الأحد , ديسمبر 22 2024 | 1:07 م
الرئيسية / من هنا وهناك / الحي الثقافي في الدوحة “كتارا”.. قلب الخليج النابض بالابداع

الحي الثقافي في الدوحة “كتارا”.. قلب الخليج النابض بالابداع

فيلادلفيا نيوز

احمد الطراونة

الحي الثقافي الذي يمسك ناصية بحر العرب، ويطل على خليجه الهادر، بات يرسم قصة الثقافة في منطقة لم تعد تخفي حقدها على المشروع الثقافي العربي الذي بدأ يهزل في مواجهة المشاريع الثقافية المحيطة، ليصبح هذا الحي العريق في حضوره بوصلة ثقافية تؤشر بلا تردد على اهمية التفرد والحضور ليستمر البناء الثقافي عموديا وافقيا، وتجتاز الأمة محنتها السياسية التي فخخت كل العقول العربية بما هو قابل للانفجار في اي لحظة بعيدا عن الوعي واستسلاما لمسلمات السياسة التي تسيطر على كل شيء.

 

يسعى الحي الثقافي “كتارا” الذي يقع في الدوحة، إلى تعزيز الحركة الثقافية في قطر ودعم الطاقات الإبداعية عبر مختلف مرافقه ومبانيه، إضافة إلى أنه يمثل ملتقى لجميع المثقفين والفنانين، ومركزاً لتعزيز الوعي الثقافي عبر المهرجانات، والمعارض، والندوات، والحفلات الموسيقية، وكل أشكال التعبير الفني في العالم.

 

“كتارا” اليوم مؤسسة ثقافية راسخة الجذور تؤكد على أهمية الثقافة وتقدم نماذج من الحضارات الإنسانية عبر تنوع الفعاليات التي تسهم في تلوين وتشكيل فضاء المحبة والسلام وتكريس الحضور الإنساني لقرية باتت تمثل محط رهان دولة، لحيازة الأفضلية وقصب السبق في المحفل الابداعي العربي والعالمي.

 

تعود “كتارا” في جذور تسميتها الى جذور حضورها الفعلي في المشهد الانساني القديم وصولا الى الحالة الابداعية المتجددة لهذه المنطقة، حيث ظهر هذا الاسم للمرة الأولى في خرائط كلوديوس بطليموس عام 150م والتي صدرت عام 882 هـ-1477 م، وبعد ذلك في أطلس تاريخ الإسلام، حيث حدّدت الخرائط شعوب شبه الجزيرة العربية في منتصف القرن الثاني الميلادي، كما حدّدت موقع قطر الجغرافي تحت اسم “Catara” “كتارا”، ثم ظهر بعد ذلك في الخرائط الجغرافية والتاريخية في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي، وفي خريطة فرنسية لساحل شبه الجزيرة العربية وللبحر والخليج، حيث كُتب اسم كتارا على شكل Katara بدلاً من Catara .

 

الحي الثقافي الذي يمسك ناصية بحر العرب، ويطل على خليجه الهادر، بات يرسم قصة الثقافة في منطقة لم تعد تخفي حقدها على المشروع الثقافي العربي الذي بدأ يهزل في مواجهة المشاريع الثقافية المحيطة، ليصبح هذا الحي العريق في حضوره بوصلة ثقافية تؤشر بلا تردد على اهمية التفرد والحضور ليستمر البناء الثقافي عموديا وافقيا، وتجتاز الأمة محنتها السياسية التي فخخت كل العقول العربية بما هو قابل للانفجار في اي لحظة بعيدا عن الوعي واستسلاما لمسلمات السياسة التي تسيطر على كل شيء.

 

تدرك النخب العربية وخاصة الثقافية منها ان الثقافة هي حصان الرهان الاخير لجبر كسور هذه الامة التي تهشمت صورتها، وانها هي الوحيدة اي الثقافة، القادرة على ان تقفز فوق كل ما تعتبره السياسة مسلمات لا مفر منها، لذلك جاء هذا الحي برسائل غاية في الاهمية، وتقفز فوق كل الضغائن المجردة من الوعي والغارقة في فعل التفرقة والتخويف والارتهان للغير، جاء هذا الحي ليقفز فوق ذلك كله، ويرسم طريقا ثقافيا ناجزا في عقول من وضعوا استراتيجته ويقدم نموذجا جديدا في التعاطي مع المشروع الثقافي العربي ومحاولة التأسيس له على قواعد ثابتة تبدأ من الفن والابداع وتكريسهما في حياتنا اليومية.

