الإثنين , ديسمبر 23 2024 | 4:54 ص
الرئيسية / السلايدر / بندر بن سلطان : دعمنا صدام في حربه مع إيران بعد تهديدات الخميني

بندر بن سلطان : دعمنا صدام في حربه مع إيران بعد تهديدات الخميني

فيلادلفيا نيوز

في مقابلة في قصره شمال أبحر بمحافظة جدة غرب السعودية، تحدث الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز رئيس الاستخبارات السعودية السابق وأمين مجلس الأمن الوطني والسفير الأشهر للرياض لدى واشنطن لـ “إندبندنت عربية” لأكثر من 14 ساعة.

تأجلت المقابلة لثلاثة أيام، وكان السعي للحصول عليها مستمراً لأكثر من ثلاثة أشهر. لكن الأمير بندر، كان يريد أن يتحدث، ولهذا في اليوم الأول تم تأجيل المقابلة لألم في الأسنان، واليوم التالي كان مرهقاً، فتم تأجيل رحلة الطيران من جدة إلى لندن حتى يتاح الوقت للأمير. وأخيراً حدثت المقابلة بالفعل.

14 ساعة متواصلة، من العصر إلى الفجر، تحدث الأمير بندر فيها دون توقف عداً حين نطرح الأسئلة. كان الحديث عن سوريا وقطر و أميركا: عن الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية السابق الشيخ حمد بن جاسم، وعن رئيس النظام السوري بشار الأسد. قال الأمير ما يود أن يقول، وفي كل مرة يشدد أن هذا رأيه الشخصي بعيداً عن دهاليز العمل الحكومي. القضية الفلسطينية كان لها نصيب الأسد، ومراوغات رئيس السلطة الفلسطينية الأشهر الراحل ياسر عرفات، وكيف ارتكب جريمة بحق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية حين لم يقبل بمشروع السلام في عهد الرئيس الأميركي بيل كلنتون. حسب وصف الأمير بندر. وهنا تفاصيل الحوار في حلقته الأولى.

لماذا الأمير بندر ولماذا الآن؟ لم يتحدث الأمير منذ أن تولى رئاسة مجلس الأمن الوطني، أو الاستخبارات السعودية، وهي الحقبة التي تولى فيها ملفات عدة ومن أبرزها الملف الإيراني ومن ثم حقبة الربيع العربي وأزمة سوريا. وخلال ١٢ عاماً، لم يدل بتصريح لوسيلة إعلام عدا مقال كتبه لصحيفة إيلاف الإلكترونية عام ٢٠١٦، مهاجماً فيه الاتفاق النووي الإيراني والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عنوانها “طبق الأصل ثانية”.

السعودية الجديدة

بدأ الأمير اللقاء بحديثه عن التغيرات الحالية في السعودية، وعن اختيار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، ويرى الأمير الدبلوماسي ورجل الاستخبارات، ومستشار وأمين مجلس الأمن الوطني أن هذا الفعل ضمانة لاستقرار السعودية لما يزيد عن 20 سنة مقبلة. ويرى أن هناك فهماً خاطئا في دوائر صنع القرار الغربية لتاريخ السعودية ويقول : “لدى العالم الغربي فهم خاطئ للدولة السعودية، يتحدثون عنها وكأنها بدأت منذ العام 1932 على الرغم من أنها موجودة منذ 300 سنة، الدولة السعودية الأولى ثم الثانية ثم الثالثة”.

حافظ الملك سلمان على استقرار السعودية، لعشرين عاماً للأمام على أقل تقدير، كثيرون من أبناء الملك عبدالعزيز تجاوزوا الستين من عمرهم وليس هم فقط، بل حتى الأحفاد وأنا واحد منهم، وقد اتخذ الملك سلمان قراره بتعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد على هذا الأساس

يكمل الأمير حديثه عن العصر الجديد للسعودية وارتباطه بالعصر القديم بقوله : “الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة كان لديه فضول فكري، وعندما كان في الكويت، كان الشيخ مبارك حاكم الكويت، يحبه ويكنّ له الود وكان الملك يحرص على الجلوس معه، والاستماع إلى حواراته مع الإنجليز والإيرانيين وغيرهم، فرأى أن العالم ليس محصوراً بالدرعية وغيرها، والدليل أنه عند استقرار الحكم في السعودية، بعد أن وحّدها الملك عبدالعزيز، استعان بمستشارين من جميع الجنسيات ومنهم البريطاني جون فيلبي. ويواصل حديثه:”الملك عبدالعزيز تعلم الدروس واستفاد سلباً وإيجاباً، من بناء الدولة السعودية الأولى والثانية وحتى السقوط، وقرر تفادي الأخطاء، ودعم الأسس التي قامت عليها الدولتان. وعين الملك ابنه سعود ولياً للعهد، وأمره بمبايعة “فيصل” ولياً للعهد، إذا تولى الحكم، ووقتها قرر الملك سعود، وبموافقة ما يسمى “أهل الحل والعقد” على رأيه، أن الحكم ينتقل بين أبناء عبدالعزيز. وحين تولى الملك فهد الحكم، أقرّ النظام الأساس للحكم بعد حرب الخليج وثبّت ما كان معروفاً شفهياً بأن الحكم يكون بين أبناء الملك عبدالعزيز، ينتقل من أخ لأخيه، وأن يبدأ أيضاً الأحفاد في تولي الحكم”.

اختيار الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد

لكن الأمير بندر، يتحدث بإسهاب أكثر، عن العصر الجديد ويرى أن الملك سلمان هو الشخص الوحيد بين ملوك السعودية الذي عاشر وعمل مع جميع الملوك السابقين حتى أصبح ولياً للعهد ثم ملكاً ويضيف : “ولهذا لديه حصيلة وذاكرة سياسية وإدارية كبيرة، وورث عن الملك عبدالعزيز بُعدَ النظر والصبر والفضول الفكري والمعرفي. منذ عرفت نفسي وأنا أعرف الملك سلمان، لأنني عشت في طفولتي في بيت جدتي، التي هي أم الملك سلمان حصة السديري، ولاحظت حبّه للقراءة، كان يملك مكتبة ثرية ويقرأ القديم والحديث وتاريخ الحضر والبدو، والتاريخ العربي، كما أنه كان يهتم بالأخبار والإعلام بشكل عام، وله صداقات مع إعلاميين ومفكرين في العالم العربي أجمع. كل هذا تجمع في لحظة حاسمة في تاريخ الدولة، وهي لحظة توليه الحكم، والحكم في السعودية مبني على الشريعة ولهذا تعتبر البيعة في السعودية جزءاً من الدين، وليس من نظام الحكم، وحين تبايع لا تقول أبايع ولكن “يبايع المواطنون الملك على كتاب الله وسنة رسوله، وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره”، وبالتالي هو من سيختار ولي عهده، وإذا وإذ كان الملك سلمان مقتنعاً بأن ولي العهد الذي اختاره هو المناسب لما يفكر به – أي الحفاظ على مستقبل البلد – فلهذا وقع الاختيار على الأمير محمد بن سلمان، وتمت مبايعته”.

منذ عهد الملك عبدالعزيز وحتى اليوم، تعتبر السعودية البلد الوحيد حيث تريد الدولة أن تتقدم بينما ترفض الغالبية ذلك، والمثال على ذلك، “تعليم البنات” الذي كان ممنوعاً في السعودية، الدولة كانت تريد فتح مدارس لتعليم البنات ولم يظهر المواطنون حماساً لهذا الشيء. وكذلك موضوع التلفزيون وإطلاق البث التلفزيوني، تعرض لمقاومة شرسة، ولم تلتفت الدولة لذلك.

