الأحد , ديسمبر 22 2024 | 3:10 م
آخر الاخبار
الرئيسية / stop / رايق المجالي يكتب : النخب لا تصنع وتعد كما تعد الكنافة

رايق المجالي يكتب : النخب لا تصنع وتعد كما تعد الكنافة

فيلادلفيا نيوز

 

معنى نخبة المجتمع ” الْمُخْتَارُونَ مِنَ الْمُجْتَمَعَ والَّذِينَ لَهُمْ مُؤَهِّلاَتٌ مُعَيَّنَةٌ” وهو نوع من الإنتخاب دون تصويت واقتراع وهم الذين تجمع كل فئة أو أهل مجال على تقديمهم لبروزهم وتفوقهم وأهليتهم لتقدم اقرانهم في نفس الشأن والمجال.

هذا الأصل في كل مجتمع بأن تكون له نخبه في كل مجال وهذه النخب هي صمام الإمان وإن لم تكن في مواقع صنع القرار فهذه النخب بمؤهلات أصحابها ما يضمن التوازن العام في المجتمع وعلى كل صعيد ونخب المجتمع هم القادة الفعليين وهم الحراس المؤتمنون على مجموعة القيم والثوابت الأساسية لهذا المجتمع وهم في حال تعرض المجتمع لآفات من كل الأنواع يشكلون المضادات الحيوية التي تقاوم هذه الآفات وتجعل البيئة طاردة لهذه الآفات فتمنع اختلال الموازين وانزلاق المجتمع وانحداره أو تفككه وتحوله إلى مجرد مجاميع من البشر يأكل فيه القوي الضعيف.

هذه حقيقة ثابتة على مر تاريخ البشرية وتكون المجتمعات حتى في طورها البدائي وليس ما تم بيانه أعلاه خواطر شخصية أو تحليلا ووجهة نظر فالتاريخ أيضا اثبت أن سقوط المجتمعات أو سقوط مجتمع دولة اي سقوط الدولة كان دائما يأتي نتيجة إلى غياب النخب بأي شكل ولأي سبب، فقد يكون الغياب قصريا بأن يمارس القمع على هذه النخب فتحيد تماما عن القيام بادوارها الطبيعية وإما تغيب لإجتياح الجهل كوباء سريع الانتشار فتغيب النخب رغم وجودها فلا يكون لها تأثير لأنها لا تجد أدنى حدود التقدير والانتباه فيكون وجودها في مجتمع استشرى فيه الجهل كعدمه وبهذا فمن الطبيعي أن يختل كل شيء وتنقلب كل الموازين في المجتمع الذي تغيب نخبه.

و بإسقاط ما مر على المجتمع الأردني ووفق ما اثبته تاريخ الدولة الأردنية فإن الحالة الأردنية في المؤية الأولى حتى منتصف المؤية وفوقها قليلا خير دليل وبرهان على أن قلة إمكانيات الدولة وصغر مساحتها في مركز صراع ازلي دولي إقليمي وفي ساحة جميع اللاعبين فيها يمتلكون انواعا من القوة لم تملكها الدولة الناشئة الصغيرة (إمارة ثم مملكة) يعني بكل منطق معروف أن تندثر هذه الدولة وأن يسحق مجتمعها تماما وهذا الذي لم يحدث في هذا الوطن بل كان العكس تماما فقد استطاعت الدولة الأردنية بسلاحها الوحيد (الشعب) الذي تقوده نخب مؤهلة وتستحق هذا الوصف أن تقف في وجه كل العاديات وأن تنتصر في كل معترك وتسطر ملاحم الثبات في بحر متلاطم لم يهدأ يوما.

نعم إن من يحسن قراءة تاربخ الدولة الأردنية وحتى لو لم يكن محللا أو مختصا في دراسة أي شأن سيجد أمرا جليا كان سر قوة هذا الشعب وهذه الدولة وهو وجود النخب الحقيقية في كل مجال وكانت هذه النخب جيش الوطن بصنوفها في الحروب ومعاول البناء في السلم فلم تسمح لأعلى درجات الضغط من كل نوع أن يقلب الموازين وأن يهدد ركائز الدولة وأن ينال من التوازن العظيم بين الفئات والمكونات فكانت النخب الأردنية الحقيقية ذلك العامل الذي جعل عناصر الدولة ( إقليم، سلطة، شعب) متماسكة بدرجة إعجازية رغم حجم التحديات والمؤامرات التي مرت واحيكت ضد هذا الوطن.

ولكن ذات الحالة البرهان هي مفتاح فهمنا لما آلت إليه الأمور والاوضاع في الدولة الأردنية في آخر عقدين من عمرها، فالنتائج تحكي عن الأسباب أو تبرهن على أن الأسباب جميعها تجتمع في آفة واحدة أصابت الدولة وهي غياب النخب وللأسف الشديد فهذا الغياب قد جاء بسبب تخلي الدولة عن مفهوم ومنهجية تشكل النخب الطبيعية والتحول إلى تغيير كافة النخب بالإنتقاء والتعيين وهذا تحول أو تحويل مارسته السلطات على مدى العقدين ونيف فطال التغيير كل أنواع النخب وتم إحلال من يقومون بتمثيل الأدوار دون مؤهلات حقيقية لإعتبارهم نخب.

فالنخب السياسية صارت تنتقى وتعين وكذلك الاجتماعية ويقاس على ذلك في كل مجال فحتى النخب الثقافية والتعليمية صارت تعين وتفرض بقرارات غلفت بوصف السيادية فلا يقبل في مواجهتها طعن ولا يسمح أن يطالها نقد.

لذلك فمن الطبيعي جدا أن يكون ما آلت إليه حالنا فحتى الذائقة الأدبية والذائقة الموسيقية تفسدان اذا فرض على الناس الإستماع إلى الإسفاف والنشاز.

إن من أراد بهذا الوطن الشر قد عرف سر قوته فدبر أن يسلبه هذه القوة فجاهد في صناعة نخب من ورق لا حول لها ولا قوة تفوق تلك الفزاعات التي كان يصنعها المزارعون في مواسم القثاء من الاعواد على هيئة رجل فيلبسونها قبعة وثوبا تلعب فيه الريح فيراها الطير إنسانا.

أبو عناد.

 

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com