فيلادلفيا نيوز
نشر رئيس الديوان الملكي السابق الدكتور فايز الطروانة مقالا تحدث فيه عن الفترة التي رافق بها جلالة الملك عبدالله الثاني الحسين، مبينا ان بعد أعوام ثلاثة ستحتفل هذه الدولة الأردنية بعيدها المئوي باذن االله، ولو كانت تخضع لإملاءات تصوغها أجندات غير أردنية لما بقي بلدنا ليومنا هذا يتمتع بهذا القدر من الاستقرار والامن والانجاز على الأرض. ترسخت مؤسسات الأردن ودستوره
وأصبح دولة عميقة يشار اليها بالبنان.
وتاليا نص المقال:
بعد أن أكرمني مولاي حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبداالله الثاني ابن الحسين، حفظه االله وأدام ملكه وأمضيت بمعيته حوالي ثماني سنوات وسبعة أشهر رئيساً لديوانه الملكي الهاشمي العامر على مدى حكمه المديد باذن االله، ومر بنا الهين والصعب، والحلو والمر، والخفيف والشديد، تبين لي بوضوح الكثير الكثير من الصفات لهذا القائد الفذ
والتي جعلته يسمو إلى انسانيته. رافقته، حفظه االله، في الداخل الأردني مع رجال الحكم العاملين والسابقين وقادة جيشه وأجهزته الأمنية ومنتسبيهم والأردنيين في مضاربهم كافة، وفي الخارج بمؤتمرات قمة العرب والمسلمين وهيئة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وقادة دول العالم المؤثرين والاقل شأناً ومراكز الاعلام والفكر.
كان جلالة الملك عبد االله الثاني دائماً منسجماً مع نفسه ومعتقده وشخصيته وأردنيته وعروبته وإسلامه، لا يحيد عن أن الشأن الأردني لا يعلو عليه شأن، وفي حله وترحاله كان على الدوام موضع ترحيب واحترام على مدى العالم الارحب.
أنا على ثقة تامة بأن السواد الأعظم من الأردنيين يعرفون العديد من صفات الطيب التي يتحلى بها ملك البلاد وخاصة بعد ان شارف على العشرين عاماً لاعتلاء العرش.
وما هذه العجالة إلا من شاهد عليها مع القناعة الأكيدة بأن سيد البلاد ليس بحاحة لشهادتي أو لأي مكان لكنها كلمة حق موجهة الى القلة الذين لا يعرفونه، أو آثروا أن لا يعرفوه ابتغاء الضلالة وطمس الحقائق.
1 .لنبدأ بالصفة الأهم والتي ترتقي الى درجة القدسية وهي المواطنة الحقة التي تفرض الولاء المطلق للوطن الى درجة إنكار الذات من أجل الوطن. هذا كتاب مقدس لا يعلوه في قدسيته إلا كتاب االله جل جلاله… وما كان «الأردن أولاً» الذي أطلقه جلالة سيدنا في أوائل عهده شعاراً أو كلمة رومانسية يراد بها شعبية وإنما النجم الذي يهدي الناس سواء السبيل ويهدي الوطن الى غاياته.
موقع الأردن الجيو سياسي صعب للغاية. فهو في قلب الوطن العربي المحتدم والشرق الأدنى المتوتر والمنطقة التي تتصارع فيها القوى الإقليمية والدولية كل حسب مصلحته. فلا غرابة أن يتعرض الأردن وباستمرار للكثير من الاغراءات والتهديدات والمساومات من الاجندات الإقليمية والدولية التي يمكن لبعضها اذا بقيت دون مواجهة أو براعة دبلوماسية، أن تضر بتاريخ هذا البلد ومصالحه وإنجازاته ومبادئه. إلا أن الصفة الوطنية المترسخة في وجدان الملك عبداالله الثاني، والموروثة عن أبيه وأجداده، والممتدة الى الأردني بشكل جارف سدت كل مواقع الاختراقات المحتملة. حافظ الأردن على استقلاله دون تبعية، لا إقليمية ولا دولية، وكنت أسمع مراراً من سيدنا قوله « الأهم من الاستقلال هو الحفاظ عليه»… والمملكة استقلت عام 1946م وحافظت على استقلالها.