ويضيف الأمير : “وباتخاذه هذا القرار، حافظ الملك سلمان على استقرار السعودية، لعشرين عاماً للأمام على أقل تقدير، كثيرون من أبناء الملك عبدالعزيز تجاوزوا الستين من عمرهم وليس هم فقط، بل حتى الأحفاد وأنا واحد منهم، وقد اتخذ الملك سلمان قراره بتعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد على هذا الأساس”.

يقول الأمير بندر بن سلطان إن الملك سلمان حافظ على استقرار السعودية لعقود قادمة بعد اخيتاره الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد (واس)

في السعودية الحكومة تقود التغيير!

عادة الأمير بندر إثارة الجدل،ويقول إن السعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي تأخذ الحكومة فيه بزمام المبادرة للتغيير في ظل مقاومة شعبية، وهو ما قد يثير جدلاً ويقول : “منذ عهد الملك عبدالعزيز وحتى اليوم، تعتبر السعودية البلد الوحيد حيث تريد الدولة أن تتقدم بينما ترفض الغالبية ذلك، والمثال على ذلك، “تعليم البنات” الذي كان ممنوعاً في السعودية، الدولة كانت تريد فتح مدارس لتعليم البنات ولم يظهر المواطنون حماساً لهذا الشيء. وكذلك موضوع التلفزيون وإطلاق البث التلفزيوني، تعرض لمقاومة شرسة، ولم تلتفت الدولة لذلك. الخيارات كانت معروفة، إما التدرّج في التطور أو الثورة، ولكل منهما حسناتها وسيئاتها، ولهذا اختارت السعودية التدرج في التطور والتحديث، بإمكانك دائماً تجديد الآلة لكنك لن تتمكن من تجديد البشر. العجيب أنه في عهد الملك عبدالعزيز حدثت إشكالية، بينه وبين كبار أعيان البلد، حول استخدام التكنولوجيا، ومنع الأجانب وغير المسلمين من دخول السعودية، هذا كان طلب بعض المحيطين بالملك، ولكنه في النهاية عاد إلى الشريعة الإسلامية، واتخذ قراراً حاسماً ولم يلتفت لهم، ولو استمع إليهم في ذلك الوقت لكانت السعودية اليوم مثل أفغانستان في ما يتعلق بالتنمية. ومع دخول البرق أصبح بإمكان الملك الاتصال بموظفي الدولة وقياداتها في جميع أنحاء السعودية، كذلك البترول تم التنقيب عنه بعد دخول الأجانب إلى المملكة، ولو استمع الملك عبدالعزيز لطلب وضغط من كانوا يرفضون ذلك، لما كان هناك اكتشاف للنفط وقتها”.

إيران والشاه والخميني

بدأ الأمير بندر حديثه بعد السعودية الجديدة عن إيران، وحين هم بالتفصيل استخدم المثل الشهير : “عدو عاقل خير من صديق جاهل”، ويرى أن آخر حكام إيران قبل الثورة الخمينية عام 1979 وهو شاه إيران محمد رضا بهلوي عدو عاقل، وأن الجهل هو ما يمكن أن يتصف به النظام الحالي في طهران. كان للأمير بندر مصادفة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، دون ترتيب، بسبب خطأ ومصادفة حدثت. ولأول مرة يتحدث الأمير بندر عن هذه المصادفة باستطراد شمل جميع التفاصيل، في لقاءاته مع المسؤولين الإيرانيين والتي بدأت بعد عودته من واشنطن عام 2003 ويقول : “شاه إيران لم يكن صديقاً، كان لديه طموحات ويرى نفسه شرطي المنطقة لكنه كان عاقلاً، والمثال على ذلك، أنه حين طالب بضم البحرين إلى حكمه، جرت اتصالات بينه وبين الملك فيصل، الذي قال له بأنه لا مصلحة لشاه إيران بمعاداة جميع العرب، كيف يفكر بأخذ البحرين؟ ونصحه بأن يغض النظر عن الموضوع. وكان رأي الشاه بأنه إن غض النظر وتراجع سيصبح في مأزق أمام شعبه، فاقترح عليه الملك فيصل “نطلب من الأمم المتحدة إرسال فريق إلى البحرين لعمل استفتاء حول ما إن كان البحرينيون يرغبون بأن يصبحوا من الفرس أو العرب، ونحن نعرف الإجابة مسبقاً”، وأعلنت الأمم المتحدة النتيجة وقبل بها شاه إيران”.

نصيحة الملك فيصل للشاه

العلاقة بين إيران والسعودية، في عهد الشاه وقبل عهد الخميني، لم تكن علاقة شد وجذب، ومناكفات سياسية فحسب، بل كان لها جانب إيجابي، وود ومراسلات ونصائح، ويسرد الأمير بندر قصة حدثت بين ملك السعودية والشاه محمد رضا بهلوي يقول : “وقبل الحديث عن إيران والسعودية، هناك حادثة مهمة نذكرها عن مراسلات بين شاه إيران والملك فيصل، ووقتها بدأ الشاه ثورة بيضاء لتحديث إيران فكرياً واجتماعياًعام 1963م، وكان من ضمن أفكار ثورته منع الحجاب، وهناك فرق بين أن تقول “ممنوع” أو “لكِ الخيار”، عندها كتب الشاه للملك فيصل ينصحه كصديق للسعودية ويرجوه تحويل البلد لنمط غربي بسرعة ليحافظ على الحكم محاكاة لثورته البيضاء ورد عليه الملك فيصل بالشكر واعتبرها نصيحة صديق يريد مصلحة السعودية، وقال له: “أريد أن ألفت جلالتكم أنكم شاه إيران لا شاه فرنسا أو بريطانيا وشعبكم أغلبيته من المسلمين، واستقبال الضيوف الأجانب في نهار رمضان وحفلات الغداء لا مبرر لها، ولهذا أنصحكم أن تحافظوا على إيران”.

الخميني والصعود للحكم

ويوضح السياسي السعودي والسفير الأشهر ومهندس العلاقات السعودية الأميركية لأكثر من ربع قرن قبل السفارة وبعدها، كيف تعاملت الرياض مع صعود روح الله الخميني للحكم” يقول “كنا ننتظر كيف ستتطور الأمور هناك لكن في الوقت ذاته كانت السعودية أول من أرسل تهنئة للخميني وأرسل الملك خالد بن عبدالعزيز وقتها مبعوثاً يهنئ الإدارة الإيرانية الجديدة ونظام الحكم فيها. وبعد فترة، بدأت التصفيات الجماعية للمثقفين والسياسيين وقادة الجيش، وخرجت آلية ولاية الفقيه وأصبح الحكم في يد شخص واحد هو المرشد الأعلى “الولي الفقيه”، وصحيح أن هناك انتخابات ورئاسة جمهورية، لكن لا قيمة لها”.

