الجمعة , يونيو 27 2025 | 6:37 ص
الرئيسية / stop / أ.د. مخلد سليمان الطراونه يكتب :أسئلة التوجيهي غير المدروسة: أزمة ثقة في النظام التعليميي

أ.د. مخلد سليمان الطراونه يكتب :أسئلة التوجيهي غير المدروسة: أزمة ثقة في النظام التعليميي

فيلادلفيا نيوز

في كل عام، يتجدد الجدل حول امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) في الأردن، لا سيما حين يتعلق الأمر بـ”الأسئلة غير المدروسة” التي تُفاجئ الطلبة وتثير موجة من الغضب والقلق في أوساطهم وأوساط ذويهم. ما يفترض أن يكون وسيلة لقياس الفهم والتحصيل العلمي، يتحول أحيانًا إلى اختبار للصبر والتخمين، خاصة عندما تأتي الأسئلة من خارج المحتوى المتوقع، أو بصياغة مربكة وغامضة، لا تراعي المستويات المعرفية المختلفة للطلبة. إن التوجيهي ليس مجرد امتحان، بل هو محطة مفصلية في حياة الطالب الأردني، تتحدد بناءً عليها تخصصاته الجامعية، بل وأحيانًا مستقبله المهني بالكامل. وفي ظل هذا الضغط، فإن وجود أسئلة خارجة عن نطاق المنهاج، أو تحتمل أكثر من إجابة صحيحة، أو تحتاج إلى وقت يفوق الزمن المخصص لها، يعد خللًا تربويًا يستدعي التوقف عنده ومحاسبة المسؤولين عنه.
لقد سجل الطلبة في السنوات الأخيرة شكاوى متكررة تتعلق بـ:
 أسئلة مبالغ في صعوبتها مقارنة بما تم شرحه فعليًا في الغرفة الصفية.
 أسئلة بصياغة ملتوية تفتقر إلى الدقة العلمية.
 أسئلة تعتمد على الحفظ المفرط بدلًا من الفهم، أو على تفاصيل غير جوهرية.
في المقابل، تؤكد وزارة التربية والتعليم على أن الأسئلة تُعدّ من قبل لجان متخصصة وتخضع لمراجعة متعددة، وتتنوع لتناسب جميع المستويات. ومع ذلك، فإن الواقع يؤكد أن بعض هذه اللجان قد تكون بحاجة إلى إعادة تأهيل أو إشراك معلمين ميدانيين أكثر قربًا من واقع التعليم في المدارس الحكومية والخاصة. كما أن أسلوب التعامل مع هذه الشكاوى غالبًا ما يتسم بالتجاهل أو التبرير، بدلًا من فتح باب مراجعة علمية شفافة. إن الطالب الأردني لا يطلب المستحيل، وإنما فقط امتحانًا منصفًا، شفافًا، ومعبرًا عن فهمه الحقيقي، لا عن قدرته على الحفظ الأعمى أو الحظ. ومن هنا نوجه دعوة لمراجعة شاملة لسياسات وزارة التربية والتي أوكل أمرها ومصيرها للمجهول. وإن إصلاح منظومة التوجيهي يتطلب أكثر من تغيير في عدد الأسئلة أو شكل الورقة، بل يستدعي:
 تدريب اللجان على أساليب تقييم عادلة تربويًا.
 تجربة الأسئلة فعليًا على عينات من الطلبة قبل اعتمادها.
 تحليل نتائج الطلبة بعد كل دورة لتحديد مكامن الخلل.
 إشراك المعلمين في الميدان في تصميم الامتحانات بدلًا من الاكتفاء بالجانب النظري.
ولذلك فإن امتحان التوجيهي يجب أن يكون معيارًا علميًا وليس أداة ضغط نفسي أو عقاب جماعي. وعلى الجهات المختصة أن تدرك أن كل سؤال غير مدروس، هو رصاصة تصيب ثقة الطالب بنظامه التعليمي، وتُضعف إيمانه بعدالة التقييم في وطنه. أين وزارة التربية من هذه المهزلة المتكررة؟ أين دورها الرقابي في مراجعة ما يُطرح على الطلبة من أسئلة مصيرية؟ لقد بدا وكأن من وضع الامتحانات يعمل بمعزل تام عن واقع الطلبة والمناهج المدرسية. غياب الإشراف الحقيقي من قبل الوزارة على لجان إعداد الامتحانات أدى إلى نتائج كارثية يشعر بها كل بيت أردني.
كما يُطرح تساؤل ملحّ: أين الجهات الرقابية من المحتوى المقدم على المنصات التعليمية؟ هل يتم فحص جودة المادة التعليمية ومطابقتها مع أساليب التقييم الرسمية؟ في ظل الانتشار الواسع للمنصات، فإن مسؤولية الرقابة تضاعفت، ولا يجوز ترك الطلبة فريسة لتضارب المعلومات والوعود الفارغة. لقد انحدر مستوى وزارة التربية والتعليم إلى درجة تُثير القلق على المستوى الوطني. بدلًا من أن تكون مؤسسة توجيه وبناء، تحولت في نظر كثيرين إلى مصدر توتر وارتباك، وهو أمر لا يليق بمؤسسة تُعنى بتربية أجيال المستقبل.
المؤسف أن هذه الممارسات تسببت بانحدار ثقة المواطن بمؤسسات الدولة. ما المطلوب من الطلبة وأهاليهم أن يفعلوا أكثر من الالتزام والدراسة؟ إن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى فجوة متزايدة بين المواطنين ومؤسساتهم، ما لم يتم التدخل العاجل بإصلاحات جذرية تعيد الثقة والمصداقية لمنظومتنا التعليمية.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com