فيلادلفيا نيوز
كغيرها من القطاعات، تشهد انظمة العدالة عالميا تحولات جذرية. حيث لم تعد النظم التقليدية تلبي الاحتياجات المستجدة من ناحية السرعة والتكامل. و مع كل ما نراه من تكنولوجيا هائلة و مبهره، فان مستقبل العدالة لا يكمن في استبدال الانسان بالبرامج و الالات، بل في توظيف هذه التكنولوجيا لتمكينهم من تحويل نظام العدالة من هيكل بيروقراطي إلى منظومات رقمية شفافة و مرنة و متاحة لكافة شرائح المجتمع مما يعزز العدالة و يدعم التنمية الحقيقية بكافة اشكالها و يرفع من جودة الحياة.
يتجه القضاء حول العالم بسرعة نحو الرقمنة المتكالمة. من إدارة الملفات الإلكترونية، الى التقاضي الكامل عن بعد، مما يضمن ليس فقط توفير الوقت و الجهد بل ايضا وصول العدالة للجميع و بفعالية. و يمكن اليوم للذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات، و على راسها الحالات السابقة، وجميع القوانين ذات الصلة، والمستندات بكافة انواعها. في بعض دول العالم، تستخدم هذه الانظة حاليا في دعم الاجراءات القضائية، و ايضا في تقديم تنبؤات دقيقة حول نتائج القضايا بناءً على تحليل سابقاتها. يساعد كل ذلك القضاة والمحامين على اتخاذ قرارات اكثر استنارة. وفي حالات معينة، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في حل النزاعات تلقائيًا، مع ضمان مراجعة العنصر البشري لها بشكل سريع للتأكد من ملائمتها.
و مع كل ما سبق، فأن الدور الذي يقوم به المحامي سبتغير تدريجيا حتى يصبح كمستشار استراتيجي و مهندس قانوني اذا جاز التعبير، لان الانظمة الحديثة ستقوم بالمهام التي تستنزف وقت المحامين مثل مراجعة العقود و الملفات، تجميع و تحليل الادلة. ستمنح هذه التطورات الوقت للمحامي لبناء علاقات اوثق مع الموكلين و فهم اعمق لاحتياجاتهم، كذلك رفع القدرة على صياغة استرتيجيات قانونية متطورة و ناجحة. و قد يؤدي كل ذلك الى كفاءة و شفافية اكبر في احتساب الاتعاب و الرسوم و كافة التكاليف ذات الصلة.
و مع هذا التطور المرغوب فلا بد الى الانتباه الى المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها الانظمة القضائية الجديدة من ناحية الامن السيبراني و احتمال اختراق النظام من قبل جهات جرمية مما يعرض البيانات الى التلاعب و وضع مصالح الناس و الحكومات في خطر. و هذه الانظمة المتطورة قد لا تضمن ايضا بالحد المأمول خصوصية الموكلين و المدعين و قد لا تحافظ بشكل تام على اسرارهم الشخصية او التجارية.
ان مستقبل المحاكم والمحاماة في جوهره هو اعادة تعريف لاجراءات العدالة و ليس مسألة تقنية بحتة، لان التكنولوجيا هي وسيلة وليست غاية. ستنجح التكنولوجيا ليس بتوفير الوقت و الجهد فقط، بل بما هو اهم من ذلك بكثير. التكنولوجيا المطلوبة هي التي تساعد نظام العدالة على ان يكون أكثر فعالية، وشفافية، وشمولية، لا بل و اكثر انسانية.