لكن السؤال الذي قاطعت به حديث الأمير للحصول على إجابة أكثر كان: لماذا العداء بين السعودية وإيران؟

حين توسطنا بشكل سري بين العراق وإيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية، كنا نجتمع في نيويورك، علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيراني السابق، ووزير الخارجية العراقي السابق طارق عزيز، بحضور الأمين العام السابق للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار، وجاءني خبر أن بعض الإعلاميين الأميركيين بدأ يصلهم علم بذلك، فقررنا وقتها الانتقال إلى سويسرا، وانتقلت المفاوضات لإيقاف الحرب، إلى بيت الأمير سلطان بن عبدالعزيز في جنيف

وكانت الإجابة بقصة: “بدأ الخميني بالتصريحات العدائية وبمهاجمة العراق، ولسخرية القدر أنه كان هناك في بغداد تحت الإقامة الجبرية في عهد أحمد حسن البكر. هناك مصادفات غريبة والجاهل عدو نفسه. الشاه طلب من صدام حسين حيث كان هو من يمسك بزمام الأمور في العراق، طرد الخميني الذي كان يقيم لديهم وإلا سيأخذ شط العرب، وذلك بسبب تحريضه وإصداره لأشرطة “كاسيت”تستنهض الشيعة وتحرض عليه، الفكرة لم تعجب صدام حسين وقال بأنه قادر على إيقاف هذه الأشرطة، فرفض الشاه، وقام صدام بالاستجابة لرغبته بإخراج الخميني الذي اتجه إلى فرنسا – ذكر شاه إيران في مذكراته أنه حل مع صدام لاحقاً في قمة أوبك بالجزائر كل الأمور المتعلقة بشط العرب عام ١٩٧٥ – ، وهناك فتح الخميني بابه للإعلام الغربي وبدأ يلتقي بالمستشرقين الغربيين والأحزاب الإيرانية المختلفة، الحزب الشيوعي والليبرالي وغيرها، واجتمعت الأحزاب الإيرانية على كره الشاه، وهنا بيت القصيد وبداية الإشكالية السعودية-الإيرانية، بدأت حدة الهجوم اللفظي والشتائم”.

يكمل الأمير : “نعرف جميعاً أن صدام حسين حاكم مجرم وسفاح بمعنى الكلمة، لكن الخميني أعلن في خطاب له أنه سيحرر العراق أولاً، ثم يتوجه لتحرير دول الخليج بالقوة… ولم يكن أمام القيادة السعودية سوى خيارين: السيء والأسوأ، فاختارت السيء، وتفسير القيادة السعودية للخلاف الذي يشعله الخميني أنه ليس خلافاً سنياً – شيعياً أو سياسياً، بل خلاف تاريخي فارسي – عربي وذو نظرة عنصرية من الخميني، ومثال بسيط على ذلك، أنه في الحرب العراقية الإيرانية 80% من الجيش العراقي كانوا من الشيعة وكانوا يحاربون ضد إيران، لأنهم لم يكونوا يحاربون “ولاية الفقيه” أو إيران الشيعية، بل الفارسية وكان صدام حسين يقنعهم بذلك”.

السعودية ومساع المصالحة مع إيران

لكن الرياض حسب الأمير بندر، تريد المصالحة، وفي الوقت ذاته تريد إيصال رسالة لإيران، ولهذا بدأت مفاوضات سرية بين إيران والعراق ويقول الأمير: “حين توسطنا بشكل سري بين العراق وإيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية، كنا نجتمع في نيويورك، علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيراني السابق، ووزير الخارجية العراقي السابق طارق عزيز، بحضور الأمين العام السابق للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار، وجاءني خبر أن بعض الإعلاميين الأميركيين بدأ يصلهم علم بذلك، فقررنا وقتها الانتقال إلى سويسرا، وانتقلت المفاوضات لإيقاف الحرب، إلى بيت الأمير سلطان بن عبدالعزيز في جنيف، وكان قد مر 7 سنوات على بداية الحرب. الطرفان منهكان ويريدان السلام، ولكن لا أحد يريد التنازل، لا الخميني ولا صدام يملكان روح التواضع، والدليل بأن الخميني وصف اتفاق السلام قائلاً “هذا الاتفاق مثل الذي تجرع السم”. لكن كانت لديه قناعة بأنه “يجب أن نخرج هذا السم” وهذا ما حدث بإخراجه السم عبر تصدير الثورة”.

لقاء السفير السعودي في لبنان بحسن نصر الله

ويضيف الأمير بشواهد عن دور إيران الواضح في المنطقة بقوله : “في لبنان مثلاً، حدثت اشتباكات بين حزب الله وبقية الأحزاب بشكل عنيف في العام 2007،وكلفني الملك عبدالله أن أذهب إلى إيران وأقنعهم بإيقاف حزب الله عن القتال، ونحن نضمن المسيحيين والسنة، واقتنعوا أخيراً. وكان شرطنا أن يذهب السفيران السعودي والإيراني إلى مكان حدوث الاشتباكات، وبالفعل ذهبا وانسحب حزب الله بعد نصف ساعة أو ساعة. وهنا مكمن السخرية حين يقول حزب الله إن إيران لا تتحكم بتحركاتهم”.

قال لي خامنئي “لماذا لا تجلس يوماً إضافياً؟” فقلت له: “لدي موعد مع الشيطان الأكبر”، فقال “من الشيطان الأكبر”؟ وأجبته “الولايات المتحدة الأميركية، لدي موعد مع الرئيس”. وكسر خامنئي حدة تعابير وجهه بضحكة وقال “كيف تصفهم بذلك؟ أليسوا أصدقاء لكم؟” فقلت “نعم وأصدقاء استراتيجيين كذلك، لكن خشيت أن أقول لك سأذهب إلى أميركا فتسألني أميركا الجنوبية أو الشمالية؟ فاستخدمت المسمى الذي تستخدمونه”

ويذكر الأمير بندر، مستطرداً في الحديث، قصة حدثت رواها وزير الإعلام الأسبق وسفير السعودية لدى لبنان الدكتور عبدالعزيز خوجة بقوله : “التقى خوجة بحسن نصر الله مرتين وسأله: ما الذي يجمعكم مع السوريين خصوصاً أن حافظ الأسد إذا التقى بأي شخص يتحدث لمدة ساعتين عن بني أمية وأمجادهم ويقول بأنكم أعداء لهم، فكان رد نصر الله أنه لا يجمعنا بهم سوى شيء واحد، فالبحر من شرقنا ومن الجنوب إسرائيل ، ومن الغرب سوريا، وأي دعم من إيران لا يمكن أن يصلنا إلا عبر سوريا، ولهذا نحن لا نحتك بالسوريين ونحاول أن نكون معهم. وهناك مثال على ذلك، وهو الاشتباكات العنيفة التي حدثت في سنوات ماضية بين حزب الله وحركة أمل، وطلب رئيس مجلس النواب نبيه بري التدخل. وتم إبلاغ اللواء غازي كنعان بالتحدث مع نصر الله، الذي رفض – حسب كلامه لخوجة – وقف الاشتباكات، بحجة أنه لا يمكن أن يكون هناك حزبان شيعيان، فقال كنعان لنصر الله في حينها بأنه ينصحه بأن يوقف الاشتباك، ومن جديد رد حسن نصر الله أنه يقدر الرئيس حافظ الأسد، لكنه لن يوقفها. وبعد ساعتين أو ثلاث ساعات جاء أفراد من الحزب وقالوا إن هناك شاحنة جاءت وتحمل رسالة من كنعان، وعندما فتحنا صندوق الشاحنة وجدنا 30 جثة تقريباً لمقاتلين من حزبنا. وهنا أوقفت الاشتباكات”.