كتارا اليوم بكل شفافية تقدم نموذجا في السرد العربي وتؤكد من جديد انها حاضنة للثقافة من خلال جائزة كتارا للرواية العربية والتي بدأت تترسخ كفعل ناجز يدافع عن نفسه وسط هذا الهشيم من الجوائز العابرة للذاكرة وغير القادرة على خلق اي نوع من الدفع باتجاه تطوير وبناء مشروع واضح المعالم، فكانت كتارا للرواية العربية مشروعا يسير ببطء وثقة لكنه يسبق العديد من مشاريع الجوائز التي نمت كالفطر على سيقان الابداع الحقيقي.

ولعل اهتمام الحي بالثقافة الاسلامية الاصيلة ودورها في اعادة تمكين الجذور واستنباتها من جديد لايجاد ثمر اكثر نضجا ونضارة اسهمت كتارا في ايجاد حالة من الحراك الثقافي الشعري يلتف حول عنوان واضح هو مدح رسول الله عليه السلام.

خاتم الانبياء الذي يترفع عن المدح، كان محور رسالة واضحة المعالم مفادها ان مدح رسول الله عليه السلام هو عودة طوعية واستزادة محببة وانتقاء فريد من قصة فريدة لسيد الانبياء، ودعوة واضحة للرجوع الى سنة وسيرة هذا العظيم، فحازت جائزة الرسول قصب السبق في هذا المضمار العظيم، واعادة الالق والحب والبحث من قبل الشعراء ليسد الانبياء عليه السلام.

 

كل هذا وغيره من مئات الانشطة الثقافية والشعرية والفنية والتشكيلية والموسيقية والابداعية المختلفة لم تكن لولا توفر بنية تحتية قادرة على استيعاب هذا المشروع والنهوض به، فنقشت على شرفات البحر وشواطئه مسارح وقاعات واماكن ثقافية غاية في الجمال، وعلى طراز بنائي عروبي اسلامي فريد من نوعه لتشكل حالة نفسية جاذبة واسرة لكل من يزور هذا الحي او يسمع به، فهنالك المسرح المكشوف، مسرح دراما، استديوهات كتارا للفن، قاعة كتارا، جامع كتارا الكبير، اكاديمية قطر للموسيقى، المركز الثقافي للطفولة، اوكسترا قطر، مركز بداية جمعية القناص القطرية، المتحف العربي للطوابع، مركز الفنون البصرية، هيئة متاحف قطر، منتدى العلاقات العربية والدولية، مؤسسة الدوحة للافلام، اذاعة صوت الخليج، مركز كتارا للفن، الجمعية القطرية للفنون التشكيلية، الجمعية القطرية للتصوير الضوئي، مجلة بروق، مجلس الشعراء، وغيرها الكثير مما يثير في النفس نوازع البقاء في هذا الحي والركون اليه.

المدير العام لـ”كتارا” خالد بن إبرهيم السليطي، والمشرف العام على جائزة كتارا للرواية ولشاعر الرسول وغيرها من الانشطة السيد خالد السيد، وغيرهم ممن التقينا في كتارا، يبحثون عن التميز والمنافسة والبقاء في ساحة ثقافية لم تعد تمدح الا المتفوق ومن يقدم فكرة جديدة في هذا العالم المتسارع الخطا.

ولأن الأدب نجاة البشرية من مآسيها، والسياسة والحروب موت ما تبقّى من الخير والجمال فأن كتارا ادركت بعمق مدى ذلك فعكست ارث الامة وتاريخها من خلال القفز على كل الجراح، واستقدمت كل الاخوة العرب في مشاهد ثقافية ابداعية وسط ارثها المعماري والهندسي لتشكل مشهد من مشاهد الامة العريقة في ثقافتها وحضورها وتنوعها، وتعزز في ابناء الوطن القطري الحضور البهي والواعي في المحافل العربية والعالمية وتسمح له بالاطلاع على تراثه وتاريخه من خلال المعلم الثقافي والحضاري العالمي الذي يستقطب ويجمع على أرضه مختلف الفعاليات والأنشطة، ليضع بصمته الواضحة والجلية على خارطة السياحة التراثية المحلية والعالمية.

