الأحد , ديسمبر 22 2024 | 4:35 ص
الرئيسية / stop / رايق المجالي يكتب : الأردنيون ومذهب المقارنة بين الماضي والحاضر

رايق المجالي يكتب : الأردنيون ومذهب المقارنة بين الماضي والحاضر

فيلادلفيا نيوز

حيث أن الشعب الأردني جزء من أمته العربية وربما كان أكثر الشعوب العربية التصاقا أو تمتعا بصفات العرب فقد برزت لدينا وفي مجتمعنا طبيعة عربية وجدت وطرأت على العقل العربي كردة فعل على مرحلة الإنحطاط العربي وإنحسار كل عناصر قوة الحضارة وعزة شعوبها فلما رسخ في الذهنية العربية وفي العقل العربي أن أمة العرب صارت في ذيل الأمم وأستعبدتها أمم أخرى صار العقل العربي لا ينتج إلا المقارنات بين ماضي أمته وحاضرها وأصبحت المقارنة فكرا وثقافة ومذهبا طاغيا بين شعوب العرب حتى صار كل شيء في الثقافة والأدب وفي السياسة أيضا يقوم على المقارنات فتحولت الثقافة العربية في حقيقتها إلى ثقافة ندب ونعي لماضي تليد بكل تفاصيله ولطم على حاضر تردى حتى صارت الشعوب العربية شعوبا تشعر باليتم كأيتام لم يبلغوا الحلم فقدوا الأب والأم ولم يجدوا من يعليهم ويربيهم ويعلمهم كيف يسيرون في هذه الحياة فصاروا لا حول ولا قوة ونهجهم مجتمعين ومنفردين فقط التردد على القبور والتمسح بها ومناداة من دفنوا فيها والشكوى لهم ليل نهار.

ففي الشوكة والفروسية العربية وقوة الأمة وجندها ما زال العرب يجترون بطولات أشهر فرسان العرب المسلمين في معارك الفتوحات الإسلامية وما زال الأدب العربي والفكر لا نتاج لهما إلا عقد المقارنات بين حكام المسلمين العرب في عصور قوة الدولة الإسلامية (من أمير المؤمنين الفاروق مرورا بخلفاء العصرين الأموي فالعباسي وصولا إلى صلاح الدين الايوبي وانتهاء بالناصر قلاوون آخر الفاتحين والمحررين للأقصى وآخر عهد العرب والمسلمين بعنفوان العرب والمسلمين وقدرتهم على صد الاعداء ودحرهم.

وفي ذكر الفرسان والقوة في القتال ما زال الفكر والأدب والثقافية وحتى العسكرية والسياسية كلها تراوح في إطار صورة الفارس العربي والمسلم المقدام مثله (القعقاع بن عمرو التميمي) الذي قال فيه خليفة رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ أبو بكر رضي الله عنه ـ(لا يهزم جيش فيه القعقاع) وكان قد أرسله وحده مددا لجيوش المسلمين حين طلبت المدد ، وهذا الفارس الذي يستطيع وحده أن يسد عن ميمنة او ميسرة جيش في تشتيت صفوف العدو أو يستطيع أن يشق قلب جيش العدو ويحدث مقتلة ثم ينجوا آخر نهار معركة ليعاود الكرة في اليوم التالي حتى تحقيق جيش المسلمين نصره ودحر الفرس بأفيالهم التي حيدها القعقاع بفكرة توجيه السهام والرماح إلى عيونها .

نعم وبعد مرور تلك القرون من الزمن على هذا النوع وهذا الجيل من الحروب والفروسية ما زلنا نريد ان يقود الجند وجيوش العرب (خالد بن الوليد) وأن يكون (القعقاع بن عمرو) من قادته وفي غرفة عمليات خالد ، لم ندرك للآن أن العدو ـكل من هم اليوم أحفاد أعداء الإسلام والعرب في صدر الإسلام وعلى مر تاريخ الحروب ـ قد تعلم من تلك الحقبة ومن هزائمه المتكررة أمام جيوش وفرسان العرب المسلمين وظل يبحث بكل الطرق وبكل العلوم عن صناعة (قعقاع) خاص به وبجيوشه فكان أن وصل اليوم إلى (الطائرة المقاتلة التي تقصف عن بعد آلاف الأميال وكذلك الصواريخ العابرة للقارات والمسيرات والليزر وكل (قعقعة) صارت تدمر ما توجه إليه من الأهداف (بكبسة زر) وبتوجيه قائد او جندي يجلس في غرفة أمام شاشة على بعد ألاف الأميال عن أرض المعركة.