قصة المطلوبين الأمنيين السعوديين

لكن الأمل مفقود – حسب حديث الأمير بندر – بأي تقارب سعودي إيراني، ويقول في سرده لعدة أحداث بعد عودته من واشنطن وبدء الحديث المباشر مع الإيرانيين، إن هناك أكثر من جهة تحكم إيران. ويضيف بشواهد ويقول : “بعد ما جئت إلى مجلس الأمن الوطني، كان الملك عبدالله على اتصال مع الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان متفهماً للوضع العالمي، ورفنسجاني ندم أنه جاء بالمرشد الأعلى الحالي علي خامنئي كولي للفقيه وهو من رشحه كمرشد، رفسنجاني حاول مراراً وتكراراً إصلاح العلاقة السعودية – الإيرانية، وجاء بعده محمد خاتمي، الذي حاول القيام بذلك أيضاً وجرت اتصالات بين الملك عبدالله وبينه، وقلنا إنها فرصة جيدة للتحرك وإثبات حسن النوايا. وعندها كلّف الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية آنذاك بالتعاون مع نظيره الإيراني حسن روحاني، الرئيس الإيراني الحالي والذي كان وقتها مسؤولاً عن الملفات الأمنية، وتبادُل المعلومات والأخبار حول أي شخص أكان أجنبياً أو مواطناً إيرانياً أو سعودياً يعمل ضد البلد الآخر، بهدف ملاحقته ومعاقبته، وفي المقابل، سلّم الأمير نايف ملفاً لوزير الداخلية الإيراني وقتها، يتضمن أسماء حوالي 10 سعوديين مطلوبين أمنياً في إيران، مع التفاصيل كاملة، العناوين والصور وصور المنازل التي يقطنونها، وكل ما كان يتطلبه الأمر، إبلاغ الشرطة المحلية للقبض عليهم، ولكن وزير الداخلية الإيراني أخذ الملف واختفى، وذهب أحد المسؤولين لاحقاً والتقى بمحمد خاتمي، والذي أوضح أنه كان يريد التعاون لكن الحرس الثوري هو من يتحكم بموضوع المطلوبين”.

ويواصل الأمير بندر سرده للأحداث : “وحين أصبحت في مجلس الأمن الوطني، كان ذلك خلال فترة حكم محمود أحمدي نجاد، وكان نظيري الإيراني في المنصب علي لاريجاني، ولم يكن لاريجاني يكنّ التقدير لأحمدي نجاد، وأصريت في زيارتي لإيران أن التقي برئيس الجمهورية حتى أتأكد من وصول كلامي إليه. ولكن لاريجاني قال لي حينها “دعك من نجاد، لقاؤه ليس مهماً”. تمسكت بطلبي والتقيت بنجاد، الذي قال لي “نعم أخبرني لاريجاني بتفاصيل اللقاء”، في ذلك الوقت استغربت وتوقعت أن لاريجاني كان يكذب عليً حين حاول التقليل من نجاد وتهميشه، في الرحلة التي بعدها طلبت أن ألتقي بالمرشد الإيراني علي خامنئي، والسبب أنه في المرات السابقة لم يتحقق أي شيء، والتقيت به فعلا، وهو يجيد اللغة العربية، والدليل أنه كان يصحح للمترجم بالفصحى، وقلت له يا “سماحة الإمام” دعنا نتحدث بدون مترجم، العجيب أنني خرجت من ذلك الاجتماع بانطباع إيجابي فهو رجلٌ متنور وقارئ، وكان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الراحل التقى به في باكستان حين كان خامنئي رئيساً للجمهورية. وعندما ذهب الفيصل إلى مقر سكن خامنئي برفقة علي أكبر ولايتي، وجدناه قد وضع عمامته جانباً ويقرأ للمتنبي. هذه المرة في طهران عام ٢٠٠٧، كان حازماً صارماً بدون تعابير وجه، وقبل توديعه لي وشكري للاريجاني على تعاونه ودعوته للسعودية إن أراد. قال لي خامنئي “لماذا لا تجلس يوماً إضافياً؟” فقلت له: “لدي موعد مع الشيطان الأكبر”، فقال “من الشيطان الأكبر”؟ وأجبته “الولايات المتحدة الأميركية، لدي موعد مع الرئيس”. وكسر خامنئي حدة تعابير وجهه بضحكة وقال “كيف تصفهم بذلك؟ أليسوا أصدقاء لكم؟” فقلت “نعم وأصدقاء استراتيجيين كذلك، لكن خشيت أن أقول لك سأذهب إلى أميركا فتسألني أميركا الجنوبية أو الشمالية؟ فاستخدمت المسمى الذي تستخدمونه”.

لقاء الصدفة مع قاسم سليماني

بعد الاستطراد يعود الأمير بندر للحديث عن سبب عدم جلوس السعوديين والإيرانيين على طاولة واحدة : “الإجابة لدى الإيرانيين، نحن قمنا بمد جميع الجسور وقمنا بمحاولات للتواصل، وهذا ما يردده المراقبون الغربيون دائماً: لماذا لا تجلسون على الطاولة؟”.

مصادفة عجيبة حدثت للأمير بندر لدى زيارة من زياراته لإيران. كان اسم قاسم سليماني يتردد في جميع الأحداث التي ترد إلى الأجهزة السعودية، لكن الصورة مغيبة ومخفية، أو بشكل أدق لم يكن لدى السلطات السعودية أي وصف تقريبي لقاسم سليماني، وفي هذا اللقاء حدثت الصدفة ويسردها الأمير حين قال : “وسأكمل لك عن زياراتي لإيران منذ توليت منصب “أمين عام مجلس الأمن الوطني”، قبل الرحلة الأخيرة قلت للملك عبدالله “إذا أمرتني بأن أعود لإيران فأنا في تصرفك، وإن أردت أن نخاطبهم لإيفاد أحد، لكن لدي تعليق وهو أن من نلتقي بهم ودودون ومرنون، لكن لا أمر بيدهم ولا قرار، ومن يملكون الحل والربط لا يريدون اللقاء بنا، والدليل أنه خلال لقائنا الأخير بـ لاريجاني – كان اللقاء لاحتواء التوتر في بيروت فيما يعرف ب”حصار السرايا” عام ٢٠٠٧، وذكر طرف من الوفد السعودي حضر الاجتماع مع الإيرانيين أنهم عرفوا بقاسم سليماني بالمستشار قاسمي – ، دخل علينا شخص خلال الاجتماع لم نره من قبل في جميع الزيارات الأربع لإيران، دخل ونحن في منتصف الاجتماع، وجلس في آخر مقعد، وكان معي الأمير سلمان بن سلطان و مساعدي رحاب مسعود. كان الأمير سلمان يضع هاتفه الجوال على وضعية “الهزاز” حتى لا يخرج نغمة، وعند تلقيه اتصالاً أخرج جواله للرد، وفجأة خرج الشخص الذي كان يجلس في زاوية القاعة بسرعة، ودخل آخر وتوجه نحو لاريجاني وهمس في أذنه. بعد ذلك طلب لاريجاني الإنفرد بي وذهبنا إلى المكتب، فقال: “ما حدث غير أخلاقي ومعيب، كيف تقومون بتصوير قاسم سليماني من جوال أحد أفراد وفدكم؟” فاستغربت وقلت: “نصور سليماني!” قال “نعم، الأمير سلمان التقط له صورة ولهذا خرج”. فضحكت وأجبت: “شكراً لك لأنك أخبرتنا كيف هو شكل قاسم سليماني، دائماً أسمع عنه وعن تحركاته ونتائجها السيئة، شكراً لك لأنك عرّفتنا على ملامح وجهه وسنعود الآن لملفاتنا ونتفحصها أكثر”.

في ذلك الوقت، أعطيت الملك عبدالله هذا المثال، وها أنا أذكره الآن، لأبيّن شكّ الإيرانيين وثقتهم المعدومة بالطرف الآخر.

لم يكتف السفير السعودي السابق لدى واشنطن بمثالين أو ثلاثة للإجابة عن سبب عدم الجلوس على طاولة واحدة مع العدو الأشهر للسعوديين في المنطقة، ويضيف قصة أخرى بقوله : “بعد شن تنظيم القاعدة عمليات إرهابية في السعودية، ذهبنا إلى إيران، وسلمناهم أسماء مطلوبين أمنياً وأعضاء في تنظيم القاعدة، فوعدتنا السلطات الإيرانية بإرسالهم، وفتح صفحة جديدة مع الرياض. وبالفعل، أرسلوا طائرة، ولكن حين استقبلناها في المطار فوجئنا أن من وصل على متنها، هنّ نساء وأطفال المطلوبين، أما المطلوبون أنفسهم فاحتفظت بهم إيران وقدمت لهم الرعاية”.