وبعد أعوام ثلاثة ستحتفل هذه الدولة الأردنية بعيدها المئوي باذن االله، ولو كانت تخضع لإملاءات تصوغها أجندات غير أردنية لما بقي بلدنا ليومنا هذا يتمتع بهذا القدر من الاستقرار والامن والانجاز على الأرض. ترسخت بحمد االله مؤسسات الأردن ودستوره وأصبح دولة عميقة يشار اليها بالبنان.
والأمثلة كثيرة وأهمها السنوات الثماني العجاف والتي لا تزال دائرة من حولنا حتى الجنون. لم يزج جلالة الملك عبداالله الثاني بلدنا بأي شأن قطري داخلي أو صراع إقليمي/ دولي في الأقطار المحتدمة من وطننا العربي بالرغم من الضغوطات أحياناً والمغريات أحياناً أخرى، إلا اللهم مقتضيات الدفاع عن النفس المتمثلة بحماية حدود الوطن الاغر والمواطن الأردني بقرار وطني وسواعد أردنية. لم ينجُ الكثيرون من حولنا من هذه الضغوطات والبعض لم يقاوم الانفعال بالتعامل مع الاحداث، إلا أن إصرار سيد البلاد على الاستقلال والأردن أولاً أبقى الوطن منيعاً عزيز الجانب، ويحظى بالاحترام من الدول التي حاولت ذات مرة الضغط عليه.
وفي زمن الحروب الباردة فالدول التي لا تضطلع بدور ما تصبح هامشية وعرضة للتسويات على حسابها. أدرك جلالة سيدنا هذه الحقيقة ووضع الأردن على خريطة الاعتدال وأصبحت هويته إقامة السلام وحفظ السلام، ثم تحدى المتطرفين الخوارج الخارجين عن الدين الحنيف وأصبحنا جزءاً رئيسياً من الحرب الدولية على الإرهاب،
وبالتحديد، حماية حدود الأردن الممتدة بقدرة الجيش العربي الأردني المتين وبالعمليات الاستخباراتية وبخاصة عمليات دائرة المخابرات العامة المحترمة وبالأجهزة الأمنية الداخلية اليقظة وبوعي الأردنيين الغيارى على وطنهم في تعقب ومداهمة الخلايا النائمة. أما سياسيا ودبلوماسياً فأبقى الملك على علاقات متينة مع الشرق والغرب. بهذا أصبح الأردن مهماً للعالم يتعدى حدوده الجغرافية وبهويته بعيداً عن التسويات على حسابه ودون تبعية لاحد.
2 .وصفة الشجاعة في مليكنا واضحة للعيان وأول من عرفها رفاق السلاح من منتسبي القوات المسلحة الباسلة، ثم من بعدهم رجالات السياسة الذين شهدوا جولاته وصولاته في المحافل العربية والإقليمية والدولية وأمام قادة القوى المختلفة.
والحديث هنا يطول وباختصار تتجلى شجاعته بالدفاع عن الشؤون الأردنية والقضية الفلسطينية والوجه الإسلامي السمح. ولعل أهم مثال على شجاعة الملك أنه أخذ على عاتقه، كهاشمي حر، الوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وبالتحديد الحرم الشريف في البلدة القديمة من القدس الشريف في خضم « الربيع العربي» واختلاط الأوراق الإقليمية والدولية في منطقتنا، وتدني الاهتمام العربي والدولي بالقضية الفلسطينية، والوهن العربي والغموض الذي يكتنف مستقبل منطقتنا، والغطرسة الإسرائيلية في فلسطين، واللأبالية الأميركية بنتائج نقل سفارتها واسطورة صفقة القرن.
3 .أما صفة التواضع والأدب الجم فهي بارزة بشكل واضح في الهاشميين بشكل عام، وفي ملوكنا بشكل خاص. الملك عبد االله الثاني ابن الحسين شديد التواضع ويتحلى بأدب رفيع. لا يلجأ لإحراج أحد حفظاً للكرامة ويعالج المواقف المحرجة بالتروي دون انفعال الى أن تنجلي الأمور فيحكم عليها بالعدل. لا يسقط غضبه على الاخرين وهو مستمع جيد لمن يتحدث أمامه ويقبل الرأي الاخر حتى لو كان مغايراً لرأيه اذا رأى فيه وجاهة.