فيلادلفيا نيوز
في زمنٍ صار فيه الخبر يُولد من ضغطة، والصورة تُصاغ من شائعة، امتلأت فضاءات الإنترنت بمواقعٍ إخبارية تدعي الصدق و المهنية لكنها تمارس الكذب والدجل .
مواقع تُشبه صخب الأسواق ، حيث ترتفع الأصوات لجذب المارة لا لإقناع العقول، وحيث يُباع الوهم في غلافٍ من الإثارة.
لم تعد هذه المنصات تبحث عن الحقيقة، بل عن “الترند” وعن المال واصبحت وسيلة للصراع بين ذوي النفوذ والمال والباحثين عن الشهرة
لا يهم إن كان الخبر كاذبًا، ما دام يجلب النقرات، ولا بأس أن تُقتل سمعة أحدهم في سبيل الإعلان القادم.
الأخبار فيها تُفصَّل كما تُفصَّل الدعاية التجارية، تُختلق عناوين صادمة لا تعبّر عن المضمون، تُضخَّم التوافه، ويُهمل الجوهر .
تجد فيها من يملأ الصفحات بقصص لا تمتّ إلى الواقع بصلة، أو بتحليلاتٍ سطحية لا تتجاوز ظاهر الحدث، فيتحول القارئ إلى متلقٍّ خامل، يتغذّى على الفضول لا على الفهم، وعلى الضجيج لا على المعرفة.
هذه المواقع لا تخدم الوعي العام، بل تسرق انتباهه.
تجعل من القضايا الجادة نادرة الظهور، ومن التافه مادةً يومية، حتى أصبح الناس يخافون الصمت أكثر مما يخافون الجهل. إنّها تصنع جمهورًا لا يفكّر، بل “يشارك” و”يعجب” ويمضي.
إن أخطر ما في هذه المواقع ليس محتواها فقط، بل أثرها التراكمي في إضعاف الذوق الإعلامي والأدبي والأخلاقي ، وتشويه مفهوم الحقيقة. فهي تُلبس الكذب ثوب “السرعة”، وتُزيّن التفاهة بعبارة “عاجل”.
لقد آن الأوان أن نرتّب علاقتنا بالإعلام الرقمي، وأن نعيد لأنفسنا حقّنا في “الاختيار الواعي”. فالعقل الذي يقرأ بلا تمييز، كمن يشرب من كل نبع، حتى لو كان ملوّثًا.
إنّ مسؤولية القارئ اليوم لا تقلّ عن مسؤولية الكاتب؛ فالعصر الرقمي لا يرحم الغافلين، ومن لا ينتبه لما يستهلكه من أخبار، يُساق من حيث لا يدري إلى جهلٍ مدوي
إن أخطر ما تصنعه المواقع الإخبارية التافهة ليس فقط تضليل الناس، بل قتل الإحساس بقيمة الحقيقة. حين يصبح الكذب مألوفًا، والمبالغة مادة يومية، تفقد الكلمة هيبتها، ويبهت معنى الصدق في الوعي العام.
إن مسؤوليتنا ليست في محاربة هذه المواقع فحسب، بل في رفض أن نكون وقودها. فكل نقرة غير واعية، وكل مشاركة عابرة، تمدّها بالحياة.
فلنُعد احترامنا للخبر، ولنمنح عقولنا حقها في الاختيار، لأن الوعي هو آخر حصون الإنسان في زمن الضجيج.
فيلادلفيا نيوز نجعل الخبر مبتدأ