ويكمل الأمير حديثه عن حقبة شن تنظيم القاعدة هجمات إرهابية على السعودية، وتوفير طهران الحماية لرموز التنظيم وأفراده : “أخبرنا الجانب الإيراني أن عائلة زعيم القاعدة أسامة بن لادن مثلاً، موجودة في الجانب الحدودي، وداخل الحدود الإيرانية، ولكنهم تجاهلوا طلبنا وتحججوا بأنهم لا يعرفون أي شيء عن هذا التواجد، خصوصاً أنه في المنطقة الحدودية، فقلنا لهم “اعتبروهم كمهربي المخدرات أو الأسلحة عبر الحدود، وأرسلوا أحداً ليعود بالإجابة”، وأكدوا أنهم سيفعلون ذلك، ولم نتلقّ أي رد. كررنا الطلب واقترحنا إرسال أشخاص للبحث معهم، فرفضوا”.

مشادة كلامية بين بندر بن سلطان وعلي لاريجاني

لكن تجاهل الطلبات ليس هو الحدث الأبرز في لقاءات المسؤولين السعوديين بنظرائهم الإيرانيين، بل تمتد إلى المشادة اللفظية والكلامية. يقول الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز عن لقاء تحول إلى مشادة كلامية بينه وبين علي لاريجاني، تحولت لتحرك سياسي رسمي، والقصة على لسان الأمير بندر هي : “في أحد اللقاءات أيضاً مع المسؤولين الإيرانيين، ومع لاريجاني مجدداً، حدث احتكاك كلامي، وكان عن حزب الله، حيث قلنا بأننا نملك دليلاً على سلوك الحزب وتدريب إيران له وعن عماد مغنية ودوره في استهداف المصالح الخليجية والسعودية، وأن مساعديه والمحيطين به هم من الحرس الثوري، وأنه وراء تفجير موكب أمير الكويت، وخطف الطائرة الكويتية وتفجير الخبر في العام 1996. ومع اشتداد الاحتكاك قال لي أثناء الشد والجذب: “يجب عليكم أن تحرصوا وتنتبهوا، أو سنثوّر العالم على السعودية”. فقلت له: “أنت ستثور العالم علينا؟ لا مشكلة لدينا، وأنا أقول لك نيابة عن السعودية تفضل ثوّر العالم وهيجه علينا، لكن سأقول لك شيئاً كي لا تدّعي بأنني لم أكن صريحا معك… مصر وتركيا وباكستان وإندونيسيا وماليزيا ومسلمو الصين والدول العربية المغاربية، كل هؤلاء سنتصل بهم ونقوم بعقد اجتماع مؤتمر لوزراء الخارجية ثم رؤساء الاستخبارات، وبعدها مؤتمر لرؤساء الأركان، وسنرى بعدها ما يحدث…” فرد لا ريجاني” “هذا تهديد؟”

وقلت له: “أنت تقول بأنك ستثوّر العالم علينا”.

وتطورت المشادة إلى فعل حقيقي، يقول الأمير بندر : عدت إلى السعودية وأخبرت الملك عبدالله بالتفاصيل، وقال لي: “يا بندرالموضوع الآن موضوع مصداقية”. فقلت له: “صحيح سيدي، أنتم من تقررون المصداقية، أنا مبعوث ومنفذ لأوامركم هذا ما حدث وهذا ما قاله لي وهذا ما قلت له”.

ويكمل الأمير بقوله : “طلب الملك عبدالله، سعود الفيصل وزير الخارجية، والأمير مقرن بن عبدالعزيز رئيس الاستخبارات آنذاك، وطلب الملك من سعود الفيصل عقد لقاء لوزراء الخارجية الذين عدّهم الأمير بندر، ووجّه الملك بعدها الحديث للأمير مقرن، وقال له: أنت أيضاً يا مقرن، اتصل بنظرائك في الدول نفسها واطلب منهم عقد اجتماع في السعودية. اجتماع رؤساء الأركان هي الخطوة الأخيرة ونرى رد فعل الإيرانيين. وبعد يوم واحد فقط من الإعلان عن العزم على عقد اجتماع لوزراء الخارجية، وجدت نفسي أتلقى اتصالاً من لاريجاني يقول “يجب أن نلتقي وأنا على استعداد لذلك فوراً”. قلت له “بالتأكيد، لكنني لست مستعداً للقائك فوراً، هذا أولاً، وثانياً يجب أن آخذ الإذن من الملك”.

ينهي الأمير بندر حديثه عن الإيرانيين بقوله، من يستطيع أن يجلب إيران للجلوس على طاولة واحدة مع السعوديين فهو يرى أن لدى السعوديين القابلية ولكن : “المهم أن يحضروا أشخاصاً لهم رأي ويستطيعون تنفيذ ما يعدون به. هذا هو المختصر للعلاقات السعودية – الإيرانية. وأعتقد أن السعودية مقصرة في مسألة إيضاح هذه التفاصيل، وبأننا بادرنا لتصحيح العلاقات دون قبول لهذا من الجانب الإيراني”.

سوريا … حافظ الأسد وبشار !

ما سبب حساسية بشار الأسد المفرطة من اسم بندر بن سلطان، والحديث المكثف في إعلام النظام السوري والقنوات التابعة لإيران في لبنان والتي يديرها حزب الله عن بندر بن سلطان؟ هكذا سألت السؤال مباشرة للأمير بندر، لكن الإجابة جاءت بعكس المتوقع، وأسهب أمين عام مجلس الأمن الوطني السابق ورئيس الاستخبارات في السعودية وسفيرها في واشنطن لأكثر من ٢٢ عاماً، ومع الإسهاب كانت التفاصيل التي تكشف عن سبب حساسية النظام السوري وحلفائه مثل حزب الله حالياً، من الأمير بندر. ضحك بسخرية بعد السؤال ثم قال :”في هذا الوقت، في بعض الدول العربية وغير العربية، عملت بشكل مقرب، وربطتني صداقات بآباء بعض الحكام الحاليين، الملك الحسن في المغرب وابنه الملك محمد السادس، الرئيس الأميركي جورج بوش الأب وبوش الابن، أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وابنه الشيخ تميم الأمير الحالي، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت منذ أن كان وزيراً للخارجية، وهذا السرد مرتبط ببشار الأسد. عرفت بشار من قبل أن يصبح شيئا، وأخاه باسل الذي توفي بحادث سيارة، وأعتقد أن رئيس النظام السوري لديه عقدة هي باسل حافظ الأسد، وما تزال موجودة حتى بعد وفاته، الفرق بين حافظ الأسد وبشار الأسد كالفرق بين السماء والأرض، الأب كان رجلاً، وهذا ولد حتى الآن، الأب كان صادقاً حتى في الخلاف معه، الولد يكذب أكثر مما يصدق، الأب كان محاطاً برجال يعتمد عليهم، الولد محاط بأناس مثله، حافظ الأسد كان عنيداً وله قدرة على الصبر ولكن يعرف الحدود، وسأعطيك مثالاً بعد قليل، بشار عنيد، ولكن لو غرزته شوكة لبكى. الأب يعرف متى يجازف ويتراجع، الولد بشار لا يعرف متى يجازف ولا متى يتراجع، ومثال على ذلك الانسحاب المذل للقوات السورية من لبنان عام 2005، رغم أن السعودية عرضت عليه قبل ذلك بأسبوع خطة توافق عليها الحكومة اللبنانية بضمانتنا، ينسحب من خلالها الجيش السوري تدريجياً إلى البقاع، ويكون هناك تجمع لهم وبعدها بشهر يصدر طلب من رئيس الجمهورية، وشكر للرئيس السوري ويخرجون بوداعٍ رسمي وبشكل لا يكون فيه ذلة للجيش السوري، ولكن بشار رفض الخطة، وحدث ما حدث”.

