الأحد , ديسمبر 22 2024 | 10:58 ص
الرئيسية / كتاب فيلادلفيا / رايق المجالي يكتب : الرئيس الذي غادر المشهد ثم الدنيا لكنه لم يغدر:

رايق المجالي يكتب : الرئيس الذي غادر المشهد ثم الدنيا لكنه لم يغدر:

فيلادلفيا نيوز

 

الراحل دولة” زيد الرفاعي/ أبو سمير ” ترحمنا على أيامه قبل أن نترحم عليه-رحمه الله وغفر له واسكنه فسيح جناته -..!

رحل بالأمس رجل ربما هو آخر من استحقوا لقب “دولة” من الرعيل الذي ناهزت أعمارهم أعمار الدولة الأردنية إلا قليلا فنحسبهم هم وهذا الوطن كما نقول في العامية (جيل) وهو أيضا آخر من يوصف ب (رجل دولة) أو (قامة وطنية) أو (ركن بلاد) .

رجل سواء اتفق معه أي كان أو أختلف معه سياسيا لن تجد حتى ألد أعدائه -اذا كان متزن العقل – قد يقول فيه غير ما أقول ، فهو الرجل الذي كان رفيق الحسين -رحمه الله – الملك والإنسان و”صندوقه الأسود” فقد كان الصديق -للمغفور له بإذنه تعالى- وبيت أسراره ومحط ثقته فلا يقرب إنسان لنفسه إنسانا آخر ويأتمنه على أسراره وعلى كل من وما يحب إلا إذا بلغت الثقة حدا يجعل الآخر كأنه الشقيق والأخ الذي يحفظ حق الرحم والدم.

نعم هو (رجل دولة) من الطراز الأول بل قد يكون من علم غيره كيف يكون رجل الدولة فهو في هذه “معلم” أو “مدرسة” فلسنا حين ندرج هذا الوصف نكيل المديح بل إنه التاريخ من يحكي ذلك ،فلو أراد أي كان أن يقلب صفحات الوطن ويقرأ فيها ويستوعب ما يقرأه سيجد إسم “زيد الرفاعي” حاضرا في كل الصفحات وتحت هذا الاسم سيقرأ سيرة ومواقفا ليست سيرة موظف أو صاحب منصب عالي مهما كان مستوى الوظيفة أو كانت أهمية المنصب ونحن في هذا السياق لا نحتاج لسرد القصص والمواقف للتدليل أو إثبات ذلك ولكن ربما تسرد قصة أو موقف كمثال فقط لأن الدليل والحجة الأوضح هي حقيقة أقل ما نصفها به من حيث الوضوح والثبوت أو ما نشبهه بها هو ” وضوح الشمس في كبد السماء” وهذه الحقيقة نراها ونقرأها إذا نظرنا فقط إلى “وطن” وحاله في حقبة من الزمن كان الراحل فيه في الركاب وفي ذروة ما واجهه هذا الوطن من تحديات وكان هو ممن احتوتهم كنانة الحسين الباني ومن كانوا كلما نثرت الكنانة يقع عليه الإختيار ليتولى الأصعب والأدق من المسؤوليات والمهام الجسام في العلن أما ما لا يجوز أن يعلن فكانت قطعا هي المهام الأكثر حساسية وأهمية وخطورة والتي لا ينتدب لها الا من يستحقون أن يحملوا أمانة عرش وأمانة وطن في أعناقهم وكيف لا يكونون والذي يأتمنهم (الحسين بن طلال) والحسين ليس ككل الملوك والحكام بل كان حكيمهم ومعلمهم من العجم ومن العرب .

فيكفينا فقط أن نقارن بين حال وحال وزمن وأزمان ووطن في عين العاصفة حين اشتدت فأطاحت بدول وبزعامات لكن هذا الوطن بقي صامدا شامخا أبيا على التحديات والمؤامرات ،وهل كان ذلك ليكون لولا أن الرجالات وكنانة العرش في حينه ليس فيها إلا السهام جيدة الصنع والتي لا تخطيء في يد الرامي وتنفذ من كل رمية مهما قسى جلدها ، وما علينا إلا أن ننظر ونذكر ونقر أيضا بما لم يكن في سيرة “زيد الرئيس” وما لم يذكر عنه, فلم يرى يسير في مواكب تشابه مواكب الملوك ولم يذكر عنه أنه رفع إصبعه وهو يخاطب الشعب الاردني يقرعه ويتهمه بالجهل والسوداوية حتى أنه لم يسرب عنه كلمة في جلسة خاصة يدافع فيها عن نفسه في وجه كل الروايات التي تهجمت عليه شخصا أو رئيسا لحكومة.

وللأجيال الأردنية أقول إذا ما أردتم معرفة قيمة هذا الرجل أيضا فأنفضوا عن عقولكم كل الروايات والسرديات التي لم تترك إسما أو رمزا في الدولة الأردنية في الماضي إلا وتجنت عليه وقد روكمت تلك الروايات ومعظمها لغاضبين وطاو منتقمين من بعض الخصوم ومن زواياهم الخاصة وليست رواية وطن وسرديته التي تتناوله من كل الجوانب فلا تستمروا في قراءة قصة ( هزة ٨٩) الإقتصادية و(هبة نيسان) وما قبلها وما بعدها وما نسج من مشهد لا يصور الحقائق كما هي بل إذا أردتم النظر إلى تلك القصة وقرائتها فلاحظوا أن ( تلك الهزة الإقتصادية لم تؤثر قيد أنملة على الوطن والأهم من ذلك أن حكومة زيد الرفاعي التي كانت قائمة حينها ونسبت إليها تلك الهزة الطفيفة قد استقالت وبكل هدوء وانسحب الرئيس من المشهد بمجرد أن تحرك الشارع وأظهر بعض الغضب وبالرغم من أن حركة الشارع لم تستغرق من الوقت إلا يومين أو ثلاثة) لكن هذه الحركة التي سميت “هبة نيسان” لم تجعل” الرئيس زيد” تأخذه العزة بالإثم – حقا لم يكن هناك إثم – ” ولم يفكر لحظة في إستغلال مكانته وحظوته عند الملك الراحل الحسين -رحمه الله – ليدافع عن نفسه وحكومته ويتمسك بالكرسي وبالسلطة التي كانت فعليا”ولاية عامة ” .