ان الحي الثقافي الذي يسعى الى تحدي ذاته ويبتكر فعاليات وأنشطة تثري الساحة الثقافية والابداعية والرياضية والسياحية وغيرها بات اليوم مدينة ثقافة عابرة للزمان والمكان، وحاضرة في كل زمان ومكان.

خالد السليطي الذي اكد على أن الحي الثقافي يلعب دورًا هاماً وبارزًا في دعم الفعاليات والأنشطة التراثية التي تعزز ارتباط الفرد القطري ببيئته وتراثه الأصيل، ونقله إلى الأجيال الجديدة ليتعرفوا عن قرب على تاريخهم وموروثهم العربي، سيكون له في مقبل الايام الكلمة الفصل في رسم الملمح الاهم في مستقبل الثقافة والابداع، وإحدى المنارات الثقافية في المنطقة الخليجية، التي تتطلع إلى بناء جسر حضاري يربط بين ثقافات العالم، ويتخطّى الحدود الجغرافية، ويعزز الهوية الإنسانية، ويدعم رسالة قطر في إطلاق منصّة حوار تجمع الثقافات والحضارات.

 

ويرى السليطي ان “كتارا” شكّلت في البداية تحدّياً غير مسبوق في ظلّ التحدّيات التي تواجه العالم على الصعيد السياسي والتطاحن العرقي والمذهبي، حيث يمكن لبلد كقطر أن يعرض فضاء ثقافياً تفاعلياً بالدرجة الاولى، كشكل من أشكال الحوار المفقود في يومنا هذا”.

ويعتبر السليطي أن الثقافة لن تكون سوى جسر يجدد لغة الحوار بين الشعوب من خلال الفنون والثقافة المختلفة، وينفتح على التنوعات التي غيّبتها الحدود الجغرافية، فلا عجب في أن يلتقي الجمهور في “كتارا”، فنانين ومبدعين من جمهوريات القوقاز أو من مجاهل إفريقيا، أو من الصين أو من أمريكا اللاتينية، ويستكشف ما تزخر به هذه الدول من تنوع ثقافي وفنون لم يسبق له أن سمع بها.

المشروع الاستثنائي الذي يعتبر أحد أكبر المشاريع في قطر ذات الأبعاد الثقافية المتعددة، يحتوي على المسرح المكشوف الذي يعتبر واحداً من المنصّات الثقافية البارزة في الحي الثقافي، هو أشبه بتحفة هندسية أطلق عليها لقب “جوهرة كتارا” لتصميمها المبدع، وتجسيدها لفلسفة هندسية رومانية عربية إسلامية أصيلة، حيث أُنجز عام 2008 على مساحة 3275 متر2 وصُمّم لاستيعاب ما بين 3200 إلى 3900 متفرج، بقدرة استيعابية قصوى تصل إلى نحو 5000 متفرج، وهذا يجعله من أكبر المسارح في الشرق الأوسط، اضافة لدار الأوبرا، فتتسع لقرابة 500 شخص، وتحتوي على قاعة فخمة لكبار الزوار، وقسم أكبر للجمهور يتيح له الاستمتاع بالعروض والمشاهد المسرحية، وقد جُهّز بأحدث المعدّات والخدمات والتسهيلات ليلبّي مختلف حاجات الفنانين والجمهور.

ولعل الاهمية القصوى لهذا الحي تأتي من تنوّع شرائح الزوّار، جنسيّات متعددة و مختلفة, سكان وسائحين, قطريين وعرب وأجانب , أفراد وعائلات، حيث يستقبل الحي الثقافي خلال الأيام العادية بمعدّل خمسة آلاف شخص يومياً,  بينما تكون النسبة في أيام العطلات و نهاية الأسبوع تتجاوز الثلاثين ألف زائر يومياً.

 

بقي ان نقول ان هذا الحي قد نجح في جمع الثقافة والفن والتراث من خلال سلسلة من الفعاليات والمهرجانات والمسابقات التي ينظمها طوال السنة، وتستقطب جمهوراً كبيراً ليس محلياً فقط وإنما على المستوى الإقليمي والعالمي لتشكل كتارا بذلك نظرة على مستقبل عالم يتمكّن فيه الناس من كل المرجعيات الثقافية المختلفة من تخطّي حدودهم الوطنية الجغرافية، وتبنّي قضايا مشتركة في دعم الوحدة الإنسانية.

 

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com