحها على كل دول العالم فهي لم تبني القوة لتستعرض بها فقط بل لتؤمن هيمنتها وتؤمن حصولها على مصالحها كاملة مكتملة.
رابعا: في ظل ما سبق كحقاىق ثابتة تظهر ميزات ” دونالد ترامب” وتفرده عن غيره سابقيه من رؤوساء أمريكا فهو:
أ-اكثرهم وضوحا ومباشرة في إعلان توجهاته منذ ترشحه لسباق الرئاسة في ولايته الأولى فهو الذي أعلن عن خططه في ملفات وفي مواضيع كانت شائكة ومعقدة داخلية وخارجية كانت كل الإدارات الأخرى تتعامل معها بأكثر من وجه وبأكثر من طريقة وكانت دائما سياساتها المبطنة تختلف عن المعلنة لكن “ترامب” يطبق ما يعلن عنه بحذافير ما يعلنه فهو الرئيس الذي أثبت أنه (يفعل ما يقول) بخلاف ما عىف عن السياسين من مراوغة وكذب في العلن والقيام بأفعال لا علاقة لها بالاقوال ،اذا هو حسب تقييمنا العربي (قول وفعل) .
ب- هو الرئيس الأمريكي الجمهوري الوحيد الذي لم تبدأ أمريكا حربا في ولايته على عكس الإدارات الجمهورية التي كانت جميع الحروب العسكرية التي تدخلها أمريكا تكون بقرارات الجمهوريين ولكن سياسة ترامب في ولايته الأولى كانت إعادة الجنود الامريكان إلى موطنهم وإدارة الحروب خارج أمريكا وجعل وقودها من غير الشعب الأمريكي “بمعنى خلي الشعوب تقلع شوكها بأياديها” بينما يريد لأمريكا أن تحصد المنافع دون رفع كلفتها من خسائر مادية أو في الأرواح من الامريكان.
ج-هو الرئيس الوحيد الذي تعامل بوضوح مع الأنظمة العربية وغير العربية في العالم الثالث من موقع قوة امريكا وعلوها عليهم وكان واضحا في إظهار أحجام الزعماء والحكام الحقيقية أمامه وأمام أمريكا فلم يجامل ويظهر اضعف الزعماء في العالم على أنهم انداد له ولأمريكا ، أي أنه كشف للشعوب المسكينة حقيقة وحجم زعمائها وأنهم مجرد موظفين لدى القوة الأعظم” امريكا” مما يعني أن هذا رجل يكره الكذب والنفاق وتزييف الحقائق وتجميل القبيح منها فكان وما زال يعطي كل جهة “حجمها الطبيعي” .
د- واضح أيضا أن ترامب رجل عملي وبراغماتي ويذهب إلى أهدافه مباشرة ولا علاقة للعواطف أو لمعتقداته الخاصة بسياساته بل يقرر وينفذ ما يراه يحقق الأهداف مباشرة وهذه الأهداف يعلنها بكل صراحة دائما ولا يلتفت إلى الشعبويات وإلى رضى رأي عام في امريكا والعالم فيتمسك بمشروعه في كل جانب ويسعى إلى تحقيقه ، فهو عمليا لا يحب إسرائيل ويكره العرب بل مقتنع أن دعم إسرائيل وتوفير كل ما يحتاجه اليهود ال ص ه ي ن ه لهم في دولتهم التي أسسوها كوطن قومي لهم يصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية من حيث تخليصها من سيطرة اليهود على الداخل الأمريكي بحيث تتقدم مصالح إسرائيل على مصالح الشعب الأمريكي بل يريد أن تكون مصالح الشعب الأمريكي أولا ثم تأتي أولويات الإدارة الأمريكية في دعم إسرائيل كحليف أول ورئيسي أو كإبن غير شرعي لأمريكا فترامب سياسته أن تكون أمريكا راعية ومسيطرة على إسرائيل وهي التي تحركها لا أن يكون العكس لذلك كأنه يقول لإسرائيل ” سأعطيكم كل ما تحتاجون إليه لتثبيت دولتكم ولضمان قوتكم وتفوقكم على محيطكم لكن لا سيطرة لكم علينا وانتم من ستنفذون ما نريد بتبعية عمياء وليس العكس.