هناك مثل شعبي يقول: “من عرفك صغير حقرك كبير”، أول مرة سمعت بشيء اسمه بشار الأسد، كان عن طريق صديق سوري لي يريدني أن أتوسط لدى الحكومة البريطانية في الثمانينيات الميلادية، لأن هناك طبيب أعين هو ابن الرئيس حافظ الأسد يريد الحصول على دورة تخصصية في لندن، وقتها كنت أعرف حافظ الأسد، لكن لم أشاهد بشار معه إطلاقا.

ويواصل الأمير مستطرداً : “دعني أسهب أكثر، هناك مثل شعبي يقول: “من عرفك صغير حقرك كبير”، أول مرة سمعت بشيء اسمه بشار الأسد، كان عن طريق صديق سوري لي يريدني أن أتوسط لدى الحكومة البريطانية في الثمانينيات الميلادية، لأن هناك طبيب أعين هو ابن الرئيس حافظ الأسد يريد الحصول على دورة تخصصية في لندن، وقتها كنت أعرف حافظ الأسد، لكن لم أشاهد بشار معه إطلاقا. ومنذ أول رحلة لي إلى سوريا في العام 1982 تقريباً حتى وفاة حافظ الأسد، وأنا أزور سوريا مرة أو مرتين كل عام، بتكليف من الملك فهد أو في رحلة عمل، وفي آخر سنوات عملي سفيراً وكذلك حياة حافظ الأسد كثّفت زياراتي”. تحدثت فعلا مع المسؤولين البريطانيين في موضوع طبيب العيون، وقلت لهم إن منحه الموافقة لن يضرهم، بل نصحتهم أن يتعرفوا عليه، فقد يصبح يوماً من الأيام شيئاً، من يعرف. تمت الموافقة وجاء إلى لندن، هذا الموقف قبل أن يكون شيئاً إطلاقاً”.

اللقاء الأول والانطباع الأول عن بشار الأسد

ودعني أعود لصلب الموضوع، في آخر أيام حافظ الأسد بدأت حالته المرضية تسوء، وذهب إلى جنيف للقاء الرئيس الأميركي بيل كلينتون ثم عاد إلى دمشق، وتردت حالته الصحية، في جميع الاجتماعات مع حافظ الأسد لا أتذكر أنني التقيته أقل من 3 ساعات وأكثر من 7 ساعات، و 75% من الوقت هو يتحدث وأنت تستمع لماذا؟ لأنه في كل لقاء يبدأ الحديث من تاريخ الأمويين حتى يصل إلى التاريخ الحديث، ثم يبدأ موضوعك معه، وكان عاشقاً لتاريخ الأمويين ومتباهياً به. لكن في كل لقاء كان يسعد بالحديث عن الطيران، فأنا طيار سابق، وكان هو قائد لسلاح الجو حين حدث الانقلاب في سوريا وأصبح هو الرئيس. في حدود عام 1998، زرته، ولم يكن يركز بشكل جيد، وكنت مضطراً لتكرار الحديث وإعادة ما قلته له حتى يلتقط الموضوع، وانتهينا من موضوع زيارتي له، وفجأة قال لي: لم يؤلمني أكثر من رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين، وكان اغتيل وقتها. قلت له: كيف آلمك يا حافظ؟ توقعتك ستكون سعيداً. قال: لا، أنا عادة أرى الفرصة وأنتظر حتى يحين الوقت المناسب وألتقطها، هذه المرة، سبقني رابين على اقتناص الفرصة، وأنا لا أستطيع مسامحة نفسي. قلت له : كيف؟ رابين قرر أن يغيّر المعادلة، وأعطى خطاباً لوزير الخارجية الأميركي موجهاً للرئيس الأميركي يقول فيه أبلغ الأسد أنني موافق على الانسحاب من الجولان، إذا تعهد لكم أنتم لا نحن، بإعادة العلاقات وغيرها، وأحد الطلبات سحب الأسلحة الثقيلة إلى الحدود التركية، يقول حافظ الأسد: أرفض استلام الخطاب لأنه موجه لكلينتون وليس لي. رد عليه وزير الخارجية الأميركي: فخامة الرئيس فكر بالموضوع، هذا أفضل عرض قد يأتيك، رابين له شعبيته، ويستطيع تمريرها في الكنيست الإسرائيلي، والرئيس مستعد أن يأتي بنفسه ويكون الوسيط. وقال حافظ: عاندت ورفضت، وقلت إذا كان الخطاب موجهاً لي يكتبه لي لا للرئيس، قال وزير الخارجية الأميركي وقتها وارن كريستوفر بغضب: لا، لن أعود إلى تل أبيب بل إلى واشنطن. ويقول الأسد إنه لو استغل تلك الفرصة “لكان الجولان لنا، ولفتحنا سفارة لا نجعل أحد يعمل فيها لكن الفرصة ضاعت”.

وبعد الاستطراد مجدداً يعود الأمير بندر بن سلطان لصلب الموضوع ويقول : ” بعد أن أنهينا الحديث عن رابين، قال لديك وقت تبقى عندنا الليلة في سوريا؟ قلت حاضر بمَ تأمرني؟ قال أريدك أن تلتقي ابني بشار. قلت بخصوص؟ قال أريدك أن تلتقيه، الأمل فيه لكنه بحاجة لتوسيع فكره ومداركه ومعرفة العالم. تذكرت فجأة موضوع الوساطة للدراسة التخصصية في بريطانيا فسألت حافظ: أوليس هو طبيب العيون؟ قال نعم. وسأطلب من فاروق الشرع أن يحضر لقاءك ببشار”.

وبعد هذا الحديث الثنائي عن الرئيس القادم، يقول الأمير بندر : “وقتها كنا أنا وحافظ نضع على الطاولة الخارطة التي يمكن أن يعمل عليها الطرفان السوري والإسرائيلي، حتى ينتهي موضوع الجولان، وكانت الإشكالية على 300 متر من جهة بحيرة طبريا – لأن حافظ الأسد يقول أنه كان يتذكر أن أقدام الجنود السوريين في 67م كانت تلمس الماء ويضعون أقدامهم في بحيرة طبريا والآن لا يحدث ذلك، وكان الإسرائيليون يقولون أنها نفس الحدود وأن تغير وضع الماء بسبب الانحسار لا أكثر – و10 أمتار من الجهة الأخرى، يريدها الإسرائيليون مفتوحة لمرور دورياتهم، والجانب السوري يرفض ذلك، ويريد أن تمرّ الدوريات الإسرائيلية من الخارج. ويقترح الأميركيون تشكيل مجموعة دولية، مؤلفة من أميركا، بريطانيا، كندا، اليابان ودول الخليج، والعمل على مشاريع مشتركة مناصفة، لإحياء الجولان بمناطق صناعية وسياحية وغيرها، وكان الأسد متفائلاً بهذا المقترح، ولكنه كان يرفض موضوع العشرة أمتار. قلت للأسد لا تستعجل، دعنا نفكر، والملك عبدالله – كان حينها ولياً للعهد – قد يأتي لزيارتك ويبحثها معك، ثم فتح معي موضوع بشار مرة أخرى، وما أتذكره أنني التقيت حافظ الأسد أكثر من 30 مرة ولم أشاهد بشار معه”.

