فيلادلفيا نيوز
شارك في الحفل كل من الأكاديميين: الدكتورة المؤرخة هند أبو الشعر، الروائي سامر المجالي، الناقد د. عماد الضمور، وقدم رمضان الرواشدة شهادة إبداعية حول أعماله الروائية.
من جانبه قال الناقد د. عماد الضمور: “إن الرواشدة يمارس في روايته “حَكي القرايا” مقاربة مهمة لدور الرواية الشفوية في إذكاء المخيلة الروائية من خلال لعبة سردية استمد أحداثها من روايات شفوية وأحداث تاريخية وقعت خلال حقبة زمنية ممتدة من تاريخ الأردن، تبدأ من العام 1834، وتنتهي بقيام إمارة شرقي الأردن العام 1921. وهي مرحلة تاريخية تنوعت أخبارها ما بين التوثيق والرواية الشفوية، إذ تحرك رمضان الرواشدة ببراعة فنية، لينتج الحكاية برؤى الفن، وتجلياته الفكرية العميقة”.
وأشار الضمور إلى أن إبداع الرواشدة الحقيقي بدأ منذ طفولته الأولى عندما اعتلى قمة قلعة الشوبك التاريخية، وأطل منها بقلب العاشق على وطنه المكتنز بالحضارة والعمران والتاريخ العابق بالتضحيات، ومن هذه القلعة الحصينة تشكل وعي الرواشدة الوطني وجموحه القومي مستحضرا حصار صلاح الدين الأيوبي لهذه القلعة (567هـ)، وهو في طريقه لتحقيق النصر الخالد في معركة حطين، حيث فلسطين الحبيبة التي لم تغب عن إبداع رمضان في أعماله الروائية كافة.
ثم تحدث الضمور عن هوية المرأة الثقافية في ظل مجتمع ذكوري، قائلا: “تبدو صورة المرأة الأردنية في الرواية أكثر إشراقًا، ومبعث فخر واعتزاز، كما في نموذج عليا الضمور وفاطمة زوجة منصور الأعمى ومريم زوجة راشد، إذ تكشف أحداث الرواية على استشارة الرجال لزوجاتهم في أهم القضايا، وهن وقت الحرب يقفن إلى جانب رجال القبيلة يمارسن دورهن في تقديم الرعاية الطبية والمساندة، إضافة إلى صورتهن الموروثة منذ القدم وهي تحفيز المقاتلين على الثأر والدفاع عن القبيلة ليبقى رد عليا الضمور مزلزلاً على رغبة الأتراك بحرق ولديها السيد وعلي بقولها المنية ولا الدنية. نعثر على الأماكن الأردنية: الشوبك، الكرك، الطفيلة، عجلون، وعي، كثربا وسيل الحسينية….إلخ، وكأنها نماذج راسخة للأردن العظيم القوي المتماسك”.
وخلص الضمور إلى أن رواية “حكي القرايا”، تبقى شاهدة على قيم القبيلة وقانونها القاسي المتجسد في الثأر، وتماسكها عند تعرضها للخطر، فالرواية ملحمة بطولة، وقصص من الفداء والنخوة العربية، ووحدة الدم الأردني الفلسطيني، ويبقى الرواشدة صاحب روح وطنية متقدة، تجسدت في موضوعات رواياته التي تناولت جوانب مهمة من الحياة الإنسانية والاجتماعية والوطنية، المنطلقة من رؤى فكرية عميقة تعكس مدى التزامه الصادق تجاه الإنسان والمجتمع والوطن.
من جابنه قال الروائي سامر المجالي: “إنه يمكن لنا أن نرى من زاوية السريالية وملامحها التي تجسدت في رواية “الحمراوي”، حيث ظلمت السريالية كثيرا، بسيادة مفهوم الغموض عند الناس كمعنى لها”، لافتا إلى أن الرواشدة لديه سؤال يتجدد دائما في محاولة منه عبر السريالية إلى أن يخاطب الحواس وما وراء الأشياء، حيث السمات التقليدية يبدو أنها لم تشبع روح الكاتب، ومن هنا تستعصي اللغة، إما اتساع الرؤية، أو ضيق اللغة”.