ونحن في المجتمع الأردني أيضا ـللاسف ـ فيما يتعلق بحال هذا الشعب قد تعرض إلى صدمة من ذات النوع كتلك التي أصابت العرب وشعبنا منهم عن حال العرب بين الأمس واليوم ،ولكن شعبنا الأردني تلقى صدمته الخاصة حين تردت أحوال الدولة الاقتصادية ودخلت الدولة في مراحل الضيق الإقتصادي وضغوطات الحياة في هذا الجانب فزادت تكاليف العيش الكريم حتى صارت لا يدركها إلا النسبة القليلة جدا من هذا الشعب ، فجاءت ردة الفعل في الذهنية الأردنية وفي العقل الجمعي كتلك عند كافة العرب فصار العقل الأردني لا ينتج إلا المقارنات بين أمس هذا الوطن (المئوية الأولى للدولة) وحاضره اليوم (مطلع المئوية الثانية) فصارت ثقافة المواطن العادي وكذلك المثقف والأديب والسياسي تقوم فقط على (عقد المقارنات) بين (حال الدولة في الماضي وحالها اليوم) وبين (شخوص الحكم وإدارة الدولة بين الأمس واليوم) وذلك في كل شيء وفي كل التفاصيل حتى صار الأردني يقارن (بين طعم المنسف بين الأمس واليوم) وبين ( سميرة توفيق ،وعبده موسى ،وتوفيق النمري ،وسلوى بالأمس مع العسلي والعبداللات والسلمان إلخ إلخ).

إننا اليوم كشعب أردني (عامة وخاصة) ننكب فقط على النظر للخلف ونستذكر رؤوساء الحكومات والوزراء وقادة الجيوش والعسكر والأمن ونقارنهم باليوم والحاضر في الدولة حتى صرنا (كفرق الشيعة) نطوف ونحج ونتعبد فقط بقبور ( الائمة والأولياء الصالحين) ونناديهم ونخاطبهم ونشكوا لهم ونطالبهم بالعودة من عالم البرزخ إلى الحياة ليتولوا عنا إدارة حياتنا وإدارة الدولة بدل الحكومات الحالية وشخوصها وأدواتهم وقدراتهم التي لا نؤمن بها ولا نثق أيضا.

ما زلنا ـمثلاـ نريد رئيس حكومة يعرف جيدا أسرار حرفة الزراعة ويلبس (الفوتيك الاخضر ) ـوليس غير الاخضر ـ ليفلح الأرض بيده ويعلمنا كيف نفلح ونزرع فنريده نسخة مطابقة لوصفي التل في كل شيء وليس فقط في نزاهته وحبه لوطنه وولائه لقيادته ،بل نصر أن يكون الرئيس او كل مسؤول صورة طبق الأصل عن وصفي حتى في (طباعه وهواياته وميوله الشخصية وعاداته اليومية) .

دخلنا عصر التكنولوجيا والعولمة في كل شيء وعصر (الإقتصاد المعرفي) وإقتصاد (الذكاء الاصطناعي) وكل ما جعل العالم في كل مجال يجتمع في (شاشة هاتف نقال) وما زلنا لا نؤمن ولا نثق إلا برئيس حكومة أو مسؤول وصاحب قرار (تشققت أكفه من حمل الطورية والفأس) من كثر ما حملهما وضرب بهما الأرض…؟!؟!؟!

لا أقول إنه عيب أو تخلف أن يأخذنا حنين ونستذكر رموز هذا الوطن من بناته ونطالب بالاقتداء بنهجهم ولكني يأكلني الأسف على حالة الانغماس في الماضي لدرجة عدم استيعاب كل ما طرأ على العالم وحياة البشر من تغيير وتطور ،لأن هذا الانغماس والانغلاق على الماضي يعني فقط (تعطيل العقل الأردني) المبدع والمتميز ومن علم العرب وتقدم شعوبا في الشرق في مجالات عديدة وهذا الانغماس أيضا يعني الانكفاء والبقاء في عنق الزجاجة البشرية إلى ما شاء الله..؟!؟!؟!؟!

.والله والوطن من وراء القصد.

رايق المجالي أبو عناد

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com