فيلادلفيا نيوز
ليس ثمة فروق جوهرية في الميدان الاقتصادي بين الدول التي شهدت تغييرا ثوريا ناجحا كتونس، وأخرى اختارت طريق الإصلاحات العميقة كالمغرب. والأمر ذاته ينطبق أيضا على مصر التي عاشت مسارا ثوريا شاملا.
حالة الأردن تصلح أيضا للقياس كون المملكة شهدت إصلاحات دستورية وسياسية واسعة، إلا أنها ما تزال تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة.
تونس عدت النموذج الوحيد الناجح لثورات الربيع العربي، فبالرغم من التحديات الأمنية والسياسية الخطيرة التي واجهتها تونس بعد سقوط نظام بن علي، إلا أنها تمكنت من تجنب مصير دول عربية أخرى كليبيا واليمن ومصر إلى حد ما. وحققت نجاحات لافتة في مجال الانتقال الديمقراطي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتشكيل حكومات ائتلافية ناضجة.
المغرب كانت حتى سنوات مضت مثالا للتحول السلمي نحو ديمقراطية أكثر تطورا، استندت لإصلاحات دستورية، وانتخابات حملت حزبا إسلاميا للسلطة، تعايش بشكل سلس مع النظام الملكي.
لكن البلدين يواجهان حاليا ظروفا اقتصادية صعبة بلغت حد الاحتجاجات الشعبية العنيفة في عديد المدن التونسية والمغربية. عناوين التذمر الشعبي والاحتجاج واحدة في البلدين ودول أخرى؛ الشغل ونقص الخدمات الصحية والتعليمية، وارتفاع معدلات البطالة.
وبالرغم من القدرات الاقتصادية الكامنة لهذه الدول، فإن النموذج الاقتصادي ما بعد الثورة والإصلاح لم يفلح في تحسين الواقع المعيشي للقطاع العريض من المواطنين. وبالنسبة للفئات الشعبية الواسعة، لم يعد يعنيها كثيرا توفر الديمقراطية والانتخابات دون أن يكون لها انعكاس على مستوى حياتهم.
النخب السياسية التي وصلت للحكم في جميع البلدان تقريبا لم تجد غير الوصفات الاقتصادية المعروفة والمجربة سابقا لمواجهة التحديات القائمة، والتي كانت في الأصل سببا رئيسيا للثورات.
ولم تجد الحكومات على تنوع خلفيتها؛ إسلامية وليبرالية، لا بل ويسارية، غير الأخذ بوصفات صندوق النقد الدولي، لتلبية حاجاتها من القروض لتمويل عمليات الإصلاح الاقتصادي وتحريك عجلة النمو.
وفي جميع تلك البلدان قوبلت خطط الإصلاح الاقتصادي بردود شعبية غاضبة، قوضت في المحصلة مصداقية الثورات والشعارات التي كافحت من أجلها الشعوب كالديمقراطية والحكومات المنتخبة، وعمليات الإصلاح السياسي بمجملها.
في بعض الدول حاولت قوى سياسية صاعدة محاكاة النموذج اليوناني لتحفيز الحكومات على تحدي وصفات “النقد الدولي”، لكن في نهاية المطاف استقر النموذج اليوناني نفسه في حضن الصندوق، وقبلت الحكومة اليسارية بشروط الاتحاد الأوروبي مقابل الحصول المنح والمساعدات.
في الاثناء، كانت تجارب ثورية عالمية ملهمة لتيارات يسارية عربية، كتجربة فنزويلا، تنهار تحت وطأة التخبط والشعبوية، فانتهى المثال الفنزويلي إلى كارثة اقتصادية تتحاشها الدول.
لم يتوهم أحد أن الإصلاحات بكل طبعاتها ستغير الواقع الصعب بين ليلة وضحاها، لكن ما أكدته تجارب الربيع العربي أن الاصلاحات السياسية لن تحقق غاياتها الاقتصادية مهما طال الزمن، إذا لم تقترن ببرامج واقعية وقابلة للتطبيق في الميدان الاقتصادي، وأن التغيير في هذا المجال لن يتحقق بمعزل عن شروطه العالمية.