والدليل الواضح على قوة هذا الرجل كرئيس أنه فعليا قد اجبر حكومة نتنياهو على توقيع الاتفاق والصفقة وهي التي لم تستطع إدارة بايدن مع كل حلفاء أمريكا أن يفرضوها فرضا على نتنياهو وأجندته الخاصة ، بل كان نتنياهو هو الذي يستخدم إدارة بايدن وبقية أنظمة أوروبا لصالح أجندته الخاصة واجندة حكومته المتطرفة ، وعمليا وفعليا لولا نجاح ترامب لولايته الثانية لبقي نتنياهو هو الذي يحكم العالم وليس امريكا وطبعا لم يفرض ترامب قراره ورغبته لسواد عيون العرب أو لنواحي إنسانية ولكنه يرى أن مصلحة امريكا ومصلحة إدارته أن يوقف هذه الحرب وهذا تطبيق لأولوياته في سياسته وتطبيق أيضا لمعنى أن أمريكا ورئيسها هو الذي يحكم إسرائيل والعالم وليس نتنياهو.
ه-هو أكثر الرؤساء حزما وشدة في التعامل مع “إيران” وهو أكثرهم معرفة لحجم إيران الطبيعي أمام قوة امريكا وهو كما يتضح لا يريد أن يعطيها أي هامش لتكون لاعبا مؤثرا في الشرق الأوسط حتى أنك تشعر أنه يمقت حقيقة معتقداتها الصفوية ومشروعها الذي يهدف إلى تخريب المنطقة العربية والسيطرة عليها.
في المحصلة هذا الرجل بالمنظور العربي القيمي في تصنيف الرجال يستحق أن يقال له “حصان” أو ” قول وفعل” فهو شئنا أم أبينا يظهر ويرسخ سطوة أمريكا وموقع الرئيس في مواجهة الجميع سواء حلفائها وأصدقائها أو أعدائها.
وأخيرا قد يظن البعض أنني امتدح الرجل أو هذا الرئيس ولكنني أذكرهم بأننا نحن العرب لدينا مقولة أو قاعدة تقول “إللي في الرجال ينعد” وهذه القاعدة معناها أن الشخص العاقل والحكيم والمنصف هو الذي يعرف “ميزات عدوه الإيجابية” بغض النظر عن كونه عدوه أو صديقه أو بغض النظر عن مشاعره تجاهه بأن يكرهه أو يحبه فأنا هنا فقط اعدد ميزات هذا الرئيس الأمريكي التي تفرد فيها عن أقرانه ولعلي قد امتدح هذه الميزات في الجوانب التي تحقق لنا كشعوب عربية فائدة منها وآخرها أن قوته وحزمه أدت لإيقاف حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل وامريكا وبقية أنظمة العالم على شعب غزة ، وقبل ذلك فإنني امتدح فيه ميزته في إسقاط كل أقنعة الزعامات العربية واظهارها على حقيقتها فحتى من اعتبروه نصيرهم أو داعما لهم في استبدادهم على شعوبهم يبقون تحت تاثير سطوته والرعب الشديد منه فهم لا يأمنون أن يقرر الغاء وجود أحدهم ورفع الغطاء عنه في أي لحظة لذلك سيبقون في حالة توتر دائما وذلك قطعا سيدفعهم إلى تحسين أدائهم حتى يضمنوا شيئا من الأمان إذا ارتفعت نسبة رضى شعوبهم ليكونوا بالنسبة لترامب أوراقا مؤهلة وصالحة للإستمرار في الحكم.
“ترامب حصان” لكن حصان اجنبي امريكي وخيره لشعبه ودولته فلعل مصالح أمريكا يأتي بعضها موافقا لمصلحة عربية خصوصا في قضيتنا المركزية ولو نسبيا في فترة ولايته الثانية والأخيرة.
أبو عناد.