توبيخ حافظ الأسد لبشار بعد لقاء الأمير بندر

وعن اللقاء الأول ببشار الأسد يقول الأمير بندر : “بعد الخروج من عند حافظ الأسد، ذهبت إلى الفندق، ثم جاءني وزير الخارجية السوري فاروق الشرع وذهبنا إلى فيلا في طرف دمشق واستقبلني بشار … شاب كانت ممارسة الرياضة واضحة عليه ولم يتحدث كثيراً، قلت له: سعيد أنني التقيت بك، ومن هذا الكلام. قال لي: الرئيس بلغني. استغربت استعماله لكلمة “بلغني” وتساءلت كيف لم يستعمل كلمة أمرني، فقلت سأختبره، وكررتها بصيغة سؤال…الرئيس أمرك تشوفني؟ لم يفهمها، والتقطها فاروق الشرع وقال: نعم، الرئيس أمرني أن آتي معك لرؤية الرفيق بشار. قال بشار تفضل. وضعت الخرائط على الطاولة وفتحناها، وأخبرته بالتفاصيل التي دارت بيني وبين والده. لم أشعر أثناء اللقاء أن فاروق الشرع يعير بشار أية أهمية، أثناء شرحي لبشار تفاصيل الخرائط، ضرب – وهو ليس رئيساً بعد – على الطاولة وقال: “شو هالحكي 10 متر هون و 10 متر هون، خلصونا”. فقلت له: نخلصك من ايش؟ قال فيه حل أحسن من هيك؟ اللي عنده حل أحسن من هيك يجيبه. قلت نعم…قال من؟ قلت “أبوك”.

قاطعنا فاروق الشرع قائلاً: رفيق بشار نحكي بالموضوع بعدين، فطرده بشار: “اطلع”. وبالفعل خرج الشرع. عندها قلت له عندي لك اقتراح يا بشار، يقولون لي إنك تحب الكمبيوتر والإلكترونيات، ما رأيك أن تأتي إلى الولايات المتحدة وأستقبلك في أي مكان تحب في الساحل الغربي، وآخذك إلى شركة البوينغ ووادي السيليكون وغيرها، وبعدها نذهب إلى “آسبن” لدي مزرعة هناك ترتاح وتقضي يومين أو ثلاثة أيام فيها، ثم نعود إلى العاصمة واشنطن، وأنسق مع البيت الأبيض، إما نذهب سوياً إلى هناك، أو أدعو أحداً من البيت الأبيض ليجتمع بك في منزلي”.

وكان رد بشار حسب وصف الأمير غريباً، حيث قال له باللهجة العامية : “ليه كل هالهيصة؟ بدّن يحكوا نحكي”… رد الأمير بندر عليه : “لم استشر والدك بالمناسبة، وأفضل أن تستشيره. وإذا كنت ترى نفسك قادراً على الذهاب إلى واشنطن مباشرة سأرتب ذلك، حتى لو أردت أن أطلب منهم توجيه دعوة لك. وعدني بالرد، وخرجت بانطباع إيجابي بأنه ذكي ولماح ومباشر، وصلت الفندق وإذ بي أتلقى اتصالاً من عبدالحليم خدام نائب الرئيس وقتها، قال لي تناولت العشاء؟ قلت له لا ليس بعد، لكنني سأنزل وأتناول العشاء في بهو فندق الشيراتون، ألحّ عليّ أن آتي إلى منزله وأتناول العشاء معه، وقال لي وقتها: “لا تأخذ كلام الولد هذا”، قلت أي ولد؟ قال الولد بشار… قلت له تتجسس علينا أو عليه؟ قال لا، الرئيس وبّخه بعد الكلام الذي قاله لك، قلت له اذا كان الرئيس قد استمع إلى كل شيء لا مشكلة، لأنني في نهاية حديثي قلت له إسأل الرئيس، إذا وافق نحن سنقوم بما تريد”.

الأيام الأخيرة لحافظ الأسد وتغير سلوك بشار

يقول الأمير بندر عن آخر أيام حافظ الأسد، وتغير أسلوب بشار : “بعد ذلك بشهرين تقريباً، عدت مرة أخرى، ووجدت الرئيس متعباً أكثر، وطلب مني أن التقي بشار مرة ثانية، وفي هذه المرة لا اجتهادات أو آراء مباشرة، بل بدأ يستخدم ألفاظاً دبلوماسية. ثالث مرة جئنا مع الملك عبدالله، جئت إلى (مدينة) جدة من واشنطن ثم ذهبنا إلى سوريا، وبعد أن التقى بحافظ الأسد كان معنا الأمير سعود الفيصل والأمير مقرن، قال الملك عبدالله إن حال حافظ الأسد ليس على ما يرام، وقلت للملك نعم منذ العام الفائت وأخبرتكم بذلك”.

كل شيء تغير بعد وفاة حافظ الأسد، صعد بشار وأصبح رئيساً، وغير الدستور ليعمل لصالحه، ويقول الأمير بندر عن تلك اللحظات : “في العام 2000، كنت في واشنطن، وجاءنا خبر وفاة حافظ الأسد، استأذنت من الرياض لحضور العزاء وأُخبِرت بأن الملك عبدالله سيحضر، ورتبت نفسي لأصل إلى دمشق في توقيت متزامن أو قبل وصول الملك بساعة، وأجلس في الطائرة حتى تصل طائرة الملك”.

ويواصل الأمير حديثه : “في اليوم الثاني بعد وفاة حافظ، وصلت المطار، وتأخرت طائرة الملك عبدالله إذ كان في جدة في لقاء مع الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، بشأن اتفاقية الحدود، والتي وقعها في ذلك العام، وجاءني خبر من السعودية عن تأخير من 3 أو 4 ساعات لطائرة الملك”.

ويقول الأمير، عن هذا التأخير وكيف دفعه للقاء مباشر مع بشار دون موعد يستبق وصول ولي العهد السعودي آنذاك عبدالله بن عبدالعزيز : “وأنا جالس في الطائرة، قالوا لي إن العماد مناف طلاس عند الباب يريد رؤيتك، قلت له: تفضل، فردَّ: أهلاً بندر – وكنت قد التقيته مرة واحدة، في السيارة حيث كان بشار يقودها وهو معنا، تلبية لدعوة بشار على العشاء، وكان يريد أن يطلعني أن الوضع آمن ولا توجد حراسات، لكن أين ما تلتفت تجد حراسة سرية ورشاش الكلاشنكوف في الخلف، وحين دخلنا المطعم وقف الجميع، واستغربت وقتها بكل هذا للباس المدني والرشاشات خلف ظهورهم، وكان لدى بشار فيلا ينام فيها تقع في منعطف على اليمين قبل الوصول للقصر الرئاسي – جاء مناف وقال الرئيس، قلت الرئيس! قال نعم الرئيس بشار. وخلال وقت سفري – مسافة الطائرة – من واشنطن إلى دمشق، اجتمع حزب البعث العربي السوري وغير البنود والدستور وصوتوا عليه، وكان عمر الرئيس أقل من 40 عاماً، وأصبح بشار هو الرئيس، ووقف معه العميد مناف طلاس، وعبدالحليم خدام نائب الرئيس وقتها، واللواء غازي كنعان.”.

تفاجأ الأمير بندر كيف تم كل هذا في ساعات، ووسط المفاجأة قال له مناف طلاس : “الرئيس يريد رؤيتك”…يقول الأمير بندر : “أخبرته أنني أنتظر الملك، فقال هو يريد رؤيتك قبل رؤية الملك، وقلت لعلها خيرة وأعرف منه أمراً ما”.