ونوه المجالي إلى أن أسلوب الرواشدة في الانتقال من أسلوب المتكلم إلى أسلوب الغائب، في محاسبة نفسه، في مجمل أعماله، كما في رواية “جنوبي”، واعترافه أمام القارئ بأن هذا قرار حكيم وذاك غير حكيم، وهكذا، لافتا إلى أن رواية “حكي القرايا”، قل فيها المنسوب الصوفي وبرز فيها مشروع الرواشدة بشكل واضح.
من جانبها، قالت المؤرخة الدكتورة هند أبو الشعر: “إن الرواشدة كتب القصة القصيرة، لكنه سرعان ما وجد تجربته الحياتية والسياسية تتجلى بشكل أوسع من القصة القصيرة، وصارت الرواية هي ملعبه الذي تركض فيه خيوله الروائية وتتجلى، ولا حاجة بنا لاستعراض تجربته الروائية، فهو معروف على الساحتين المحلية والعربية، وأعماله الروائية وضعته في موقع متقدم في زمن مبكر من تجربته، عندما فازت روايته (الحمراوي)، بجائزة نجيب محفوظ في القاهرة العام 1994”.
وأشارت أبو الشعر إلى أن الرواشدة نجح في روايته، باختيار عنوان دال، انتزعه من تراثنا من قلب مضافات أجدادنا الذين كانوا يقولون في الزمن العصملي “حكي القرايا مش مثل حكي السرايا”، وكأنه بهذا الاختيار وضع عتبة ذكية للنص، ففهم القارئ طبيعة النص الروائي الذي سيدخله.
وخلصت أبو الشعر إلى أن صاحب روايتي “الحمراوي”، “المهطوان”، تفوق على نفسه وجدد، وقدم رواية حميمة من قلب المكان وفي إطار زمان متداخل، واستحضر الماضي بطريقة ذكية، ومزج المكان بالزمان في حركات الشخصيات الحية، التي أقنعتنا بأن ما يحدث حقيقيا، حتى أنه أقنعني أحيانا بأن ما أورده حقيقة، وجعلني أتأكد من صدق الأسماء والأماكن، هذا تاريخ رمضان الرواشدة الخاص الذي استند إلى مرويات المكان، ولك أن تصدق أنني لم أترك الرواية من يدي حتى انتهيت منها بشغف حقيقي، وهذا هو المعيار الجميل لنجاحها وحميميتها، إنها رواية القرايا الذين نحس بأن أهاليها هم نحن.
وفي نهاية الحفل قال الروائي رمضان الرواشدة: “إن رواية حكي القرايا، تختلف كثيرا عما سبقها من روايات كانت حصيلة تجاربَ شخصية أو حياتية أو غيرية، وحتى طريقة الكتابة والسرد اختلفت كثيراً، كما كنت خائفاً وحائراً في آن معاً، أن يفهمني القارئ وحتى الناقد، أو يصنفونني في خانة التاريخ أو التأريخ، وأنا لم أطرح نفسي أبدا كاتباً للتاريخِ الأردنيّ، فهو مهمة ينشغل بها الأكاديميون والمؤرخون، لكن هناك خيط بسيط، وربما واه بين التاريخ والسردِ الروائي، وهو أمر يشكل على كثير من الأفراد”.
وأوضح الرواشدة أن رواية “حكي القرايا”، هي رواية تخييل أدبيّ، استفادت من بعض الأحداث التاريخية والمرويات الشفوية، ووظفتها بطريقة روائية بعيدة جداً عن فهمها كتاريخ لمنطقة الجنوب الأردنيّ في أواخر فترة الدولة العثمانية، إلى بداية تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، وربما عندما يقارن النقاد والقراء بين التاريخ والرواية، سيجدون أن الرواية تتحدث عن ماورائيات الأحداث الحقيقية، وأن خيال الكاتب نسج منها حكاية سردية مختلفة جدا.