إنه”رجل الدولة ” الذي ينظر للدولة وللمصلحة العليا ولا يناقش إذا تعلق الأمر بمسيرة وطن ودولة بل ويلتزم الصمت حتى لو طالته الألسنة وحتى لو انهالت عليه بأبشع التهم ، ودعونا لا ننسى أن “زيد الرفاعي/أبا سمير” كل أقرانه من جيل السياسين ورجال الدولة من العسكر ومن المدنيين هم رموز الوطن الذين نتغنى بهم والذين عرفوه وعرفوا حقائق الأمور وهم أغلبهم كانوا أيضا اصدقائه الشخصيين وأستمروا كل واحد منهم حتى مماته لم يسجل عن أي منهم -وهم الصادقون -أنه تحفظ على شخص هذا الرجل أو ذكره بسوء بل إنهم جميعهم قد أجمعوا على وطنيته وإنتمائه وولائه المطلق للبلاد ولعرش البلاد.

واعرف قصة عن “دولة الرئيس الرفاعي” لها مدلولاتها وتبين كيف يكون رجل الدولة والقصة تقول:

في أواسط السبعينيات فما فوق لم يكن (ديوان التشريع والرأي) قد وجد كمرجعية قانونية للحكومة الأردنية وكان هناك مستشار قانوني يعين من ملاك وزارة العدل يسمى “المستشار العدلي” وكان أن حصل بعد أحداث ( ال ٧٠ ) أن أدين أردني بجرم الإنتماء لتنظيم سياسي يهدف إلى إسقاط النظام الأردني وترتب على هذا الحكم أن سحبت الجنسية الأردنية من هذا المدان ولكن بعد فترة قصيرة صدر عفو عام في المملكة بتوجيه من الملك الراحل -المغفور له بإذن الله – أبا عبدالله فقام ذات الشخص المدان وبعد العفو بالتقدم بطلب استعادة الجنسية الأردنية ومحو الأثر الذي ترتب على إدانته إعمالا لقانون العفو العام ،فأحال دولة الرئيس “أبا سمير” الطلب إلى المستشار العدلي لإبداء الرأي القانوني فجاء الجواب خطيا على فقرتين فوضع على مكتب الرئيس ما يلي:

بعد الديباجة ومقدمة عرض الرأي الصادر عن المستشار العدلي :

أولا : استنادا ل……….(وأورد السند القانوني للرأي ثم خلاصة الرأي) بأن المقتضى القانوني أن يجاب الطلب وتعاد الجنسية الأردنية للشخص المعني .
ثانيا: عبارة (ما ترونه مناسبا دولتكم) .

فما كان من دولة الرئيس “زيد الرفاعي” إلا أن شرح على كل فقرة وحدها بالتالي:

*ـ على الرأي القانوني (معالي وزير الداخلية لأجراء المقتضى القانوني للسير بإجراءات إعادة الجنسية للمعني وفقا لما جاء في الرأي القانوني).
*ـ على الفقرة الثانية (معالي وزير العدل للسير في إجراءات إحالة المستشار العدلي ( فلان الفلاني) إلى الاستيداع ثم إحالته على التقاعد حسب النظام .

وعندما راجعه بعض المعنيين مستفسرين عن سبب إحالة المستشار العدلي على الإستيداع كانت إجابة الرئيس:” لقد كتب رأيا قانونيا مسندا وخلاصته أن هذا ما يقوله القانون وما تقتضيه العدالة وهي غاية القانون ولكنه كتب في الفقرة الثانية (ما ترونه مناسبا دولتكم) ولم يدافع عن القانون وعن رأيه القانوني الذي خلص إليه واقتنع به وترك الأمر لي بصفتي رئيس الحكومة وكأنني مالك لعمل خاص ولست رئيسا لحكومة دولة أنا اول من يجب أن يلتزم وينصاع للقوانين وهذا من منطلق التزلف أو النفاق للأشخاص والدولة التي لا يطبق فيها القانون ليست دولة والمسؤولين الذين لا يلتزمون بالقانون قبل الشعب لن يحموا أو يبنوا دولة ” .

هذه نظرة موضوعية لشخصية وسيرة الراحل الكبير وفقيد وطن ورجل دولة وقامة حقيقية وليس المقال أعلاه رثائا أو تزلفا أو نفاقا ولكنها شهادة للتاريخ وأنصاف لأحد رجالات الرعيل الذي قدم أفعالا لا ينكرها إلا جاحد أو حاقد أو جاهل بتاريخ هذا الوطن أو تاريخ رجالاته.

فإن كنا كبشر معظمنا أبو بعضنا لم ننصف الرجل في حياته فلننصفه بما قدم للوطن والعرش بعد مماته أما صحيفته عند ربه فليس للعباد أن” يزكوا على الله أحد” أو أن يوزعوا العباد بين الجنة والنار ،ثم أن مثل الراحل الكبير من تتراكم في حياتهم وفي مواجهتهم الخصوم وليس كل الخصوم ينصفون .

رحم الله الفقيد دولة رئيس الحكومة الأسبق (زيد الرفاعي/أبا سمير)؛وغفر له واسكنه فسيح جناته.

رايق المجالي/أبو عناد.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com