فيلادلفيا نيوز
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
يعد الشجار بين الأخوة أمرًا طبيعيًا، بل يشكّل جزءًا مهمًا في نمو شخصية الطفل وتطوّرها؛ فهو يعزز عنده قدرة التفاوض، وقبول مبدأ الخسارة والربح واختبار قدرته على نيل حقوقه وأخذ حقوق الغير في الاعتبار.
وكلها أمور تساعده على الانفتاح على المجتمع خارج إطار العائلة. ففي المدرسة مثلاً، سوف يقابل نماذج مختلفة من الأصدقاء ممن يشكّلون بالنسبة إليه مصدرًا للمنافسة، وعمومًا فإن الشجار أحد مظاهر المنافسة التي تجري بين الأخوة والتي لها حسناتها؛ فهي تحفّز الطفل على تحسين أدائه في معظم الأمور.
ما هي أسباب الشجار بين الأخوة؟
هناك أسباب عديدة تعزز التنافس بين الأخوة، منها تقارب السن وانتماء الأخوة إلى الجنس نفسه، أي أن التنافس بين الشقيقين الذكرين يكون أقوى منه بين الولد والبنت، ومقارنة الأهل بين الأخوة.
أو بكل بساطة محاولة أحدهما فرض رأيه على الآخر، أو الإستيلاء على لعبة بعينها؛ فالأسباب كثيرة التي تدفع بالأخوة إلى الشجار، وهذا طبيعي طالما أنه لا ينتج عنه أذى جسدي أو معنوي.
إن دور الأهل عندما ينشب شجار بين الأخوة نراه كما يلي:
1 – عدم التدخل مباشرة: من الملاحظ أن الأخوة قادرون على حل مشكلاتهم بنفسهم بعد فترة قصيرة. وتدخّل الأهل فور حدوث شجار يمنعهم من التفكير في ذلك؛ لأنهم لم يتركوا لهم الوقت الكافي، وهذا قد ينتج عنه نشوب الشجار مرة ثانية.
2 – عدم الانحياز إلى أحد الأشقاء: من المعروف أن الأهل في لا وعيهم وعن غير قصد يفضّلون ولداً على آخر، حتى ولو حاولوا معاملة أبنائهم في شكل عادل، وإخفاء أحاسيسهم، ويستطيع الطفل أن يشعر بما يخفيه أهله مهما حاولوا التصرف بموضوعية؛ ولذلك يشدّد الإختصاصيون على الأهل عدم التدخل بين الأخوة خلال الشجار لأنهم سوف يتدبرون أمورهم بنفسهم، وفي شكل جيد.
3 – التنبيه إلى قيمة اللحظات الجميلة: يميل بعض الأهل إلى التحدث عن الشجار الذي يحصل بين أبنائهم أكثر مما يتحدثون عن لحظات الوفاق التي يمضونها، علمًا أن مدتها أطول بكثير من فترة الشجار؛ لذا من الضروري أن يتحدث الأهل عن قيمة اللحظات الجميلة مع أبنائهم، مما يعزز العلاقات الجيدة بينهم.
4 – إلقاء الضوء على السلوك الجيد: يختلف الأبناء في الطباع وهذا أمر طبيعي، فهناك الإبن المطيع والإبن المعارض والإبن المنظّم والإبن الفوضوي، وهذا الاختلاف في الشخصية يكون أحد أسباب الخلافات التي تنشب بينهم؛ لذا على الأهل أن ينظروا إلى الأمور الجيدة في سلوك كل واحد منهم وبلورته.
5 – عدم السماح بتصعيد الشجار إلى درجة الضرب والشتائم: عندما ترتفع وتيرة الشجار بين الأبناء إلى درجة الضرب والشتائم؛ على الأم التدخل وإنهاء الخلاف، إما بإلزام كل واحد منهم بالدخول إلى غرفته، أو بالتحدث إليهم في شكل حازم، كأن تقول لهم “إن الضرب والشتيمة ممنوعان”.
6 – عدم الدخول في لعبة الشهود: يميل الأبناء أحياناً عندما ينشب نزاع بينهم إلى إشراك الأم في خلافاتهم من خلال طلب شهادتها لمعرفة الحقيقة وعلى من يقع الحق؛ لذا يحذّر التربويون الأهل من الدخول في لعبة الشهود لأنها تورّط الأم في مشكلة يستطيع الأبناء حلّها من دون أن يشعر أحدهم بالغبن أو انحياز.
7 – تجنب الأهل المقارنة بين الأبناء: لأنها تحوّل علاقة المنافسة بينهم إلى غيرة تصل إلى حد الكراهية؛ مما يكثر الخلافات بينهم. فللمنافسة أو الشجار بين الأخوة حسنات أكثر من السيئات.
8- مساعدة الأخوة على إيجاد النقاط المشتركة: كثيرًا ما تتذمر الأم من الشجارات اليومية بين أبنائها، ولكن في إمكانها أن تغيّر قوانين لعبة العراك وتنبهّهم إلى الإهتمامات المشتركة الكثيرة بينهم. منها أن يكون لديهم موهبة مشتركة.
فربما يكون للأبناء مهارات يمكن أن تجمع بينهم. وعندما تنبه الأم إليها فإن نظرتهم إلى بعضهم قد تتغيّر؛ وبالتالي يتمكنون من تمضية أوقات رائعة في مقابل اللحظات التي يتعاركون خلالها.
وفي الختام يجب أن نؤكد على أن الشجار شر لا بد منه، وبحسن إدارته يمكن أن ينتج لدى الأهل والأطفال العديد من الإيجابيات التي ستمكنهم من خوض غمار الحياة بقوة.