ومن المطار إلى منزل الرئيس، وحين وصل الأمير وجد بشار وبدأ الحديث، يقول : “وكما يقال اذكروا محاسن موتاكم، وأثناء ذكري لمحاسن الرئيس الراحل حافظ الأسد، قاطعني بشار وقال بلهجته (ايه ايه خير)، المهم، كيف سنبدأ العمل مع الأميركيين، هل من الممكن أن تنقل لهم رسالة بأننا جاهزون… نظرت إليه وقلت له لم تدفنوا والدك حتى هذه اللحظة… أخ بشار، الملك مشغول عليك جداً، أنت متأكد؟ قال متأكد من ماذا؟ قلت له من نفسك، قال أها، تقصد الملك خائف علي، لا لا تخف… في الشهرين الماضيين، لم يعد والدي يذهب إلى المكتب فصارت تأتيني المعاملات إلى البيت، وأنا آخذها له ونوقع ما يحتاج توقيع وبعدها أعطيه للمرافق، وأذهب أنا إلى النادي للتمرين ثم أذهب للعمل”.

ويكمل الأمير سرد التفاصيل عن الساعات الأولى لتولي بشار الأسد رئاسة سوريا وقبل وصول الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز للقائه : “أجبته: طيب؟ قال: صباح أمس جئت بالأوراق و”سلّمت على ماما وأختي بشرى، وقالت أبوك متعب قليلاً، فدخلت وكان بالكاد يفتح عينه وجسست النبض واختفى النبض – أقسم الأمير فجأة أن هذا الكلام حرفياً حدث – وقلت للوالدة إنه نام، أغلقت الباب، ذهبت إلى النادي وتمرّنت، وأخبرت ماهر الأسد ومناف طلاس بخطة لضبط الأمن، وطلبت منهم أن يغلقوا منافذ دمشق بالدبابات، وجاءت مجموعات أمنية، وأتوا بـ 10 عمادات مع قادة المناطق ودخلت عليهم وقاموا بإلقاء التحية وبعضهم يترحم، وقلت لهم: اششش … أنت ستغادر غداً، وأنت هذه السنة الأخيرة لك، أنت ستبقى، ما سمعته على لسانك عني أعجبني، أنت سأقطع لسانك … أنت أخذت كم مليون دولار حنحاسبك وأنت كذا وكذا….. وبدأ بشار بتوزيع الـ “أنت” وبعدها ما سيفعله بكل عماد والعماد هو أعلى رتبة عسكرية، ومن هول الصدمة من سرد بشار لكل هذه التفاصيل وهو لم يدفن والده بعد سألته مرة أخرى :هل تضمن بأن القوات المسلحة معك؟ قال نعم، من هي القوات المسلحة، هذه كل القوات المسلحة، القيادات التي أتيت بها، استغربت وقلت في نفسي بالعامية “عز الله الجولان لن يتحرر ما دامت هذه قيادات الجيش”.

ويقول الأمير إنه كان بمفرده مع الرئيس بشار الأسد فقط، ومناف طلاس ينتظر في الخارج. وقال له بشار: بندر الناس تتوقع يدي مخملية، هي مخملية وتحتها حديد”.

وصول الملك عبدالله إلى دمشق والحديث الأول مع بشار الرئيس

وقبل ساعات من وصول الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكان ولياً للعهد آنذاك، يواصل بشار الأسد حديثه عن الساعات الأخيرة لحياة والده وكيف استطاع بشار كسب رضى الجيش وتغيير التفاصيل لتعمل لصالحه، لكن الأمير بندر كان على عجلة من أمره. يريد العودة للمطار، واستقبال الملك عبدالله، وإخباره بما حدث، ومرافقته للعزاء رسمياً وقبل أن تنتهي الجلسة قال بشار : “تعرف؟ الملك عبدالله مثل والدي وأحياناً لا أستطيع أن أعبّر عن شعوري أمامه أو أن أناقشه بشيء. أود منك أن تعطيه موجزاً وتطمئنه بأن الأمور تسير بشكل جيد والوضع مطمئن. عدت إلى الطائرة، انتظرت طائرة الملك، ووصلت ونزل منها، وإذ ببشار الأسد في المطار يستقبله، لم تتسنّ لي فرصة التحدّث إلى الملك وإخباره بما حدث. دخل الملك عبدالله مع بشار الأسد المجلس، ومعه ممن أذكر، الأمير مقرن بن عبدالعزيز والأمير سعود الفيصل و الدكتور غازي القصيبي. وبعد قليل قال الملك عبدالله لبشار دعنا نتحدث على انفراد، وأسرع الملك باتجاهٍ معين ظن أنه باب يؤدي إلى مكتب، وحين فتحه وجدها غرفة نوم الضيف، فقال ألا يوجد مكتب هنا؟ قال بشار: كيف لا يا جلالة الملك، المكتب من الجهة الثانية. قال الملك تعال أنت مثل ولدي ودخلا، وأجلَس الملك بشار على كرسي أمامه وبدأ الحديث وبنكتة من هنا وهنا، وامتد الحديث إلى قرابة الساعة، حوالي 45 دقيقة. أخبرت الأمراء مقرن وسعود الفيصل وكذلك غازي القصيبي بما حدث، قال غازي القصيبي لم لم تخبر الملك؟ قلت له شاهدتم ما حدث. ثم التفت إلي الأمير سعود الفيصل وقال أخبرهم”.

لم يكن الأمير بندر يتوقع أن يأتي بشار لاستقبال الملك عبدالله في المطار وترك العزاء، وهذا ما قطع الفرصة عليه ليمهد للملك عن المحادثة التي حدثت، وهي سبب إصرار الوزيرين الراحلين: الفيصل والقصيبي على الأمير بندر بإخبار الملك. يقول الأمير عن تلك اللحظة : “انتظرنا حتى خرج الملك، وأصر بشار على توديعه، خرج الملك، وأسرعت إليه وقلت له إنني تحدثت معه قبل وصولكم، ولم تسنح الفرصة لإخبارك. قال الملك: “هذا غليّم ما يعرف يحكي، أقول لك هذا ما يعرف يحكي سألته من عندك من الرجال والمستشارين، ما يعرف يحكي، سوريا تهمنا، ما نبغاها تسقط”.

في الجزء الثاني من حوار الأمير بندر بن سلطان :

– الملك عبدالله يمدد إقامته في دمشق بعد انطباعه عن عدم قدرة بشار على إدارة الأمور، ويطلب من وزيرة الخارجية الأميركية تمديد إقامتها في سوريا ولقاء بشار بشكل رسمي بعيداً عن مراسم العزاء.

– بشار أرسل ابن خاله من عائلة مخلوف ليتوسط في ترسية عقد مشروع للدفاع على شركة فرنسية، وعلم الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع السعودي وقتها وغضب وطلب شطب الشركة من قائمة المتقدمين.

– بدأ بشار ينقلب على السعودية وزار إيران، ويتعامل ببرود مع الرياض.

– السوريون هم من منع ياسر عرفات من حضور القمة العربية في بيروت، وكان عرفات سيلقي خطاباً متلفزاً وأمروا إيميل لحود أن يقطع البحث في حال ألقى الكلمة.

– قصة شتم بشار الأسد للرئيس اللبناني الراحل رفيق الحريري، وكيف حذر الملك عبدالله الأسد من المساس برفيق.

– حرج دبلوماسي بين الرياض وباريس بعد خديعة قام بها بشار تتعلق بالمطلوبين في قضية اغتيال الحريري. (الاندبندنت عربية)

 

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com